مصر كلها يجب أن تفرح بحسام البدري. مدرب وطني استطاع أن يفعلها. حصل علي بطولة الدوري للأهلي بعد ربع قرن من احتكار الأجانب لتدريب هذا الفريق الأهم والأشهر والأعرق والأنجح. حسام البدري صناعة مصرية مائة في المائة، معدن المصري حين يجد تحديًا فيتحدي، حين يراهن الكل علي فشله فيستفز جينات حضارة آلاف السنين وينجح، حين تتاح له فرصة من خرم إبرة من ممر ضيق وشائك يضعونه فيه حتي يفشل أو يزهق أو يستسلم فينفذ من الثقب ويصنع انتصاره ويحفر اسمه في التاريخ حين يتوهم البعض أنه يحفر قبر اسمه! حسام البدري تسلم الأهلي من إدارة تكاد تشهر إفلاسها المالي وتعلن ملل خيالها عن العمل، كانت لا تريد منه أن يفشل، لكنها لم تكن تنتظر منه أن ينجح، فلا ساعدته ولا دعمته، بل تركته في الأنواء يقود مركبه وحيدًا وهم يلوحون له من البر في وقت فراغهم! حسام البدري تسلم جيلاً رائعًا من نجوم الأهلي الكبار الذين صنعوا مجد السنوات الماضية، لكنه تسلمهم في لحظة خفوت وخمول ونحول في العطاء والإبداع وضعضعة للعظم والعضلات من الإرهاق البالغ أو من الشبع المبالغ فيه، فلم يقدموا للبدري إلا لمعان أسمائهم، وكان مطلوبهم أن يحافظ لهم علي أسطورتهم. حسام البدري تسلم عددًا من لاعبي الأهلي الشبان ومتوسطي الموهبة أقل إبداعًا وأضعف عطاء وأدني تاريخًا وبلا خبرة وكان مطلوبًا أن يصنع بهم بطولته. حسام البدري تسلم أسوأ حراس مرمي مروا علي الأهلي منذ نصف قرن يجمعهم ضعف الموهبة مع قلة الخبرة مع قلة الحيلة، وكان مطلوبًا أن يصنع لهم مستقبلهم! كان حسام البدري مثل الرجل الذي ربطوا قدميه ورجليه بالسلاسل وقالوا له اتفضل اجْرِ فإذا عجز عن الجري لاموه علي أنه لا يعرف الجري! ومن هنا جاءت مفاجأة حسام البدري الرائعة أنه جري. جري وتألق ونجح وفاز وانتصر! كانوا طوال الوقت يطاردونه بالمقارنة مع مانويل جوزيه وهو مدرب مذهل طبعًا، لكن توفرت له في سنوات متتابعة أغلي الصفقات وأعظم المواهب مع انهيار كامل ومخجل للزمالك المنافس الوحيد والأهم، فحقق الرجل ما تحقق بتوفر كل شيء ولكنهم ضغطوا علي البدري ليفعل ما فعله جوزيه، بينما أخذوا منه كل ما أعطوه لجوزيه حتي إن المارد العبقري حسام حسن أخرج الزمالك من الحفرة وصعد به لواجهة المواجهة كأنما ليزيد الأثقال علي البدري، وعرفنا الآن أن البدري بطل في الكرة وفي رفع الأثقال كذلك! كانوا طوال الوقت يشككون في موهبته ويزعمون «كَبُر مَقْتُهم» أن أنصاره ومحبيه هم الزملكاوية، وتحمل البدري وتجاوز وترفع عن سخافات وسخائم، واستمر بدون أن يتملق أو يتسلق الإعلام ولا طلب من هؤلاء المطبلين الزمارين في بعض البرامج أن يتحدثوا عنه بما يليق ببطل ومتصدر دوري، سكت حتي لَكَمَ وصمت حتي أخرسهم! حقق البدري بطولة الدوري قبل ثلاثة أسابيع من نهايته وبعد خروج وحش الزمالك من غفوته ومن خلال لاعبين لم يخترهم، بل مفروضون عليه بحكم شهرة بعضهم وتاريخ وإنجازات بعضهم ورخص أجر بعضهم، حقق البطولة بعدما كان سابقه الأسطوري جوزيه قد نالها العام الماضي بعد مباراة فاصلة وبعد أن أضاع خمس عشرة نقطة كانت تفصله عن أقرب منافسيه! حسام البدري يمشي في طريق محمود الجوهري وحسن شحاتة ومع حسام حسن، هؤلاء وحدهم الذين يملكون أن يتحدثوا عن أنفسهم فتنحني أقلام البعض إعجابا وتتوقف ألسنة البعض احترامًا. مبروك حقيقة وصادقة وعميقة إلي بطل مصري رائع اسمه حسام البدري!