«يا زول ستزول»، شعار رفعه أحد المتظاهرين السودانيين الذين ملؤوا شوارع الخرطوموأم درمان وغيرهما من المدن منذ الساعات الأولى لصباح أمس «السبت»، فى إشارة قوية إلى أن عمليات القتل والتنكيل بهم لن تثنيهم ولن تفت من عضدهم وتدفعهم لليأس وإنهاء التظاهرات قبل سقوط نظام الرئيس عمر البشير.
وخرج الآلاف من السودانيين فى منطقة برى فى العاصمة الخرطوم صباح السبت فى جنازة تحوّلت إلى تظاهرة كبرى، لكنهم وُجِهوا فى تلك المرة بمسلحين مجهولين قتلوا منهم أربعة، وأُصيب العشرات، ويؤكد ناشطون سودانيون ل«التحرير» أن المسلحين ما هم إلا «بلطجية» النظام الذين كان يستخدمهم دومًا لفض أى احتجاجات. وما يؤكد ذلك هو تكرار الأمر ذاته فى منطقة الفتيحاب بمدينة أم درمان، وقتل العشرات وإصابة كثير منهم.
ولكن كل الأعمال الانتقامية والإجرامية من قبل نظام البشير لم تجعل الشعب السودانى ييأس، حيث خرج الآلاف أيضًا فى شارع الستين بالخرطوم، وفى بحرى وفى عطبرة وبورت سودان ونيالا، وغيرها من المدن التى باتت أيقونات للثورة السودانية، وردّد المتظاهرون شعارات، مثل «حرية حرية»، و«يسقط يسقط البشير»، و«يا زول ستزول»، فى إشارة إلى سقوط حكم البشير الوشيك.
ورغم التعتيم الإعلامى الكبير، الذى تفرضه السلطات السودانية على المراكز والمستشفيات الطبية، حتى لا تخرج أرقام الوفيات إليهم، فقد أكد مصدر طبى ل«التحرير» أن أرقام القتلى وضحايا تلك الأعمال الإجرامية تجاوزت ال200 قتيل حتى مثول الجريدة للطبع.
وتابع المصدر الطبى «تم اعتقال مدير مستشفى أم درمان، ووقفه عن العمل بسبب تصريحه بعدد القتلى الذين سقطوا فى الاحتجاجات وإصاباتهم بطلقات نارية، وتم تعيين آخر ذى خلفية عسكرية».
ومن جانبها، أكدت منظمتا العفو الدولية و«هيومن رايتس ووتش» الدوليتان المعنيتان بحقوق الإنسان، أن أرقام القتلى أكبر بكثير مما أعلنه النظام وهو «29 قتيلًا». وقالت «العفو الدولية»، فى بيان مشترك مع المركز الإفريقى لدراسات العدل والسلام، إنهما رصدا مقتل أكثر من 50 شخصًا يومى الثلاثاء والأربعاء فقط، وجميعهم لقوا حتفهم نتيجة إصابتهم بالرصاص الحى فى الصدر والرأس، مما يشير إلى تعمد استهداف المتظاهرين.
ودعت «العفو» الحكومة السودانية إلى التوقف الفورى عن استهداف التظاهرات السلمية، وعمليات القمع العنيف التى ترتكبها ضد المدنيين، خصوصًا أن تعمّد إطلاق النار على المحتجين قد يجعله عرضة لوقوع البشير فى «جريمة حرب» جديدة يلاحق بسببها دوليًّا.
أما منظمة «هيومن رايتس ووتش»، فقالت إنها تأكدت من أن عدد القتلى أعلى من الرقم الرسمى بكثير جدًّا، دون أن تحدّد رقمًا بعينه، وأكدت أنها رصدت استخدام قوات الشرطة والأمن الغاز المسيل للدموع والذخيرة الحية ضد المحتجين. واستمرارًا فى حالة التعتيم الإعلامى التى يفرضها البشير على السودان، فقد قررت سلطاته الأمنية إغلاق مكتبى قناتى «العربية» و«سكاى نيوز عربى»، لمجرد نقلهما حقيقة وواقع ما يحدث هناك، ومنعت مراسليهما من العمل وصادرت معداتهما.
وفى المقابل، تواجه وسائل الإعلام المحلية ضغطًا أكبر، حيث صودرت أكثر من صحيفة عن الصدور يومى الخميس والجمعة، أبرزها صحف «السودانى» و«المجهر السياسى» و«الوطن»، علاوة على استقالة عدد كبير من صحفيى جريدة «الصحافة»، بسبب صدورها بعنوان وصفوه ب«غير المهنى، والمخالف للواقع»، حيث عنونت الصحيفة عددها ب«تبت يد المخربين»، وهو الوصف الذى تصر وسائل الإعلام الرسمية على وصف المتظاهرين به. وقالت الصحفية هندية رمضان، ردًّا على ما نشرته جريدة «الصحافة»، «ما حدث أسود يوم فى تاريخ الصحافة، خصوصًا عندما طالعت عنوان صحيفة (الصحافة) غير الجديرة بالاحترام، وتبت يد رئيس تحريرها، الذى أخرجها بهذا الشكل». ولا تزال صحف «القرار» و«الأيام» و«الجريدة»، كلها مستقلة، ممتنعة عن الصدور لليوم الثالث على التوالى، احتجاجًا على التضييق الأمنى على الصحف.
ودعت شبكة الصحفيين السودانيين، وهى تجمع موازٍ لنقابة الصحفيين التى يقول صحفيون إن موالين للنظام الحاكم يسيطرون عليها، جميع الصحفيين بالبلاد إلى الدخول فى إضراب مفتوح عن العمل، اعتبارًا من اليوم السبت، لعدم تمكّن الصحفيين من تغطية الأحداث بحرية، ومنع الصحف من نشر الحقائق.ونظّم الصحفيون فى المقابل وقفة احتجاجية كبيرة ضمّت معظم صحفيى السودان أمام نقابة الصحفيين، تندّد بتكميم الحكومة السودانية للأفواه، وتساند الثورة الشعبية العارمة. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل شنّت قوات الأمن السودانية موجة اعتقالات هائلة، حيث قالت وزارة الداخلية إنها اعتقلت أكثر من 600 شخص فى ما وصفته ب«تورّطهم بأحداث تخريبية ومتلبسين فى أعمال سرقة ونهب»، بينما أكد نشطاء أن المقبوض عليهم تجاوزوا 2000 شخص، ومعظمهم من النشطاء الذين يشاركون فى التظاهرات السلمية.
كما استمرت نغمة السلطات الرسمية التهديدية، حيث توعّد نائب رئيس الجمهورية، الحاج آدم، رئيس القطاع السياسى بحزب «المؤتمر الوطنى» الحاكم، مَن وصفهم ب«المخربين»، ب«إجراءات عدلية صارمة».
وأشار إلى أن قوات الشرطة قامت بضبط «متهمين فى جرائم قتل المحتجين ومنسوبى الأجهزة الأمنية»، ولن تتورع فى معاقبتهم بأقصى عقوبة.