1 عندما نظرت باتجاهي - مسددة نظرتها الحارقة إلي عيني مباشرة - وصرخت فجأة.. تلك الفتاة التي ترتدي الفستان الأسود الذي يرتفع لما فوق ركبتيها.. انخلع قلبي.. كأنني أنا الجاني.. أو المحقق الذي قام بالتحقيق في الجريمة.. وقيدها ضد مجهول.. كان في نظرتها كلام كثير.. يعادل نصف «خريف الغضب».. أو ثمانين حلقة من «شاهد علي العصر».. حيث يتحدث السياسيون بعمق.. في الفترة الزمنية التي تسبق قيامي بتغيير المؤشر إلي قناة الأغاني الأجنبية.. لكنني لم أشعر من قبل بوخز الضمير.. فلماذا هذه المرة؟.. فاصل: كلنا يمر بمثل هذه الأيام.. حين يتوقف الهاتف عن إصدار الرنين بلا أي سبب.. وتتوقف الأسماء المحببة عن الظهور فوق شاشته الصغيرة.. حين يتوقف باعة الجرائد وبواب العمارة وسائقو التاكسي عن مناداتك باسمك المفضل.. حين يزداد انتباهك لدقات الساعة وأصوات آلات التنبيه الآتية عبر الشرفة التي لم تفكر في فتحها.. ويقل مللك من الإشارات الحمراء وتأخر السندوتشات التي طلبتها في محل الوجبات السريعة.. قد تأخذ وقتا حتي تبدأ في الشعور بأنك لست علي ما يرام فعلا.. وهذا ما سوف يجعلك تستغرق وقتا قبل أن تجيب علي السؤال التقليدي «عامل إيه» بإجابة تقليدية مماثلة «الحمد لله.. كويس».. ليس المؤسف أن هذا الوقت هو كل رد الفعل الذي سوف تقوم به.. ولكن المؤسف أنك قد لا تشعر أنك في حاجة إلي القيام برد فعل من أي نوع.. 2 الطفلة التي ابتسمت لي وهي تحمل الزهور الملونة أمام طائرة الرئيس.. كانت عيناها فارغتين تماما من الكلام.. مثل تترات برنامج البيت بيتك.. تري هل هذا هو ما يدفعني إلي تذكر تلك الفتاة التي ترتدي الفستان الأسود الذي يرتفع لما فوق ركبتيها.. والتي زلزلتني حين صرخت في داخلي.. بعينيها أولا.. في جنازة عبد الناصر.. فاصل: حين أغسل وجهي في الصباح أتركه طويلا تحت سريان الماء.. لعله يزيل العرق وآثار النوم وبقايا أحلام الأمس.. بزوجة أقل سمنة وتجار أقل جشعا ومديرين أقل فسادا وملابس جديدة وخبز بقليل من العيوب وأتوبيسات عامة بلا نشالين.. النشالون تحديدا يأخذون وقتا أطول في الغسيل.. 3 لماذا أصبحت هذه الفتاة تطاردني.. تسير أحيانا ببطء خلفي مثل ذلك المخبر الذي ظل يتبعني حتي صعدت إلي المنزل في تلك الفترة التي ظللت فيها دون أن أحلق لحيتي لفترة طويلة.. بينما تركض أحيانا أخري بعنف مثل اللص الذي طاردني في الشارع المظلم الموازي لسور المترو حين عدت في ساعة متأخرة من الليل.. أنا لم أقتل أحداً.. ربما كان هذا هو السبب؟؟.. فاصل: بعض الموظفين الذين حملهم أتوبيس المصلحة صباح يوم الاستفتاء علي تعديل الدستور.. لم يكونوا يعلمون ما الذي يفترض أن يقوموا به؟.. البعض كان يظن أنهم ذاهبون لانتخاب نجل الرئيس الحالي رئيسا للبلاد.. بينما كنت أنا قد اتخذت قرارا صارما.. قررت أن أتغيب اليوم عن العمل.. ربما أتمكن من النوم بعض الوقت.. لأستيقظ في ساعة نهارية متأخرة شاعرا بالصداع ومقلبا في قنوات التليفزيون كما يفعل أبناء الأثرياء.. 4 كانت تبدو حقيقية تماما هذه المرة.. لدرجة أفقدتني لبرهة السيطرة علي أصابع يدي الممسكة بجهاز التحكم عن بعد.. فكرت أنها تبدو حقيقية أكثر.. هذه الفتاة التي لا تحمل سوي اللونين الأبيض والأسود.. ربما تحمل جهازاً مماثلاً للتحكم عن بعد.. ربما تخرجه الآن - وقد ضاقت ذرعا بنسياني للدور وعدم قدرتي علي استيعاب الشخصية.. فتغير القناة.. فكرت أنها قد تقلب علي قناة الأغاني الأجنبية.. ضحكت من قلبي وأنا أنظر لجدران غرفتي التي سوف تستند عليها سيلين ديون في نعومة.. والأريكة الطويلة في آخر الصالة التي سوف ترتاح عليها جينيفير لوبيز بساقيها العاريتين..