مرة أخري يوم 6 أبريل. بدأت البشاير وأنا في مطار الدوحة جالسة في الطائرة قبل لحظات من إقلاعها متجهة إلي القاهرة،عندما فوجئت برنين تليفوني المحمول وكان من يطلبني هو زميلي المخرج التيلفزيوني طارق أبو العلا،لم أرد عليه ونفسي تحدثني بأنه ما هي إلا ساعات قليلة وأعاود الاتصال به بالسعر المحلي واكتفيت بكتابة رسالة قصيرة له بهذا المعني، وما أن وصلت إلي مطار القاهرة وفتحت التليفون حتي وجدت رده الصادم في رسالة يقول فيها إنهم قد استولوا علي الكاميرا التي كان يحملها وألقوا القبض عليه،حدث ذلك في أثناء توثيقه الوقفة الاحتجاجية التي دعا إليها شباب 6 أبريل أمام مجلس الشعب. ثم هالني ما عرفته في المؤتمر الصحفي الذي جري في اليوم التالي من ممارسات أمنية وحشية علي الأولاد والبنات الواقفين،ضرب ،شد شعر،هتك عرض،تسليط البلطجية، وسرقة الموبايلات والساعات بدون تمييز بين شاب أو فتاة وطبعا الاعتقال في النهاية، هذا هو ما يفعله نظامنا بمواطنيه إذا ما تجرأوا علي التعبير عن رأيهم بطريقة سلمية.حكي أحد نواب مجلس الشعب في المؤتمر الصحفي أنه كان يسير في الشارع علي بقايا ملابس المحتجين الممزقة،أما زميلي المخرج فلقد أفرجوا عنه بعد أن أخذوا بصمات أصابع قدميه!، و حكي محام بدمع مكتوم في عينيه كيف شعر بمذلة وإهانة ولم يشفع له كارنيه نقابة المحامين التي ينتمي إليها فلم يفرجوا عنه إلا بعد أن ضمنه مواطن عادي. وقرأت علي الفيس بوك شهادة فتاة عن وقوفها ممسكة بعلم مصر الذي كانت قد اشترته وقت مباراتها في نهائي كأس أفريقيا وقد عبرت عن دهشتها وذهولها بعد أن قام الأمن بتمزيق العلم وتذكرت تعليقي علي حمي العلم التي انتابت المصريين في أثناء مباريات الكرة عندما رأوا الأشقاء الجزائريين يهينونه، متذكرة كيف أن ذات العلم تمتهنه أيضًا قوات الأمن المصرية في كل مظاهرة فلا يغضب أحد،كان طبيعيا أن أغضب لما سمعت وأن يملأني الغيظ من هؤلاء الأوصياء علي مصر بقوة السلاح فقط، وبعد أن هدأت قليلا استطعت أن أفهم سر هذا العنف والانحطاط، إنها فلسفة» العيار اللي مايصيبش يدوش» فهي تنقل دعوة لكل مصري بأن يفكر مائة مرة قبل أن يتجرأ علي التعبير عن رأيه في شئون وطنه، أو أن يكون له رأي من الأساس، لأن المواطن الصالح هو فقط ذلك المواطن الذي يتخصخص ماله وتتلوث مياهه ويسرق وينهب في كل حقوقه ومستقبل أولاده ويكتفي بالتعبير عن إنتمائه وحبه لمصر بتشجيع الفريق القومي في ماتشات الكرة مع أولاد سيادة الرئيس. فهمت الفكرة الأمنية من كل هذه البلطجة، و للأسف أن هذه الفكرة لن تأتي إلا برد فعل عكسي، لن تعود عقارب الساعة إلي الوراء، فسيشهد هذا الوطن مزيدًا من الوقفات والاحتجاجات وتصميما أكثر علي حقنا في التعبير عن الرأي والمطالبة بتغيير هؤلاء المصممين علي إخراج مصر من التاريخ، لنا وقفة يوم الثلاثاء أمام مجلس الشعب احتجاجا علي ممارسات الأمن يوم 6 أبريل، ويوم الثلاثاء هو اليوم السابق مباشرة علي يوم نشر هذا المقال وأنا ذاهبة ولن أسمح بذرة خوف أن تتسرب إلي قلبي أمام هؤلاء، ولنا أيضًا وقفة أخري غدا الأحد أمام سفارة الكويت احتجاجا علي ما حدث لأعضاء حملة البرادعي بالكويت من تنكيل وقبض وترحيل وقطع أرزاق بالتعاون مع السلطات الأمنية الكويتية، هكذا يرعي هذا النظام التعس مصالح المصريين في الخارج، معلهش! سنستمر ولن نتوقف عن الاحتجاج والسعي من أجل التغيير ومن أجل يوم نري فيه وطننا الغالي في مكانه الكريم الذي يليق به.