أينما ذهبت وتجولت في شوارع مصر، راجلاً أو راكباً، حتماً ستفاجأ بالظاهرة العجيبة التي لن تراها إلا في مصر وما شابهها من الدول التي تشترك معها في صفاتها المعاصرة، هذا الظاهرة هي مواكب المسئولين، وبخاصة علي محور 26 يوليو وطريق الإسكندرية الصحراوي، فكل مسئول اتخذ لنفسه طاقماً للحراسة، يركبون سيارات المسئولين السوداء، ويحمل كل منهم مسدساً أو مدفعاً وجهازاً لا سلكياً، وطبعاً تكسر السيارات حاجز السرعة، وعندما يمر الموكب في المحور، سبحان الله، تلاقي السكة سالكة عشانه، طبعاً بمجهود الضباط وأفراد الحراسة وقدرتهم علي إبعاد السائقين بحركاتهم الإرهابية المفاجئة عبر نوافذ السيارات، وصوت سارينة الموتوسيكل الذي يقود الركب، وتوقف السيارات النازلة من الدائري إلي المحور حتي لا تتسبب في تعطل موكب المسئول، وبعد أن يمر الموكب المهول يعود زحام الطريق كما كان، وهذا لا يحدث بالطبع مع عربات الإسعاف التي يعاني سائقوها الأمرين في محاولة إقناع السائقين لإفساح الطريق رأفة بالمريض المحمول داخلها! وإذا استجيبت دعوات الأهل والأحباب، وكتب الله لك زيارة الساحل الشمالي أو العين السخنة أو شواطئ فايد وأبي سلطان أو الغردقة، ستصدمك العبارة المعهودة: هذه فيللات المسئولين، وفي القطامية والتجمع الخامس والقاهرة الجديدة والشيخ زايد، والمنتجعات الرائعة علي طريق الإسكندرية، هذه قصور المسئولين، وأراضي المسئولين، وفي المطار يدخل الناس ويخرجون من البوابات العادية، أما صالة كبار الزوار فهي مخصصة لمرور المسئولين، وفي إدارات المرور هناك طريقة للتعامل مع المواطنين، وطريقة أخري للتعامل مع سيارات ومخالفات المسئولين، حتي في المرض، هناك علاج للناس العاديين، وعلاج علي نفقة الدولة للمسئولين، غالباً ما يكون في الخارج بالدولار واليورو، وفي المدارس والجامعات والمعاهد، الفرق واضح بين تعليم العامة وتعليم الخاصة من أبناء المسئولين. «مسئول» هو اسم مفعول من «سأل»، سأل سائل مسئول، وواضح أن المسئول هو من يسأله الآخرون، لا أن يسائلوه أي يحاسبوه، فمن الذي يسأل المسئولين؟ وفيم يسألهم؟ وهل هو سؤال الاستفسار والاستيضاح أم سؤال الحاجة؟ لقد ورد «السؤال» في القرآن الكريم أكثر من مائة مرة، منها مرات بمعني سؤال المحاسبة يوم القيامة، كقوله تعالي: «فوربك لنسألنهم أجمعين» الحجر 92 وأخري بمعني طلب المساعدة أو الأجر، كقوله تعالي: «وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا علي رب العالمين» الشعراء 109 ومرات للدلالة علي طلب المعونة في أحوال الحاجة والحرمان، كقوله تعالي: «وفي أموالهم حق للسائل والمحروم» الذاريات 19، أو السؤال عما غمض علي الناس واستيضاح أمر ما، كسؤال الناس عن الخالق أو موعد الساعة أو الروح أو الأقدمين، كقوله تعالي: «يسألونك عن الساعة أيان مرساها» الأعراف 187 وآيات أخري عديدة ورد فيها سأل ويسأل ومسئولا ومسئولون ويسألون ويسألون. فلأي هذه المعاني للمسئول ينتمي مسئولونا؟ هل نعتبرهم مسئولين بمعني أن الناس يسألونهم حاجاتهم؟ أم أنهم المسئولون يوم القيامة عما عملوا؟ أم أنهم الذين ينطبق عليهم قول عمر بن الخطاب: «كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته»، أظن أن مسئولينا يعتقدون أنهم ينتمون إلي المعني الأول، أنهم فوق الناس يستمتعون بسؤالهم، ورجائهم، فالعديد منهم لا يفكرون أساساً في يوم القيامة، فضلاً عن أن يتذكروا أنهم سيسألون عما قدموا في حياتهم، وإلا.. فخبروني عن مسئول لا يمشي في موكب تنخلع له قلوب السائقين علي المحور، مما يترتب عليه تعطيل مصالح من يرعاهم، وليذهب الرعايا مع أوقاتهم إلي الجحيم، وينال المسئول قسطاً وافياً من الدعاء عليه، برغم أن معظم الناس لا يميزون وجهه ولا يتعرفون عليه إن سار وحيداً في الزحام، ولا يعرفون إلا أنه «مسئول سئيل» في الموكب المسلح! وأعتقد موقنة أن الظالمين من مسئولينا الذين خصصت لهم القصور والمنتجعات والأراضي والمواكب، والمداخل والمخارج والمعاملات، هم من قال فيهم الله تبارك وتعالي: «وقفوهم إنهم مسئولون» الصافات 24 سيقفون الموقف العظيم أمام الله تبارك وتعالي يوم القيامة، ليجدوا ما عملوا حاضراً أمامهم في كتاب لا يغادر أياً من أعمالهم أو أقوالهم، صغيرة كانت أم كبيرة، «ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون» المطففين 4 والله من وراء القصد.