الضباط الأحرار أدركوا خطورة إضعاف الجيش..والسيسى أعاد الثورة فى ثوب جديد «جيش وثورة» عنوان مركز يلخص معادلة الانتفاضات الشعبية للشعب المصرى التى تشتمل دائما على دور للجيش منذ ثورة عرابى التى بدأت لمطالب من أجل بناء الجيش القوى وانتهت بثورة شعبية انضم لها المصريون البسطاء للوقوف فى وجه أطماع خارجية وفساد للحكام، وتجسدت فى أنجح صورها فى ثورة يوليو 1952 التى أطلقها مجموعة من صغار الضباط الذين ساءهم أن يمتد إضعاف الدولة إلى إضعاف الجيش، فقاموا بحركة تحولت فى أيام قليلة إلى ثورة شعبية، بعد أن تبنت مطالب الشعب عامة، لكن ثورتين فى عامين اختلف مذاقهما والأجواء المحيطة بدخول الجيش فى المسرح السياسى بقوة، لكن دور الجيش لم يختلف عن كل سابقاته.
اختلف الجيش واختلفت الثورة، وبعد ستين عاما يعود التاريخ ليكرر نفسه بثورة قام بها الشعب، ويلعب الجيش دورا يلتبس على الجميع فهم أبعاده، خصوصا بعد أن أخذت الرياح السفينة إلى حيث لا تشتهى، ويعلن رسميا نهاية الجمهورية الأولى وصعود الجمهورية الثانية، تدشينا لحكم الإخوان وفرض زمنهم على الحاضر المصرى، وغرقت ثورة يوليو المجيدة أو هكذا فى ضباب المرحلة الانتقالية التى أعقبت ثورة 25 يناير 2011، لكن هذه المرة أعادها الشعب إلى المشهد وبقوة بعد أن دفع الجيش مرة أخرى إلى مقدمة العملية السياسية، لإعادة تحرير مصر واستعادتها وتسليمها إلى أهلها.
«الجيش المصرى فى 1952 غيره فى 2011 و2013، والثورة الأولى غيرها فى الثورتين الأخيرتين، لكن موقف الجيش المصرى واحد وموقف الشعب أيضا واحد. الجيش انحاز لمصالح البلاد فى بناء جيش قوى لا يتم إضعافه ولا تحجيمه أمام الحفاظ على الأمن القومى للبلاد، وهى المهمة الرئيسية للجيش المصرى» هكذا يوضح اللواء متقاعد حسام سويلم، الخبير الاستراتيجى وأحد أبطال نصر أكتوبر، فما حدث فى المرحلة الانتقالية بعد ثورة 25 يناير أثر سلبا على القوات المسلحة المصرية، لاضطلاعها بمهام بعيدة عن مهامها القتالية، وانعكس سلبا أيضا على شكل هذه القوات بعد انتهاء الفترة الانتقالية وتسليم البلاد إلى حكم مدنى.
ويواصل سويلم فماذا حدث؟ النظام الحاكم انحرف بعيدا عن مسار ثورة يوليو التى يعتز بها الجيش وتعبر كتابا وضع به مبادئ عقيدته العسكرية التى تم أيضا وضعها فى الدساتير المصرية كأحد أهم مبادئ ثورة يوليو: «بناء جيش وطنى قوى»، و«الجيش مكلف بحماية الدولة من أى أخطار تهددها فى الداخل أو الخارج»، وهذا وفقا أيضا لعقيدة الجيش يعنى عدم السماح بانهيار الدولة.
اللافت أن السيسى التزم حرفيا بمبادئ ثورة يوليو فى ما يخص وضع الجيش، وانتبه من البداية إلى مدى الضرر الذى أصاب القوات فى أثناء المرحلة الانتقالية، لكن الخطر الأكبر ظهر خلال فترة حكم الإخوان وولائهم للتنظيم الدولى وسياساته، لا إلى الدولة المصرية والشعب، وهو ما خالف تماما عقيدة الجيش وهدد مصالح الوطن، ومع استمرار التجاوزات فى حق الجيش وتعمد توجيه الإهانات والإساءات إلى القادة والضباط لإضعاف الروح المعنوية كان تكبيل حركة الجيش فى العمليات المكلف بها، خصوصا فى سيناء وعلى الحدود أبرز الأثر فى اتخاذ قرار عودة الجيش إلى المشهد السياسى.
السيسى استفاد كثيرا من دروس ثورة يوليو وثورة 25 يناير، فابتعد بالثورة عن مشهد الانقلاب الذى لون ثورة يوليو فى نشأتها على أيدى الضباط واستمرارهم فى الحكم، وابتعد بالجيش عن أى دور فى إدارة المشهد بعد الإطاحة بالإخوان وإنهاء احتلالهم لمصر، وتجنب أخطاء مجلس المشير وعنان، فسلم الإدارة خلال 24 ساعة إلى رئيس مدنى مؤقت، وانسحب ورفاقه تماما من المسرح السياسى ليمنح ثورة يوليو عودة جديدة، لكن بأخطاء أقل.
وعلى عكس ثورة يناير جاءت ثورة يونيو متفقة مع ثورة يوليو، ووفقا لهذه المعطيات فى تجنب الجيش أى صدام مع الشعب، بل العكس، وعادت مشاهد مليونيات الحشود فى زمن ناصر لتطل بقوة على مشهد تلاحم الجماهير مع حراس الثورة الذين تمسكوا بأنهم صانعوها، لا الجيش، لكنهم أقروا دور الجيش فى تنفيذ إرادة الشعب. وأوضح سويلم أن الجيش على عكس ما حدث فى ثورة يوليو لم يطمع فى الحكم ولا السلطة، رغم أنها أتيحت له فى المرتين، لكنه نقلها إلى سلطة مدنية، وفى المرة الثانية كان أسرع.
«روح ثورة يوليو قادت خطى السيسى فى استعادة مصر وردها إلى أهلها»، هكذا يوضح اللواء متقاعد أحمد عبد الحليم، فالسيسى عمد خلال شهور قليلة عقب توليه منصبه لمهمة دقيقة وحساسة للغاية بإعادة بناء الجيش واستعادة ثقته فى قادته وفى قدراته من جهة، واستعادة ثقة الشعب فيه، وهذا هو جوهر العلاقة التى بنتها ثورة يوليو بين الجيش والشعب».
الملاحظ أن بيان ثورة يوليو الذى أذيع صباح 23 يوليو وبعد سيطرة الجيش على دار الإذاعة ركز على الدوافع فى تقديمه إلى الشعب أولا، ثم إلى العالم، ما قام به الضباط الأحرار فى الليلة السابقة وبعد أن تمت السيطرة على مفاصل التشكيلات الرئيسية للقوات المسلحة من جهة، والسيطرة على القيادة العامة واعتقال كل قيادات الجيش الموالين للقصر.
وكما جاء فى البيان الأول لثورة 23 يوليو، فقد تشابهت الدوافع مع تلك وراء ثورتى يناير ويونيو، فقال البيان الأول: «اجتازت مصر فترة عصيبة فى تاريخها الأخير من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم، وقد كان لكل هذه العوامل تأثير كبير على الجيش، وتسبب المرتشون والمغرضون فى هزيمتنا فى حرب فلسطين، وأما فترة ما بعد الحرب فقد تضافرت فيها عوامل الفساد، وتآمر الخونة على الجيش، وتولى أمره إما جاهل وإما فاسد حتى تصبح مصر بلا جيش يحميها، وعلى ذلك فقد قمنا بتطهير أنفسنا، وتولى أمرنا فى داخل الجيش رجال نثق فى قدرتهم وفى خُلقهم وفى وطنيتهم، ولا بد أن مصر كلها ستتلقى هذا الخبر بالابتهاج والترحيب».
على عكس ثورة يوليو التى بدأت انقلابا عسكريا ثم تحولت إلى ثورة، فقد جاءت بيانات ثورة 30 يونيو كلها قبل الثورة وعزل الرئيس السابق.
وحرص الجيش على إبراز تجنب الدخول فى السياسة، لكنه حذر من نفق مظلم تنزلق فيه مصر.