هنا - بالتحديد سوف أكون منحازًا ففي يقيني أن ما حدث في قرية الحجيرات بقنا وأبوقرقاص والغنايم وسقوط كل هذا العدد من القتلي في أسبوع واحد إنما يشعرني بأننا أمام خطر ماثلا أمامنا واحتمالات قوية بأنه إذا لم ننتبه سنحترق جميعا. ويا للأسف نحن أبناء الصعيد من كبار الصحفيين والكتاب والمفكرين والمثقفين والعلماء والدعاة مازلنا نتعامي عن خطورة عادة الثأر في صعيدنا ونلغيه من وعينا ولا ندرك أبعاده.. وأخشي ما أخشاه وإذا ما ظللنا علي هذا العمي أن نجد أنفسنا وبمنتهي البساطة أمام حروب ثأرية لا تختلف عن مثيلاتها التي وقعت قبل الإسلام واستمرت أربعين عامًا كحروب داحس والغبراء العربية وربما ظهرت داحس والغبراء في كثير من قري الصعيد التي تحتدم الخصومة بين عدد من عائلاتها، وتختلط فيه قيمة الشرف والكراهية، بتصورات معينة عن الدين والقصاص والعدل، وبنية اجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية، تقود إلي تقديم العائلة علي الفرد، بل وتقدم العائلة علي الدولة. يخيل إلي - والله أعلم - أن حادثة الحجيرات وقعت لتفضح لنا عنصرية الإعلام عندنا وكيف إننا نعيش عصرا إعلاميا طائفيا تافها لا تشغله قضايا الوطن الجادة بقدر ما تشغله القضايا الشخصية والنميمة والجدل الفارغ، الذي لا مردود له إلا مزيدا من الفتنة والتفكك والثرثرة وضياع الوقت والناس والوطن. فأين هذا الإعلام من ألقاء وتسليط الضوء علي قضية الثأر في الصعيد والدعوة إلي مواجهتها والتصدي لها؟ كما أين دعوته ومساءلته لمنظمات وجماعات المجتمع المدني التي هرعت وخلع قلبها وطارت إلي نجع حمادي عندما قتل سبعة أقباط في حين أنها صمتت واختفت ولم نسمع لها حسا ولا خبرا في هذه القضية وغيرها من قضايا الثأر الأخري ، وكأنه إعلام تخصص لتغطية الأحداث الطائفية في الصعيد أو جمعيات ومنظمات تأسست ونشأت للنضال والتنديد بالفتنة الطائفة فقط.. والجدير بالملاحظة في هذا الأمر ما ذكره بعض الباحثين من أن الصعيد احتل في صحافتنا وإعلامنا علي مدار ربع قرن أقل مما أخذته مسألة الحديث عن فيلم أو مسلسل في عام واحد وتلك هي المشكلة. لقد كنت ومنذ فترة سابقة وباسمي وباسم جماعة الهجرة للجنوب التي تشرفت بتأسيسها ومعي نخبة من الوطنيين الشرفاء من أبناء الصعيد وخارجه وفي مقدمتهم الصديق والمفكر القبطي «ابن القوصية» جمال أسعد.. كنت قد دعوت إلي تنظيم حملة أو قافلة شعبية تضم كبار الكتاب والصحفيين والمثقفين والعلماء والنبلاء يتقدمهم فضيلة الإمام الأكبر ذاته شيخ الأزهر فهو قبل أن يكون شيخا للأزهر هو ابن من أبناء الصعيد من قرية القرنة الأقصر وكذلك فضيلة المفتي الدكتور علي جمعة ابن بني سويف وأعتقد أنها فرصة كبيرة الآن، خاصة أن الدكتور الطيب ذو باع طويل في فض المنازعات وإنهاء الخصومات ومعروف عنه دائما أنه يخصص يوما أو يومين في الشهر للذهاب إلي بلدته والجلوس في دوار العائلة بين أهله وناسه لإنهاء الكثير من الخصومات والمنازعات بين الناس وكنت قبل يومين قرأت أن فضيلته ورغم مشاغل منصبه الجديد مازال يواصل ويحرص علي هذه العادة.. نعم تنظيم هذه الحملة ليس مستحيلا.. وقد تستغربون أنه عندما أطلقت هذه الدعوة وضرورة تبني هذه الحملة ورعاية الأطفال في الصعيد ضحايا جرائم الثأر والذين فقدوا أباءهم وأمهاتهم في غرق العبارة السلام 98.. الذين تحمسوا واستجابوا ويقومون الآن بحملة تبرعات لرعاية هؤلاء الأطفال الضحايا طلاب وطالبات من الجامعة الأمريكية.. ولذلك حديث آخر إن كان في العمر بقية إن شاء الله عن اعتصام عمال ألومنيوم نجع حمادي.. مجرد ملاحظة ومنذ أن قرر عمال ومهندس شركة الألومنيوم بنجع حمادي الاعتصام بمقر الشركة عصر الثلاثاء الماضي للمطالبة بحقوقهم المستحقة، هاتفي المحمول لم يتوقف عن الرنين فلقد تلقيت مكالمات عديدة من بعض هؤلاء العمال تستغيث وتطالب بل تلح في الطلب، بأن نكون نحن أهل الصحافة وإلاعلام معهم، نساندهم ونقف بجوارهم وندافع عنهم حتي تصل أصواتهم ومطالبهم إلي السادة كبار المسئولين.. ويا للأسف الشديد ورغم كل هذا الإلحاح والعشم في صحافة وفضائيات القاهرة، ورغم أن أكثر من 3 آلاف عامل شاركوا في هذا الاعتصام ورغم أن القضية مهمة وتتعلق بمستقبل قلعة صناعية كبري من قلاع الصناعة في مصر، فإن غالبية الصحف والفضائيات القاهرية اختفت ولم تهتم وخذلت هؤلاء المعتصمين، لم تتحدث عنهم أو تأت لهم بذكر أو كاميرا، وكأنها تؤكد أن الذي يعيش بعيدا عن القاهرة في عرف هذه الفضائيات في اعتقادي هو بعيد عن كاميراتها وميكروفوناتها. فاعتذاري الشديد لكل هؤلاء الأبطال إن كنت فشلت بأن آتي لهم بفضائية أو صحيفة قومية وتحية لكل الذين وقفوا بمفردهم دون أي مؤازرة إعلامية تذكر وفخر واعتزاز بصمودهم وإصرارهم حتي انتزعوا حقوقهم انتزاعا، وحتي لا ننسي لولا جهود وتدخل المهندس زكي بسيوني رئيس الشركة القابضة لإنهاء هذه الأزمة في وقتها.. لما انتهي هذا الاعتصام وكانت العواقب وخيمة، وأما بالنسبة للذين تأثروا وحزنوا وصدمتهم هذه الجفوة الإعلامية.. أقول لهم لاتهنوا ولاتحزنوا.. الفضائيات لو حضرت لتاجرت بالقضية وأضاعتها.