في 30 أبريل، أحيت قرية «كمشيش » بالمنوفية ، الذكري السنوية للشهيد «صلاح حسين» ...أبرز شهداء الفلاحين الذين صدقوا أن «حركة 23 يوليو المباركة» وضعت نهاية لعصر الإقطاع، وأن الفلاح أصبح سيد أرضه، فاندفعوا لمواجهة السادة، فتعرضوا لأبشع عمليات القمع والاضطهاد ففي عز مجد الاشتراكية، قتل صلاح حسين في أبريل 1966، وبرأت المحكمة مدبري الجريمة، واكتفت بسجن من استأجروه لارتكاب الجريمة. لم يكن صلاح حسين أول شهداء الفلاحين بعد انقلاب يوليو، وبالطبع لم يكن آخرهم ...ففي أعقاب قوانين الإصلاح الزراعي في سبتمبر 1952، باع الإقطاعي «راغب فودة» أراضيه في قري مركز ميت غمر إلي بعض كبار تجار المخدرات، بينما صدق فلاحو «قرية سمبو» أن الأرض ستئول لهم، فتظاهروا ضد تاجر المخدرات «عبد الرحيم المرشدي»، المالك الجديد لأرض قريتهم ...وتصدت لهم قوات الأمن وطاردتهم، فلاذوا بقمم الأشجار، لكن الشرطة حصدتهم بالرصاص الحي، ومات وجرح العشرات، وسجن مائة من الفلاحين، وحاكمهم القضاء العسكري. من يومها، لم ينقطع طابور شهداء الفلاحين.. وخاصة السنوات الماضية، التي شهدت تصاعد العديد من الاحتجاجات في بعض القري المصرية ضد القانون الجديد للإيجارات «1992» وعمليات طرد الفلاحين المستأجرين، أو من أراضي الإصلاح الزراعي، وشهد العقدان الماضيان دماء العديد من الشهداء دفاعا عن أرضهم، ومئات المعتقلين من الفلاحين. احتفال «كمشيش» هذا العام، شهد أجواء مختلفة تتواكب في حرارتها مع الأجواء العامة في مصر ... اجتمع فلاحو مصر ومثقفوها تحت شعار « فلاحون من أجل التغيير» لطرح رؤاهم لما يجب عمله لحماية حق الفلاح في الأرض والمياه، ولوازم الإنتاج والحياة الكريمة، وسيطرت علي المؤتمر قضية السبيل لتحرير مصر من النظام الاستبدادي الرئاسي، إلي نظام برلماني ديمقراطي، لا يحتكره أصحاب رأس المال وكبار ملاك الأرض. ولكن يرعي حقوق العمال والفلاحين، ويضمن الحياة الكريمة للطبقات الفقيرة . ولأول مرة، تتسابق القوي السياسية المصرية للمشاركة في المؤتمر ... فبادر الدكتور محمد البرادعي - مرشح الشعب للرئاسة - بإرسال برقية اعتذار عن عدم الحضور بنفسه لسفره للخارج، وأعلن تأييده لحقوق الفلاحين السياسية والاقتصادية، ودعاهم للمشاركة الفعالة في اللجنة الوطنية للتغيير. ولأول مرة يشارك الناصريون والإخوان المسلمون في مؤتمر كمشيش، فحضر النائب «حمدين صباحي» رئيس حزب الكرامة، رغم اغتيال «صلاح حسين» في عز مجد النظام الناصري، ولم يحاكم القتلة الحقيقيون حتي الآن .. وحرص الإخوان المسلمون وشاركوا هم أيضا لأول مرة في هذا المحفل السنوي الذي يعقد منذ عام 1967 .. لكن «البرادعي»، كان الأكثر حضورا رغم غيابه، بسيطرة مبادرته للتغيير علي اهتمام المشاركين، ومشاركة العديد من ممثلي لجان «من أجل التغيير» ولجان تأييد البرادعي، وأعضاء الجمعية الوطنية للتغيير، رغم غياب الوجوه الإعلامية الشهيرة فيها، والمحيطة بالدكتور البرادعي !!! وكالمعتاد، وكما هو الحال في كل عام، شاركت كل قوي اليسار الشيوعي بجميع أطيافها. تعكس هذه الأجواء الجديدة، مناخا صحيا، ينبئ بتغيرات جادة .. ولأول مرة يشارك الشيوعيون والناصريون والإخوان المسلمون، في مؤتمر واحد بلا تناحرات واتهامات متبادلة، ويجتمعون «مع اختلاف درجات الحماس وتباين الرؤي» علي ضرورة التغيير، وأن الديمقراطية هي السبيل للعدالة الاجتماعية. ورغم الغياب الجسدي لممثلي القوي الليبرالية عن المؤتمر فإن الخطاب الليبرالي كان السائد في الكلمات والبيانات، كل هذه التيارات المتنوعة والمختلفة، اجتمعت تحت قيادة السيدة «شاهنده مقلد» التي انفردت برئاسة المؤتمر، لكنها مكنت الجميع من المشاركة بحرية .. وهذا في حد ذاته، مظهر جديد، بعكس هشاشة اللجاجة الفارغة، والتطاول المتخلف علي النساء، والانتقاص من قدرهن، وحقوقهن في القيادة. .. ولنا أن نأمل في أن نحاكم قتلة «صلاح حسين» الحقيقيين وقتلة المئات من شهداء العمال والفلاحين، في مؤتمر الفلاحين المقبل في كمشيش .