«تحت سماء لوَّثها الحقد والدخان.. ما نوع المخلوقات التي يمكن أن تتنفس وتتكاثر؟».. تساؤل للمحلق «أحمد العايدي» من روايته «أن تكون عباس العبد» يفسر تماماً ما آل إليه حال الناس في الشوارع التي باتت وجوهها وقلوبها ممتلئة بمشاعر الحقد والغضب والضغينة والهمجية والكبت والجهل.. المفاهيم جميعها أصبحت مغلوطة.. الإيشاربات والذقون أصبحت بديلاً رسمياً للأخلاق.. الاصطناع والتمثيل والتناقضات أصبحت بديلاً رسمياً للحقيقة.. تم استبدال التحضر بالهمجية والرقي بالتخلف والصعود بالانحدار.. تلك الكائنات التي ترونها في الشوارع متجهمة ومكبوتة ومتناقضة لا تثير الغضب بقدر ما تثير الرثاء.. هذا الرجل الذي بدا للوهلة الأولي أنه محترم حتي جحظت عيناه وهو يمعن النظر في جزء من ظهر فتاة عادية جداً وطبيعية تماماً أثناء ركوبها التاكسي ليتبين بعدها أنه غير محترم علي الإطلاق ومكبوت حتي الانفجار.. خاصة أن تلك النظرة الجاحظة المريضة سوف يعقبها تكويمُه آخر الليل كالكتكوت المبلول بجانب زوجته وهو لا يختلف عنها كثيراً سوي أنه فقط.. بشنب! تحت سماء لوثها الحقد والدخان.. ما نوع المخلوقات التي يمكنها أن تتنفس وتتكاثر بخلاف تلك الكائنات المريضة والمتناقضة التي تملأ الشوارع والتي تتخذ من الغُلب والمشاكل مبرراً منطقياً لهمجيتها وجهلها وتخلفها وتناقضها.. ما نوع المخلوقات التي يمكنها أن تتنفس وتتكاثر بخلاف كائنات من نوعية «طبل» و«نونا» و«بوسي» و«عادل» و«حُبَّة» و«شوقية».. ما نوع الحياة التي تتصورونها في مناخ نفسي ملوث مثل ذلك سوي تلك الحياة التي أبدعها لنا الكاتب «مصطفي ذكري» والمخرج «أسامة فوزي» في تحفتهما المجنونة.. «جنة الشياطين».. تلك الجنونة التي أنتجها العظيم «محمود حميدة» والتي حقق من خلالها سبقاً سينمائياً غير مسبوق.. ليصبح أول بطل في تاريخ السينما.. يظهر طوال الفيلم ومنذ لحظته الأولي وحتي الأخيرة وهو.. ميت!