قاموس الشتائم في أي لغة يحظي بأهمية خاصة ليس فقط لدي الناطقين بها، بل لدي متعلميها ومتقنيها أيضًا. هذا القاموس في روسيا يعتبر الأغني في العالم كله. إذ يمكن لوي وثني وتحوير أي كلمة لتصبح واحدة من هذا القاموس الذي يُعبر عن الصفاقة أو الرقي أو الغمز واللمز أو رد الفعل، كل حسب «جهاز الاستقبال» لديه. في روسيا سادت في تسعينيات القرن الماضي ظاهرة تبادل اللكمات والبصق في الوجوه والضرب بأكواب المياه في البرامج التليفزيونية «التوك شو». لكن لم يكن أحد من الأطراف المتصارعة يستخدم القاموس «إياه» لأسباب كثيرة، من ضمنها مبدأ أو مفهوم اللياقة أو اللباقة. ومهما كانت عضلات الضيوف أو نسبهم وحسبهم، لم يتجاسروا أبدا علي السب، علي الرغم من أن «القاموس إياه» هو أول ما يُفطم عليه الطفل، فما بالنا بالساسة ولاعبي الكرة والرياضيين الفاشلين الذين تحولوا بقدرة قادر إلي رجال أعمال أو بلطجية، والمحامين الذين يلعبون بالبيضة والحجر ولديهم القدرة علي تبرئة مجرم عتيد، وبنفس القدرة يمكنهم تلبيس أي قضية لأي مواطن حتي وإن كانت دعارة أو رشوة، علي الرغم من أن المواطن المسكين يكون نائمًا بين أولاده وقت وقوع الجريمة. قاموس الشتائم المصري لا يقل عمقًا وفلسفة عن قاموس الشتائم الروسي. والقاموس يحفظه الصغار قبل الكبار، ولكن لسبب ما تنعدم اللباقة ويظهر الشخص علي حقيقته عندما يستعرض معارفه «الفنية» بهذا القاموس في حوار تليفزيوني أو ندوة. والأخطر من هذا وذاك، عندما يتواطأ المجتمع، منبع ومؤسس قاموس الشتائم، معلنًا دهشته لسماع لفظ ما «يخدش الحياء!» فالزوج يشتم الزوجة أمام الأولاد، ويضربهم إذا تلفظوا بكلمة معيبة. وعضو مجلس الشعب، مثلاً، يضرب خصمه في المجلس بالحذاء، ويسبه بأقذع الألفاظ ثم يتصبب عرقًا وخجلاً، وتأخذه النخوة والشهامة والأدب عندما يجد مصلحته في إدانة شخص ما سب آخر علي الهواء مباشرة!، الطريف أن مقدم البرنامج أو المذيع يكون كبش الفداء في مؤامرة لا أحد يمكنه أن يحدد أطرافها، فالضرب ينزل عليه من جميع الأطراف، والمجتمع الذي تهرأ نفاقًا يقف معلنًا حياديته في أحسن الأحوال، أو يواصل تواطؤه ونفاقه في الأحوال الاعتيادية - أعني كالعادة. الآخرون تعلموا كيفية التعامل مع هذا القاموس بعيدًا عن الأخلاق الزائفة، والبعض لايزال ينافق نفسه وأولاده، ويتبادل النفاق والتواطؤ مع المجتمع، في التعامل مع هذا القاموس الذي لا تعني كلماته أي شيء في أحوال كثيرة. لكن المصالح والمؤامرات تفضح أحيانًا لا الأشخاص فقط، بل المجتمع الذي نخر دماغه الدود، وأصبحت روحه أكثر ظلامًا من أعشاش الدبابير والعنكبوت. في الحقيقة، نصحتني زوجتي بأن أنسي كل شيء عندما تحدث لي كارثة من تلك الكوارث التي أشعر بعدها بأن المجتمع انهار تمامًا ولم تعد هناك بادرة أمل. نصحتني أيضا بأن أتعلم رقصة «زوربا»، رقصة الروح وحب الحياة، التي رقصها في نهاية الفيلم. فقررتُ بالفعل أن أرقصها كلما ضاقت الحلقات واستحكمت، لأنني في الحقيقة أكاد أشبهه في حبي للحياة واحترامها وجدارتها بأن تعاش مهما فقد الإنسان ومهما حدث له، مثل زوربا. وقررتُ أيضا أن أترك المجتمع يواصل رقصة «كاليجولا» التي كان يرقصها أيضًا في الفيلم علي خلفية الانهيار الأخلاقي، قبل الاجتماعي والاقتصادي والعسكري، للامبراطورية الرومانية.