على مدى العشرين عاما الماضية لم نر لاتحاد عمال مصر أى موقف نقابى ونضالى حقيقى ضد عمليات الخصخصة والبيع لشركات القطاع العام التى قادها رئيس وزراء مصر السابق الدكتور عاطف عبيد وساعده الايمن الدكتور مختار خطاب وزير قطاع الاعمال العام فى حكومته (1998/ 2004) ولا ضد حكومة الدكتور أحمد نظيف التى تولت المسئولية من بعدها وسارت على نفس الدرب والطريق الذى أفضى إلى خروج مئات الالاف من العمال والموظفين إلى المعاش المبكر .. ولم نسمع على مدى تلك السنوات أن واحدا من هولاء الذين يتصدرون المشهد النقابى لقيادة اتحاد عمال مصر وقد أمتلك جراة اتهام الحكومة بمخالفة مواد الدستور الذى كان ينص على ضرورة الحفاظ على القطاع العام وأن ذلك يعد واجبا وطنيا بأعتبارأن القطاع العام هو القاطرة التى تقود عملية التنمية .. وللاسف الشديد فان عمليات البيع والخصخصة لشركات ومصانع القطاع العام جرت وسط أجواء من القلق والخوف سيطرت على مواقف الكثيرين من القيادات النقابية والعمالية على اساس من اليقين لديها بان تلك السياسات ما كان يمكن ان تنفذ من قبل حكومة الدكتور عاطف عبيد أو من جانب حكومة الدكتور احمد نظيف لو لم يكن موافقا عليها شخصيا من قبل الرئيس مبارك.. ولهذا آثر كثير من القيادات النقابية السلامة بالصمت أو بطأطأة الرأس والسير فى ركاب النظام وحكومته .. فأغلب القيادات النقابية والعمالية هم ارباب اسر وعائلات ولا يتمنى احدهم أن يصله أستدعاء لمقار أمن الدولة لمقابلة أى من الضباط المسئولين عن التنظيمات العمالية .. ولا يحتمل بعضهم أن يلعب أحد المسئولين باعصابه ويهدده بفتح الملفات المطوية وكشف المسكوت عنه من مخالفات وتجاوزات .. فأحد القيادات العمالية الحالية كان قبل سنوات منشغلا بنقل ابنه من القاهرة إلى أحدى مدارس الوادى الجديد لكى يؤدى هناك أمتحان الثانوية العامة فى ظل ما كان يشاع عن تساهل لجان مراقبة الامتحانات فى المحافظات النائية والبعيدة .. ومع ذلك ضبط أبنه وهو يغش وكانت فضيحة له على صفحات الصحف الحكومية .. بينما كانت اصابع الاتهام تتجه صوب قيادات اخرى فى نقابات عامة وفرعية أنشغلت بإقامة معارض للسلع المعمرة بالتقسيط المريح للعمال والموظفين وتقاسمت الارباح من "تحت الترابيزة "مع الشركات المنظمة لتلك المعارض .. بينما كان فريق ثالث من القيادات العمالية يجرى هنا وهناك من أجل التصعيد لعضوية النقابات العامة وصولا إلى عضوية الاتحاد العام لعمال مصر من اجل الفوز بالتفرغ النقابى وان يكون اسمه ضمن الوفود المسافرة للخارج للمشاركة فى مؤتمرات العمل الدولية .. وعندما يعود هولاء من تلك المؤتمرات يسافرون مرة أخرى ليجلسوا بالشورت على مدى شهور الصيف على شاطئ قرية الاحلام التى يمتلكها الأتحاد العام لعمال مصر بجوار مارينا على الساحل الشمالى .. وقد كان كل ذلك يجرى فى نفس الوقت الذى كانت فيه حكومة عاطف عبيد ومن بعدها حكومة احمد نظيف تمضى قدما ودون توقف فى عمليات البيع والخصخصة لاى شئ ولكل شى من أملاك القطاع العام وإلى درجة أن القيادات التى كان يجرى أختيارها لادارة ما بقى من مصانع وشركات لم يتم بيعها كانت على يقين كامل بأن مهامها فى تلك المصانع والشركات مؤقتة وأن الدور قادم عليها هى الاخرى للبيع والخصخصة وأن المسألة لا تعدو أن تكون مجرد وقت .. ورغم كل ما قيل عن وعود للحفاظ على العمالة فى الشركات التى جرى خصخصتها خرج مئات الالاف من العمال والموظفين إلى المعاش المبكر.. كما لوحظ ان البعض من الملاك الجدد للشركات والمصانع التى تم بيعها كانت أعينهم منذ لحظة توقيع عقود الشراء على بيع جانب من اصول تلك الشركات خاصة الاراضى والفروع لسرعة استرداد القسم الاعظم مما دفع ثمنا فى تلك المشروعات وظهر ذلك واضحا وجليا فى شركات حليج الاقطان واراضى الشون التابعة لها وفى سلسلة محلات عمر افندى وفى شركات الغزل والنسيج والملبوسات والمشروبات والمياه لغازية والصناعات الغذائية .. فى نفس الوقت أتجه البعض من الملاك الجدد لتقديم عروض واغراءات للعمال للخروج للمعاش المبكر قبل ان يلجئوا لممارسة الضغوط عليهم بطرق غير مباشرة وهو ما خلق شعورا بالقلق والخوف لدى قطاع من هولاء العمال والموظفين فى كثير من تلك الشركات والمصانع عبر عن نفسه فى الاعتصامات والاضرابات والوقفات الاحتجاجية على ارصفة مجلسى الشعب والشورى وامام مقر مجلس الوزراء.. وخلال كل تلك الاحداث وتداعياتها كان الاتحاد العام لعمال مصر مختفيا ولا وجود له .. ولم يكن هناك لا نسبة 50% عمال وفلاحين ولا حتى 10% من اعضاء مجلسى الشعب والشورى ليسمعوا لهولاء المعتصمين أو ليدافعوا عن قضاياهم وحقوقهم .. ولكن فجاءة ظهر صوت لاتحاد عمال مصر فى بيان صدر عن الاتحاد ليس تضامنا مع هولاء الذين باتوا الليالى على ارصفة مجلسى الشعب والشورى .. ولكن للهجوم على شخص الدكتور البرادعى ونعته بعدو العمال والفلاحين لانه قال أن المجالس النيابية والبرلمانية يجب ان تكون لصفوة العقول ورجال الفكر والقانون والسياسة الذين يقع عليهم عبأ مراقبة أداء الحكومة وأقتراح القوانين والتشريعات .. وهو كلام موضوعى يكون الرد عليه بأن تقولوا لنا أين هم العمال الحقيقين والفلاحين الحقيقيين داخل مجلسى الشعب والشورى ؟.. هل هم نواب سميحه والنقوط؟ أم نواب البلطجة والشتائم؟. والشئ اللافت للانتباه أيضا أن الهجوم على الدكتور البرادعى لم يقتصر خلال الايام الماضية على ذلك البيان الواهى للقيادات الوهمية العمالية ولكنه شمل ايضا كلاما فارغا كالعادة لصحفى النظام أنتقل من الشتيمة إلى قلب الحقائق وترويج الادعاءات الباطلة .. فوصف احد صحفى الحكومة الدكتور البرادعى بأنه الباشا عدو العمال والفلاحين !!.. وهو كلام يدهشنا ويجعلنا نتسأل : هل البرادعى هو الذى أعاد الاراضى للملاك الذين طبقت عليهم قوانين الاصلاح الزراعى أم أن نظام الرئيس مبارك هو الذى سمح بذلك ؟.. وهل البرادعى هو الذى باع مصانع القطاع العام وشركاته وسمح بخروج مئات الالاف من العمال للمعاش المبكر أم أن نظام الرئيس مبارك وحكوماته هى التى فعلت ذلك وبالمخالفة لنصوص الدستور قبل تعديله؟.