الفلاح الذي يروي أرضه بمياه الصرف ويعلم ذلك هو قاتل ومجرم وليس له أي عذر.. ولو قيل إنه مغلوب علي أمره وظروفه صعبة وبحاجة للمال كي ينفق علي أولاده وزوجته وأمه فإن نفس الكلام يمكن أن يقال عن اللص والمرتشي والعاهرة.. وأئمة المساجد في القري التي يستخدم أهلها مياه الصرف في ري المزروعات مسئولون أمام الله عن توضيح مغبة هذه التصرفات وعاقبتها.. وإذا ما تجاهلوا الأمر أو اعتبروه أقل في الأهمية من أمور كفتنة النساء مثلا فإنهم شركاء في هذا الجرم.. ونظام الحكم الحالي بإهماله وفشله وفساده وسوء تخطيطه مسئول أيضًا عن تفشي التلوث والأمراض بين الناس.. والإعلام الذي لا يتوقف طويلا أمام هذه الكارثة البشعة إلي أن يحشد الجميع لمواجهتها هو إعلام سفيه وسطحي يشارك بدرجة كبيرة في ترسيخ اللامبالاة والسلبية لدي الناس.. فلا يوجد أهم ولا أخطر من هذه الكارثة..لقد صرنا مهددين بالموت والفناء من كل جانب.. الهواء ملوث والماء ملوث والطعام فاسد وإذا ما مرضت - وبهذا الشكل سوف تمرض حتما أنت وأولادك وكل من يهمك أمره - أقول إذا مرضت فلن تجد مستشفي جيدًا يعالجك أو أطباء ماهرين أو حتي يمتلكا ضميرا يجعلهم أهلا للثقة.. والدليل أن رئيس الجمهورية أجري عملية استئصال المرارة في ألمانيا ووزير الصحة يعالج زوجته في أمريكا.. وابن رئيس الجمهورية أرسل زوجته كي تلد في إنجلترا!! أي خراب هذا؟، لقد صرنا في السنوات الخمس الأخيرة - للأسف - مثل الحيوانات التي تأكل فضلاتها ولا أحد يتحرك لم نر مظاهرات تندد بهذا الأمر مثلما رأينا المظاهرات الغاضبة بسبب ما حدث بين المشجعين المصريين والجزائريين بعد مباراة أم درمان.. ولم نسمع عن أي تحرك لحل أو حتي تحجيم هذه المشكلة، بل إن تصريحات وأوامر عليا صدرت بترك الفلاحين يقتلوننا إلي أن تجري الانتخابات الرئاسية القادمة!!!.. والمزروعات القليلة النظيفة يتم تصديرها للخارج أو إطعامها للكبار من أهل الحظوة... ويوسف غالي يجمع الضرائب ويكومها في تلال شاهقة توجه لبناء مؤسسات حكومية في مخرات السيول أو مستشفيات تنهار بعد سنوات قليلة كمعهد الأورام.. والدهشة الممتزجة بالغضب تفقدني القدرة علي الفهم ولا أحد يحاسب أحدًا وكلما ظننت أن الأسوأ حدث والقادم سيكون أفضل بالتأكيد اكتشفت أن الأسوأ لم يأت بعد.. وليس هذا فقط الجزء الأسود من الصورة..... إنها مأساة أن تكون قادرا علي رؤية كل ذلك والشعور بخطورته طوال الوقت ولا تملك أن تغيره. لهذا أعلن تأييدي للدكتور البرادعي في مطالبه العادلة للإصلاح الدستوري الذي يعد وبحق الأمل الوحيد لإحداث أي تغيير.. وأدعو كل فنان يمتلك ولو ذرة من ضمير للتوقف عن ممارسة النفاق والتصرف بانتهازية وأنانية، نحن جميعا في قارب واحد.. والقادم لو جاء بإرادتنا الحقيقية واختيارنا الحر لن يكون أبدًا أسوأ مما نحن فيه.. فليس أسوأ مما نحن فيه سوي الخراب الشامل وهو قادم في الطريق يقترب منا حثيثا ظاهرا لكل من امتلك قدرة علي الرؤية أو الفهم..