الفيلم يتعامل مع منتجات المجتمعات الديكتاتورية الفقيرة: «الفساد» و«الجريمة» و«السقوط الأخلاقى» الفقر ليس وحده هو البيئة التى تنمو فيها النفوس الفاسدة والمريضة، بل فى بيئة الغنى والثراء مكان أيضا لهذه النفوس ربما أكثر وحشية وأقل تبريرًا للفساد، لكن كاتب سيناريو فيلم «الحرامى والعبيط» أحمد عبد الله اختار موضوع فيلمه من بيئة الفقراء والمهمشين المفضلة لديه والتى تعامل معها سابقا فى أفلام ك«الفرح» و«كباريه». العشوائيات وقاع المجتمع التى تبدأ بها أحداث الفيلم تنطلق إلى عالم فساد الكبار من سكان القصور البعيدة المشيدة على أطراف المدينة المزدحمة المريضة، ومحور موضوع الفيلم عن بيزنس تجارة الأعضاء البشرية الذى يشترك فيه أطباء جشعون ورجال أعمال أكثر جشعا، وفقراء يأكل بعضهم لحم بعض من أجل المال.
يقترب فيلم «الحرامى والعبيط» من نموذجين من البيئة الفقيرة من خلال كوميديا سوداء يجسدها خالد صالح وخالد الصاوى فى دويتو تمثيلى ناجح اعتمد على كاريزما واجتهاد النجمين اللذين نجحا فى منح الفيلم حالة جاذبية خاصة رغم سقوطهما فى فخ المبالغة فى الأداء فى كثير من المشاهد. خالد صالح يجسد دور صلاح روسى البلطجى الذى يعيش على السرقة واستغلال الآخرين وإرهابهم، لكنه شخصية لا تخلو من خفة ظل ولمحات إنسانية تختفى وراء غلظته وقساوته. على جانب آخر خالد صالح يجسد شخصية العبيط فتحى الذى يعيش فى الشارع وسط المخلفات لا يُعنَى به أحد ولا يستطيع التعبير عن نفسه نتيجة إعاقة أثرت على نطقه للكلام وحركة إحدى يديه، بالإضافة إلى مظهره القذر الكريه الذى يجعله منفرا للآخَرين.
الأنانية والجشع حولتا العلاقات بين البشر إلى انتهاز فرص وحولت نفوس الأشخاص إلى هياكل متحللة خربة، الشخص العبيط التافه الذى لا يعبأ به أحد يجده صلاح البلطجى وسيلة لاستعادة بصر عينه التى فقدها فى مشاجرة عبثية، يلجأ الفيلم من خلال شخصية البلطجى إلى أسلوب غريب فى السرد ببداية الفيلم، فهو يقوم بالحديث إلى الجمهور ناظرًا إلى الكاميرا معرِّفا شخصيات الفيلم للمُشاهِد، ثم يختفى هذا الأسلوب بعد ذلك تقريبا وتتلاشى معظم شخصيات الفيلم التى ظهرت فى بدايته ويركز الفيلم على شخصيتَى الحرامى والعبيط كشخصيتين رئيسيتين يضاف إليهما شخصية الممرضة ناهد، روبى، فى عودة باهتة للسينما تجسد فيها دور خطيبة البلطجى كمثلث للأحداث، وينضم إليهم فى نصف الفيلم الثانى الطبيب الجشع.
الفيلم بعيد عن التَّماسّ مع السياسة بمعناها المباشر، يركز على منتجات السياسة فى المجتمعات الديكتاتورية الفقيرة مثل الفساد والجريمة، والأسوأ «السقوط الاخلاقى»، انهيار مشاعر الرأفة بالغير والرحمة والإشفاق على شخص مريض أو عبيط كما يطلق عليه العامة، ويصل بنا الفيلم إلى ذروة انعدام الضمير حينما يتعامل الحرامى وخطيبته الممرضة والطبيب ورجل أعمال مع جسد العبيط كمصدر للثروة بعد نزع قرنية عينه وكُلْيته منه رغما عنه مقابل عدة آلاف من الجنيهات، والأسوأ من هذا أن تعامل الجميع مع الأمر يُظهِره كأنه أمر عادى، حتى إن أم البلطجى التى جسَّدَت دورها عايدة عبد العزيز بحضور أداء مميز تطمع فى جزء من جسد العبيط فتطلب لنفسها الحصول على أسنانه.
كاريزما الخالدَين صالح والصاوى كانت من أهم عوامل القبول فى الفيلم رغم لجوئهما إلى المبالغة فى أداء لشخصيتَى البلطجى والعبيط، الاستايل الذى ظهر به الصاوى بخاصة تسريحته الغريبة أقرب للشكل السينمائى الهزلى وكانت من عوامل المبالغة غير المبررة، وهذا انطبع على أدائه، المشكلة الأكبر كانت فى الملامح الدرامية المرسومة للعبيط، فهو كما يبدو من أداء خالد صالح عبيط معوق وغالبا مولود بإعاقة فى النطق وحركة يده المتشنجة، وليس مجنونًا فقد جزءًا من عقله بسبب ضبطه لزوجته تخونه على فراش الزوجية كما عرفنا من بعض لمحات الفلاش باك المشوشة، التى يقدمها الفيلم، نهاية الفيلم الوعظية المباشرة أحد عيوب سيناريوهات أحمد عبد الله الذى ينهى أعماله بعقاب الشرير بصورة مباشرة وفجة رغم أن البلطجى، دراميا، بدأ بالفعل قبل نهاية الأحداث فى التوبة حينما تعاطف فى اللحظات الأخيرة مع العبيط وأنقذه من الموت.
الإخراج نجح فى الحفاظ على تدفُّق السرد وجاذبيته رغم بعض التشوش فى استخدام طريقة الراوى وفلاش باك ماضى العبيط، وظهر فقر تنفيذ بعض مشاهد المعارك مثل مشهد المعركة داخل منزل البلطجى الذى كان غاية فى الرداءة سواء فى الأداء أو المؤثرات.