كله كوم ونهر النيل كوم تاني، ما حدث في مؤتمر شرم الشيخ الأخير لدول حوض النيل كارثة بكل المقاييس، ومعيار حقيقي لانهيار وضعف هذا النظام الحاكم الفاشل، فقد جاء اليوم الذي تشترط فيه دول أفريقية علي مصر، بل ولسان حالها يقول للمصريين: اخبطوا رأسكم في أقرب حيط، وخلال سبع سنوات من الآن، سنخبط رءوسنا في أتخن وأقرب حيط، بداية أخطاء المؤتمر للسادة في النظام، أنه أقيم في شرم الشيخ، أي في بقعة آسيوية وليست أفريقية، ووفود المؤتمر يرون بأعينهم ملاعب الجولف التي تروي من مياههم، ولا أدري لماذا لم تتم إقامة المؤتمر في أسوان علي ضفاف النيل، بمعني تهيئة مناخ عام منذ البداية، لكن لا أحد يفكر.. لا أحد يخطط، وقالت دول المنبع رأيها بقوة وبصراحة دون خوف، والسبب، إننا دولة ضعيفة لم نعد نخيف أحدًا، مثلاً هل حتشبسوت ملكة لا تفكر؟ المصريون القدماء كانوا يقولون إن نهر النيل ينبع من الجنة ومن بلاد الحبشة، فأرسلت هداياها لبلاد بنت لتؤمن نهر النيل، شريان الدولة القوية. محمد علي صاحب الفكر الإمبراطوري، كان يعرف أهمية نهر النيل لدولته، فأرسل قوات إلي جنوب السودان وإلي أفريقيا لتأمين النيل، ومن بعده حفيده إسماعيل باشا، هو الآخر أرسل جيشه إلي أفريقيا لتأمين دول المنبع، بل أقام علي خط مصر إلي أفريقيا مصانع مازالت موجودة إلي الآن ومنها مصانع لصناعة الكبريت، وعبدالناصر هو الآخر كان يعرف الأهمية الاستراتيجية لدول أفريقيا، فربطها عن طريق الدين، الكنيسة في أثيوبيا مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالكنيسة في مصر وباب الكنيسة هناك يعمد من باب مصر، بل عندما افتتح الكنيسة في العباسية كان لهذا الغرض لذلك قام الإمبراطور هيلا سلاسي بافتتاح الكنيسة مع عبدالناصر، وبجانب الكنيسة كان للأزهر دور مهم في تعليم المسلمين في أثيوبيا وفي أفريقيا حتي إن الأزهر كان قبلتهم أي أن الدين هناك كان مرتبطًا بمصر عبدالناصر، كان يعرف أذرع دولته جيدًا وحتي السادات في خطابه الشهير علي منجستو قال إن الرجل بتاع أثيوبيا يقول إنه سيقيم سدًا علي منبع نهر النيل وكسر زجاجات الدم بما يعني إعلان حرب وأنا أقول له لن يقام سد علي النيل ومن يرشنا بالدم نرشه بالنار، وكان جيش السادات خارجًا منتصرًا لتوه من حرب أكتوبر مرة أخري لأن الرجل يعرف أهمية منبع نهر النيل، أما خلال الثلاثين عامًا الأخيرة، فأهملنا هذا الملف تمامًا ونسيناه حتي تجرأت الدول الأفريقية علينا وأخيرًا ارتكنا بأن إقامة أي سد علي النيل لابد من موافقة البنك الدولي الذي يمول المشروع والبنك لن يمول إلا بموافقة دول المصب، كما حدث في رفضه تمويل السد العالي، والحقيقة أن أثيوبيا لن تلجأ إلي البنك الدولي للتمويل بل إلي الصين، الصين موجودة في أفريقيا بقوة واشترت في أثيوبيا ثلاثة ملايين فدان لزراعة الذرة الشامية لإنتاج الطاقة وليس لإطعام أهل أثيوبيا والمقابل هو تمويل السدود علي النيل والصين موجودة بقوة في أفريقيا فهي مثلاً لديها مستعمرات في الكونغو والأمريكان في طريقهم إلي أفريقيا الأرض البكر الجديدة، أما إسرائيل فما هي إلا وكيل داخل المنطقة، هي وكيل للصين داخل أفريقيا أي سلاح هناك هو سلاح إسرائيلي وليس صينيًا لأن الصين لا تريد صداعًا مباشرًا مع الأمريكان، وإسرائيل منذ بداية عمرها تعرف من هي القوة القادمة وتصبح وكيلتها في المنطقة، فعلوها مع الإنجليز وعندما شعروا بأن شمس إنجلترا تغرب وشمس أمريكا تشرق، ذهبوا للأمريكان، والآن هم يعرفون أن الصين قادمة فأصبحوا وكلاء لها في أفريقيا، وستظهر قريبًا المعدات الإسرائيلية العسكرية في أفريقيا بوضوح، والمقابل هو تمويل كل المشروعات علي نهر النيل، وكان الاتفاق سيتم بين دول المنبع ودول المصب. إن أي قرار لابد أن يكون بالأغلبية شرط أن تمتلك دولتا المصب وهما السودان ومصر حق الفيتو في الاعتراض أمام الدول السبع في المنبع ورفضت دول المنبع هذا الاتفاق والأجمل أن دول المنبع ستزداد دولة في العام القادم عندما يستقل جنوب السودان، أين إذن مصر من كل هذا؟ غير موجودة تمامًا، السادة في مصر مشغولون بصحة الرئيس وملاحقة شباب 6 أبريل في الشوارع وإخراج فتوي لضربهم بالرصاص في المظاهرات، ومشغولون كذلك بالتوريث والأخ جمال مبارك فاقد الأمل تمامًا في تولي العرش، رغم أننا نملك ملاعبة الصين في خليج السويس، تلك المنطقة المهمة لسفن بضائع الصين وهي ورقة ضغط مهمة يمكننا أن نتفاوض بها مع الصين، كما أننا لابد أن نلعب داخل دول أفريقيا علي الأعراق والأديان لتكون لدينا ورقة ضغط لاستقرار هذه الدول.. لابد أن تخاف هذه من مصر كي نجلس علي مائدة المفاوضات في وضع قوي، وما يقال عن الاستثمار داخل أفريقيا لا يجري، فهم لديهم اقتصاد الصين ولا يحتاجوننا في شيء ولا نملك أي شيء يهددهم، هم لمسوا ضعفنا ولابد أن تعاد هيبتنا كي نحافظ علي النيل الذي خلال سنوات سنجد في الحنفيات بدلاً من الماء به أثيوبيا يشير إلينا بأصبعه كما فعل بركات لجمهور الزمالك وكما فعلها إبراهيم حسن لجمهور المغرب، هذه هي الحقيقة والكارثة، فخلال ثلاثة أشهر من الآن لابد أن تلعب الأيادي المصرية داخل دول المنبع، لابد من تركيز كل قوتنا وتخطيطنا لإعادة الهيبة وتعود الكنيسة ويعود الأزهر لدوره، وأظن أن هذا النظام المريض العاجز سيفشل وسننتظر نظاما قادما قويا يستطيع أن يعرف المدي الاستراتيجي لمصر داخل أفريقيا، بعيدًا عن جمال أفندي وشلته التي تتواري الآن، الأمر حسم فقط هو الوقت خلال ستة أشهر أو سنة بالأكثر سيتغير كل شيء والكارثة أن تصبح مصر كما كانت، مريضة ضعيفة هشة مستباح مستقبلها. والسدود علي النيل ستقام ونحن نلاحق أنصار البرادعي وصحف الحكومة تشتم فيه وفيهم ومستقبلنا مهدد يا غجر.. أفيقوا يرحمكم الله.