انتهي عصر مخبر أمن الدولة أبو بالطو كئيب وشارب كثيف، وجورنال مخروم، وحلت محله وسائل تكنولوجية متقدمة لمراقبة ورصد تحركات المعارضين السياسيين، لكن هذا كله، لم يمنع أجهزة الدولة البوليسية في الفترة الأخيرة من ابتكار كل الحيل لعد أنفاس معارضيها، خاصة في المظاهرات، عن طريق دس عناصر - غالبا من جهاز أمن الدولة - ترتدي ملابس مدنية، وتنتحل صفة صحفي، وتمسك بأيديها أوراق «دشت» وأقلاما بدعوي تغطية الوقفة أو المظاهرة لإحدي الصحف الحكومية أو المواقع الإلكترونية. وهذه العناصر في الحقيقة تراقب أحاديث المتظاهرين والمتظاهرات، وهمساتهم وتحركاتهم، وتحصل علي أرقام هواتفهم بزعم التواصل صحفيا. ولا مانع طبعا من أن هؤلاء الصحفيين المندسين يمكن استخدامهم في ضرب المتظاهرين والتحرش بهم!. تضحك بثينة كامل، الإعلامية والناشطة في «مصريون ضد الفساد»، وتحكي لنا عن أكثر من موقف لصحفيين مزيفين «ضباط وعناصر أمن دولة»!، فتقول مثلاً: إنه أثناء الوقفة الأخيرة بالقرب من السفارة الكويتية بالقاهرة، و«التي حاولنا خلالها تقديم مذكرة احتجاج للسفير الكويتي علي ترحيل واعتقال مؤيدين للبرادعي بالكويت، تقدم إلي شاب يمسك بيديه أوراقاً «غالبا أوراق دشت»، وعرف نفسه بأنه صحفي في جريدة الأخبار، وراح يسألني عدة أسئلة لا تبدو أبدا أسئلة صحفية، لكنها أسئلة أمنية، ولما ارتبت في الأمر، بان عليه الارتباك فورا، فعرفت طبعا أنه من عناصر أمن الدولة، فتجاهلته تماما، أنا والله مستغربة الحكاية دي لأن العمل العام لم يعد سريا، عايز أقول إن ده دليل علي إنهم مرتبكون جدا!». وتتذكر «كامل» أنها وجدت في تظاهرة شابا مدنيا، لا يبدو عليه أنه يمتلك عشرة جنيهات في جيبه، يحمل كاميرا قيمتها لا تقل عن 35 ألف جنيه، وعندما سألته: «أنت تبع أي قناة ؟، رد بأنه مع نفسه، يعني حضرته مصور مظاهرات وأفراح وطهور في نفس الوقت، صدقني أنا متضايقة؛ لأن الناس اختنقت خلاص من الاستبداد الأمني والسياسي، ده وضع مزعج، وكلنا معرضون للقمع الأمني، لكن شجاعتنا وإصرارنا هيخلينا نصمد ونكشفهم». جمال عيد الحقوقي المهتم بحرية الصحافة والتعبير، ومدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان نال هو الآخر قسطا من الوقائع مع صحفيي أمن الدولة المكشوفين «خالص» علي حد تعبيره، «دي حكاية قديمة معايا، بيكلموني في التليفون علي أنهم صحفيون في مواقع إلكترونية، وياخدوا تعليقي علي أحداث معينة، ويسألوني عن الندوات ، ومرة جاءوني، وعرفوا أنفسهم بأنهم صحفيون في جريدة الدستور، أنا ضحكت، وهم فهموا أنهم انكشفوا، لأنيش عارف كل صحفيي الدستور! ». لا يستغرب «عيد» أن الأجهزة الأمنية لا تكتفي بالأساليب التكنولوجية الحديثة في مراقبة النشطاء وتلجأ لهذه الحيل، «هذه دولة بوليسية، وتريد أن تدس أنفها في كل شيء، لأنها خائفة، ولديها رعب شديد من أن الجماهير التي طفحت منها المرارة، يمكن أن تخرج في أي لحظة، لذلك لا تترك فرصة إلا واستغلتها، وعموما ليس لدي النشطاء والمعارضين ما يخفوه رغم علمهم بأنهم مراقبون، وهذا يجعل الأمن في ربكة». يذكر يحيي قلاش - عضو مجلس نقابة الصحفيين المستقيل - أن الكاتب الصحفي الراحل أحمد بهاء الدين التقي ذات مرة ممدوح سالم، عندما كان وزيرا للداخلية عام 1971، فذكر له الأخير مازحا بعض المعلومات في الملف الأمني الخاص به، فأكد له بهاء الدين أن هذه المعلومات غير صحيحة ومفبركة، فرد عليه «سالم»: «هو أنت فاكر اللي هيشتغل معانا هيبقي محترم إزاي!». قلاش المنزعج، قال إنه لولا أن نقابة الصحفيين نائمة في العسل، لحركت الدعوي الجنائية ضد هذه العناصر وهؤلاء الضباط الذين ينتحلون صفة صحفيين، والعقوبة هنا تصل للحبس ثلاث سنوات، «مهنة الصحافة ليست شخصا يلبس جاكت بذلة أو آخر ممسكا بقلم وأوراق، لكنها مهنة محترمة لها قواعد وقوانين، ويجب علي النقابة أن تصدر بيانا يدين تصرفات العناصر الأمنية هذه، لأن هذا عدوانا علي المهنة وممارسيها، فمن الوارد جدا ألاَّ تكتفي هذه العناصر المدسوسة بكتابة التقارير لكنها تشترك في الاعتداء عليهم لمنعهم من تغطية الأحداث، هذا يتطلب وقفة فعلا، النقابة عليها واجب، وأيضا المنظمات المهتمة بحرية الصحافة والصحفيين».