سوف تمضى أعوام وأعوام قبل أن يستوعب أحد تفاصيل حادثة الاغتيال التى وقعت ظهر 6 أكتوبر عام 1981، فليس من السهل بمكان تصور أن يندس مدنيون بين قوات الجيش قبل العرض العسكرى بيومين، ويختلطوا بالجنود ويناموا معهم فى الخيام، دون أن يكتشف أمرهم أحد. وليس فى قدرة أى إنسان مهما أوتى من خيال خصب، أن يرسم بخياله، ذروة الدراما الواقعية، التى رسمتها بالفعل رصاصات وقنابل الذين قتلوا أنور السادات، وهو يجلس فى عيد انتصاره بين كبار قواد جيوشه ورجاله وعشرات من رجال حرسه الخاص، ذلك أن الذين نفذوا حادثة الاغتيالات لم يكونوا يحلمون بالنهاية المأساوية التى وقعت، كانوا يريدون قتل السادات، لكنهم، وعلى ألسنتهم لم يكونوا واثقين من النتيجة، بل من الصعب أن يصدق أحد، أن منفذى حادثة الاغتيال، لم يكن أحد يعرف الآخر، حتى قبل وقوع الحادثة بأسبوع واحد. وهذه ليست الحقيقة الوحيدة التى يكشف عنها التحقيق السرى الذى أجرى معهم، بل إن ملف هذا التحقيق ما زال يحوى كثيرا من الأسرار التى لا يعرفها كثيرون، لكن سطور التحقيقات المثيرة فى النهاية تجيب عن كل التساؤلات، وما بين السطور أيضا يقول الكثير والأهم هو ما جاء على لسان خالد الإسلامبولى وزملائه من خلال اعترافاتهم، التى لم تعلن بالتفصيل من قبل. وهم يقولون فى الاعترافات. هكذا قتلنا السادات. كيف فعلوها؟ كيف اغتالوا أنور السادات وهو يجلس محصنا وسط الآلاف من رجاله وجنوده وحراسه؟ كاميرا التليفزيون التى نقلت لحظات معدودة من بداية الحادثة اهتزت فى يد المصور، ثم انقطع الإرسال وسط الصراخ ودخان القنابل ودوى طلقات الرصاص. ولقد روى كثيرون من الذين كانوا فى المنصة ما حدث كل واحد منهم تحدث عما رأه فى تلك اللحظات العصيبة، ولم يكن هذا كافيًّا بحال ليرسم صورة ما حدث. محمد عبد السلام فرج أرسل فى استدعاء حسين عباس وعرض عليه الاشتراك فى عملية الاغتيال بمعرفة خالد الإسلامبولى فوافق محمد عبد السلام فرج: نعم اشتركت فى اغتيال السادات ابتغاء تطبيق شرع الله وإزالة الحكم الكافر عبود الزمر: قتل الرئيس فقط لا يحقق هدف العمل الجهادى الشامل.. ولم يكن عندى تصميم على قتل السادات الشرطة اقتحمت شقة عبود.. وحاول المقاومة بإلقاء قنبلة يدوية خارج المبنى لكنها لم تنفجر عمر عبدالرحمن: لا أعرف المتهمين بقتل السادات.. ولم أحرض على اغتياله.. ودمه حرام لأنه مسلم عملية القبض على عبود الزمر فى شقة الهرم بعد أسبوع من الاغتيال
ينتقل المحقق إلى مناقشة فكر الشيخ عمر عبد الرحمن. يسأله المحقق: أنت حسب علمك وعقيدتك الإسلامية تعتبره كافرا، هل الدماء تستباح بسبب العدوان على الإسلام أو برد الكفر؟ وأسألك: هل يجوز أن ينفذ الحاكم بيده أم أن التنفيذ واجب على الجماعة الإسلامية وبشروط فرضية الجهاد كما بينها المولى عز وجل فى كتابه؟
يرد الشيخ عمر عبد الرحمن: أجاز بعض الفقهاء أن يكون القتل للكافر وحده.. أما الذى لا يحكم بكتاب الله ونوقش فى ذلك وآثر القانون الوضعى وحكمنا عليه بالكفر، فإنه قد أضاف إلى الكفر الاعتداء على المسلمين، حيث لم ينفذ شريعة الله، ولأنه حين يناقش ويعدل عن الحكم بكتاب الله يكون تاركا لدينه، والحديث ينص على حِل دمه، حديث أنه «من بدل دينه فاقتلوه»، وحديث «لا يحل دم أى مسلم يشهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس والثيب الزانى والتارك لدينه المفارق للجماعة».. هذا عن الشطر الأول من سؤالك.
أما عن الشق الثانى فلا يجوز القتال إلا بالتمكين، فإذا لم يكن تمكينا فلا قتال، والآية صريحة، وقول الله تعالى: «ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة..» فلم يؤذن لهم بقتال وهم فى مكة، فلما جاؤوا إلى المدينة واجتمع المهاجرون والأنصار حول قائدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ممكنين فى الأرض أذن لهم بالقتال، لقول الله تعالى «أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير».
وأضاف الشيخ عمر عبد الرحمن: ولقد بين المولى جل شأنه شروط الجهاد بقوله «يا أيها النبى حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين وإن يكن منكم مئة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون * الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين».
لم أقل.. كافرا!
يرد عليه المحقق قائلا: ولكن الرئيس محمد أنور السادات رحمه الله أدخل فى الدستور لأول مرة فى تاريخ البلاد النص الذى يقول إن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع وقد وضعت القوانين الوضعية الحالية من قبل ولايته بزمان طويل.. وهو بهذا النص قد أعلن عن عزمه على إزالة التفاوت أو المخالفة، التى تكون بين بعض نصوص القانون والشريعة الإسلامية، فهل رغم ذلك يعد من الكافرين الذين يحاربون الإسلام.
يقول الشيخ عمر عبد الرحمن: أفهم من السؤال أننى قلت إن الرئيس محمد أنور السادات كافر.. أفهمه من كلمة «ولكن» فى أول سؤالك. والحقيقة أننى لم أقل ذلك ولا أعتقده، ولا أكفر مسلما لقول الله تعالى فى المشركين «فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم فى الدين» فما بالك بمن فعل ولم يكن مشركا؟ وكيف يكون كافرا وهو أولا قد وضع فى الدستور هذا النص وثانيا: قاد حرب رمضان وفيها انتصار على اليهود، وثالثا: أنى سمعت من أعضاء لجنة الفكر والدعوة بالحزب الوطنى أنه قال لهم قد صبرتم كثيرا على من قبلى فتمهلوا على.. رابعا: رده على التلمسانى عندما قال له «أشكوك لله». خامسا: ما ذكره الشيخ النمر من أن الرئيس قال لهم فى اجتماع «أسرعوا بتنفيذ هذا الأمر». سادسا: طرده للشيوعية التى كانت تهدد مصر فى عقيدتها وإيمانها بالله.
وهنا يقول له المحقق: فإذا كان الأمر كذلك.. لماذا لم تنصح به عبود الزمر ومحمد عبد السلام فرج والآخرين الذى استفتوك.. وأنت تعلم أن منهاجهم قتل الرئيس ومن يواليه.
يرد الشيخ عمر عبد الرحمن: أنا مصر على أنهم لم يستفتونى فى هذا الأمر.. ولكن خطئى كما سبق أن قلت إننى لم أنصح لهم ولم أبين لهم خطورة الأمر.
يعود المحقق ليقول له: أنت تعلم القاعدة الشرعية التى أحكمها المولى سبحانه وتعالى فى القرآن الكريم أنه لا خير فى النجوى إلا أن تكون أمرًا بالصدقة أو المعروف أو الإصلاح بين الناس. لمَ تناجيت معهم إذن؟ قُتل.. ظلما وعدوانا!
يعود الشيخ عمر عبد الرحمن ليقول: هذا من الخطأ الذى ارتكبه المخالف لقاعدة النجوى السابقة، والآية الأخرى وهى قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وتناجوا بالبر والتقوى».
يسأله المحقق: هل تقول حقا وصدقا إن الرئيس محمد أنور السادات رحمه الله قُتل ظلما وعدوانا.. حسب معتقداتك الشرعية الإسلامية؟
يرد الشيخ عمر عبد الرحمن على السؤال بسؤال: لقد بينت أنى لا أكفر مسلما. إذن كيف يستحق القتل وهو ليس بكافر؟ فيقول له المحقق: أجب عن السؤال مباشرة إجابة محددة؟ يرد الشيخ عمر عبد الرحمن: نعم، قُتل ظلما وعدوانا، لأنى لم أعرف أن مجلسا من العلماء ناقشه ورفض الحكم بكتاب الله.
يسأله المحقق: فى كتيب «الفريضة الغائبة» الذى ذكر عبود الزمر أنه من جمع محمد عبد السلام فرج.. وردت مقارنة بين التتار وحكام اليوم.. فهل ترى وجها لهذه المقارنة؟
يقول الشيخ عمر عبد الرحمن: لا أرى وجها لهذه المقارنة.. فالبون شاسع، هؤلاء كانوا تتارا وأعداء لله وأعداء للعلم، حيث وضعوا كتب الله التى كانت موجودة فى بغداد فى نهر دجلة حتى تلون ماء النهر بالمداد من كثرة ما ألقى فيه من الكتب.. أما حكام اليوم فهم مسلمون ولم يصنعوا شيئا من هذا الفساد.. وأنا لا علم لى بهذا الكتيب.. وإذا كان أميرا لهم كما يقولون كان عليهم أن يعطونى نسخة منه حتى أطلع على أفكارهم وما يسيرون على منهجه.
سبيلى.. إلى الدولة الإسلامية!
ثم يروى الشيخ عمر عبد الرحمن ظروف القبض عليه فى منزل شقيقته بالعمرانية، وكيف أنه قرأ فى الجرائد أنه مطلوب القبض على شخص يدعى عمر أحمد عبد الرحمن، وليس فيه اسم على ولا كلمة دكتور، فلم يتصور أنه المقصود، وأنه عند القبض عليه كان معه مبلغ 20 ألف دولار من مدخراته وزوجته فى أثناء عملهما فى السعودية، وأنه سلم المبلغ للشخص المسؤول بعد القبض عليه كأمانة.
وقال الشيخ عمر عبد الرحمن: إنه لو كان يعلم أن العمل فى الحكومة حرام لاستقال، وإن عبود الزمر استفتاه عن هذا فأكد له أن العمل بوظائف الدولة حلال، بدليل أنه شخصيا (عمر عبد الرحمن) كان باقيا فى وظيفته.
يسأله المحقق: وما الوسيلة الشرعية فى منهاجك الإسلامى لإقامة الدولة الإسلامية فى ظروفنا الراهنة؟
فيرد قائلا: وسيلتى الشرعية فى ذلك ما علمنيه ربى سبحانه وتعالى بقوله: «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن»، وقوله سبحانه وتعالى: «ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إننى من المسلمين * ولا تستوى الحسنة ولا السيئة ادفع بالتى هى أحسن» وقوله كذلك: «فادع واستقم».. وأن أبين للناس فى الخطب والدروس والمحاضرات والندوات والاجتماعات عظمة الإسلام ورفعة منهجه، وأبين لهم أن عليهم واجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وأن يقولوا الحق ولو كان مرا. وأن يطالبوا الحاكم فى الصحف والمجلات وبالكتابة إليه وإلى المجالس المتخصصة بالحكم بكتاب الله لا سيما أن آيات القرآن فى ذلك كثيرة، ومنها قوله تعالى: «وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك» وآيات أخرى كثيرة. لا أعرفهم.. ولم أقابلهم! يسأله المحقق: وهل أقوالك التى أدليت بها الآن نتجت عن حريتك واختيارك أم ماذا؟
يرد الشيخ عمر عبد الرحمن: هى ناتجة عن حرية مطلقة، وعن إبداء الرأى الذى أراه دون ضغط أو تأثير على.. على الرغم من الضغوط التى مارسوها بالنسبة لى فى أماكن أخرى ذهبت إليها قبل هذا المكان.
ثم يعود الشيخ عمر عبد الرحمن ويصف هذه الضغوط بأنها كانت ضربا وإهانة، حتى إنه كان يتمنى فى سجنه كلما سمع صوت كلب أن يكون كلبا وليس إنسانا.
وعندما يقول له المحقق: أنت متهم بالاشتراك بطريق التحريض مع محمد عبد السلام فرج وعبود الزمر والقتلة الأربعة الذين يتبعونهما تنظيميا فى جناية اغتيال الرئيس الراحل رحمه الله وآخرين.
يرد الشيخ عمر عبد الرحمن: أولا أنا لم أعرف القتلة الأربعة.. ولم التقِ بهم مطلقا.
ثانيا: أنا أعرف محمد عبد السلام فرج وعبود الزمر، وقد عرفنى بهما كرم زهدى.. وأنا لم أشترك، ولم أحرض على أحد على جريمة اغتيال الريس رحمه الله، وقد بينت قبل ذلك حرمة دمه.
عند إعادة استجوابه للمرة الثانية، سأل المحقق عبود الزمر كيف يرى الأسلوب الذى يؤدى إلى قيام الدولة الإسلامية؟
كانت فرصة لمعرفة أفكار ومعتقدات عبود الزمر الذى قال: كنت أعتقد أن قيام الدولة الإسلامية يلزم أن يكون له مقدمات، تتمثل فى إعداد المجتمع من ناحية الوعى الإسلامى وتفهم مبادئ الإسلام، وإعداد اللجان الثورية فى الأحياء والمناطق المختلفة، وكان ذلك يتطلب أعواما من الإعداد، ثم بعد ذلك حين تفجير الثورة الإسلامية يكون المجتمع قد هيئ تماما للثورة.
يسأله المحقق: وكم من الوقت كنت تقدر لإمكانية الإعداد؟
قال عبود الزمر: حوالى ثلاث سنوات، وقد يزيد طبقا للموقف. لماذا.. منصور؟! يسأله المحقق: لماذا قمت باستطلاع استراحة الرئيس بالقناطر طالما أنك لا تنوى تنفيذ مخططك الانقلابى، إلا بعد بضع سنين كما تقول؟ رد عبود الزمر قائلا: قمت بذلك ضمن خطة تجميع المعلومات عن الأهداف المطلوب إعدامها أو السيطرة عليها، وقد قمت بتجميع بعض المعلومات غير ذلك لاستيفاء الخطط، وليس ذلك دليلا على قرب العمل، وكان تجميعا عاديا دوريا غير مرتبط بتوقيت التنفيذ. يسأله المحقق: كم مجموعة فى تنظيمكم؟ قال عبود الزمر: ست مجموعات هى مجموعة محمد عبد السلام فرج، ومجموعة نبيل المغربى، ومجموعة طارق الزمر، ومجموعة صالح شاهين، ومجموعة أبو حديد، ومجموعة أحمد سلامة. يسأله المحقق: كيف أطلقت عليك كنية «منصور»؟ قال عبود الزمر: الإخوة أطلقوا علىّ لقب منصور.. وهذا ليس من اختيارى. يسأله المحقق: وهل كل فرد فى جماعتكم له كنية؟ قال عبود الزمر: لأ، مش كل الأفراد لهم كنية.. إطلاق الكنية كان على الأفراد الذين لا يراد الكشف عنهم، مثل خالد الإسلامبولى الذى كان يكنى ظافر. كيف قبض على؟
ويعود عبود الزمر ليكرر أنه لم يكن موافقا على متابعة عملية اغتيال الرئيس السادات، لأن هذا العمل كان يحتاج إلى خطوات كثيرة أخرى لم تكن معدة نهائيا، وقال إنه أبلغ ذلك لمحمد طارق الذى كان يعلم بأمر المحاولة من محمد عبد السلام فرج، لكنهم عندما عرضوا الأمر عليه فى المرة الثانية، وأكدوا له أن اغتيال السادات سيتم بواسطة مجموعة من الأفراد، وعلى رأسهم خالد الإسلامبولى، وأن ذلك سيعد عملا فرديا ولا علاقة له بالجماعة، أدرك أن موافقته أو رفضه بلا جدوى، فأوصاهم بالحذر.
قال عبود الزمر: كنت أرى تنفيذ خطة قتل الرئيس فقط لا تحقق هدف العمل الجهادى الشامل، وأن ذلك يحتاج إلى كثير من الأعداد، ولم يكن عندى تصميم على قتل الرئيس حاليا، بحيث أنه فى وقت التنفيذ بعد سنوات، قد لا يكون الرئيس السادات فى موقع الرئاسة. يسأله المحقق: وما صلة جماعتكم بجماعات الصعيد؟ قال عبود الزمر: توجد علاقة تنسيقية بين جماعتنا وجماعة كرم زهدى ومع مجموعة أخرى من القيادات، أذكر منهم عاصم عبد الماجد وفؤاد الدواليبى وأسامة حافظ. وفى النهاية يروى عبود الزمر كيف تم القبض عليه. قال عبود الزمر: أنا ضبطت فى شقة الهرم بجوار قاعة سيد درويش صباح الثلاثاء 13 أكتوبر 1981، حيث تم اقتحام الشقة وكنت نائما، وذلك بواسطة الكسر وإطلاق الرصاص، فخرجت وأذكر أنه كان معى قنبلة يدوية قمت بإلقائها خارج المبنى، ولم تنفجر، وكان معى بعض الأفراد ألقوا القنابل، وعندما حاولنا الخروج من الباب إلى الدور العلوى أطلق علينا الرصاص من كمين فى الدور العلوى، فقمت بسؤال الضابط هل هم جيش أم بوليس، فقال لى «مالكش دعوة»، وتم بعد ذلك الاتفاق على الخروج والتسليم.
يقول له المحقق: أنت متهم بالاشتراك بطريق الاتفاق مع محمد عبد السلام فرج والآخرين فى جناية اغتيال رئيس الجمهورية الراحل رحمه الله ومتهم بحيازة مفرقعات ومقاومة رجال الضبط.
قال عبود الزمر: لم يحدث اتفاق مع محمد عبد السلام فرج على قتل الرئيس، ولكنى أبلغت عنه، والمجموعة التى اتفق معها على ذلك، ولم أبد رأيا فى ذلك، أما الأسلحة والمفرقعات والذخائر فقد كانت لمواجهة الموقف الصليبى إذا ما تحرك تحركا مسلحا ضد الإسلام، أما مقاومة رجال الضبط، فلأنهم لم يكشفوا عن شخصياتهم أو إذن القبض والتفتيش، ولكنهم أطلقوا النار على الباب وعلينا، فقمنا بالدفاع عن أنفسنا، وكان معى طارق الزمر وعبد الله سالم ومحمد البرى وناصر. محمد عبد السلام يعترف!
ولم يكن عبود الزمر هو الوحيد الذى أعيد استجوابه للمرة الثانية. فقد جاء الدور على محمد عبد السلام فرج الذى كان قد أنكر فى الاستجواب علمه بأى شىء!
لكن فى هذه المرة تكلم محمد عبد السلام وأفاض واعترف بكل ما حدث، وكان قبل ذلك قد أبدى هذه الأقوال أمام نيابة أمن الدولة.
وعندما سأله المحقق: لماذا اعترف بعد أن أنكر كل شىء؟
قال محمد عبد السلام فرج: استخرت الله عز وجل فشرح صدرى فى أن أتكلم، لكى أوضح موقفنا الشرعى، وأنا دعاة حق.
قال محمد عبد السلام فرج: أعترف بأننى المشارك الرئيسى فى عملية اغتيال رئيس الجمهورية، وأن هذا كان وسيلة أبغى من خلالها تطبيق شرع الله عز وجل لإزالة الحكم الكافر.
يسأله المحقق: لكنك أنكرت ذلك من قبل. قال محمد عبد السلام فرج: الأمر أصبح واضحا للجميع.. ولا أتنكر منه بعد أن اتضح للجميع. يسأله المحقق: وإنكارك السابق كان تقية أما ماذا؟ قال محمد عبد السلام فرج: كان موقفا وعدلت عنه. ثم يبدأ محمد عبد السلام فرج فى الإدلاء باعترافاته. قال محمد عبد السلام فرج: الأخ خالد الإسلامبولى شوقى عرض على أمر اغتيال رئيس الجمهورية، وقمت بتكليف كل من عطا طايل والأخ حسين عباس بالاشتراك فى عملية الاغتيال، وقمت بتوفير الذخيرة اللازمة للاغتيال بما فى ذلك القنابل اليدوية. يسأله المحقق: فكرة الاغتيال فى أثناء العرض العسكرى.. هل كانت فكرتك أم فكرة خالد الإسلامبولى؟ قال محمد عبد السلام فرج: هى فكرة خالد الإسلامبولى وقد أيدتها.. وقد عرضها على عند زيارته لى قبل العرض بنحو تسعة أيام تقريبا. وقال لى إنه سيقوم بإعطاء ثلاثة من الجنود إجازة قبل العرض، على أن يقوم ثلاثة من الإخوة بتولى أماكن الجنود، وأخبرنى أنه يحتاج إلى ثلاثة من الإخوة وإلى ذخيرة لتنفيذ المهمة، وإن شاء الله تكون ناجحة. لقاء مع قادة الصعيد وبعد أن يروى محمد عبد السلام فرج كيف تم الإعداد لمحاولة الاغتيال وإحضار الذخيرة والقنابل. يسأله المحقق: لماذا ذهبت إلى خالد الإسلامبولى فى بيت أخته؟
يقول له: لمباشرة عملية اغتيال رئيس الجمهورية، فضلا عن أننى مصاب. يسأله المحقق: ومن قابلت فى اليوم التالى لانتقالك إلى شقة عبد الحميد عبد السلام؟ قال محمد عبد السلام فرج: قابلت الأخ كرم زهدى وفؤاد الدواليبى وعاصم عبد الماجد وأسامة حافظ، وكلفتهم بعمل ثورة شعبية فى الصعيد، وهم إخوة معنا فى الجماعة متحدون معنا فى العمل، وكانوا قد جاؤوا للسؤال عنى، ولم يمكثوا سوى نحو عشر دقائق أو ربع ساعة، وقد حضر خالد الإسلامبولى هذه المقابلة، التى أطلعتهم فيها على عملية الاغتيال التى ننوى القيام بها يوم العرض، وطلبت أن تصاحب عملية الاغتيال ثورة شعبية فى الصعيد. يسأله المحقق: هل هم أمراء؟
قال محمد عبد السلام فرج: يعتبرون قادة العمل الإسلامى فى الصعيد، وقد أخبرونا أنه خلال أسبوع سيتم استعدادهم للثورة الشعبية. ثم يدافع محمد عبد السلام فرج عن انفراده باتخاذ القرار النهائى فى عملية اغتيال الرئيس محمد أنور السادات وعدم استشارته مجموعة الصعيد، ثم يعترف بأنه أقنع كرم زهدى منذ أكثر من عام بفكر الجهاد، بعد أن كان فكره وفكر جماعته الدعوة داخل الجامعة، وتغيير المنكرات داخل الجامعة فقط بقوة اليد، والتمكن من تغيير منهاجهم، بحيث لا يكون مقصورا على الجامعة، بل شاملا للدولة بأسرها، ولا يكون مقصورا على استخدام اليد وإنما الأسلحة. لم يفتِ صراحة: يؤكد محمد عبد السلام فرج أن الدكتور عمر عبد الرحمن كان أميرا عاما لهم. قال محمد عبد السلام فرج: من نحو ستة أشهر توجهت إليه مع كرم زهدى وفؤاد الدواليبى وعاصم عبد الماجد وطلعت فواز وعصام دربالة فى منزله بالفيوم بالمساكن الشعبية، كان كرم قد دلنى على بيته، فذهبت فوجدت إخوة الصعيد هناك، وتم عرض الإمارة على الدكتور عمر فوافق. يسأله المحقق: أية إمارة؟ قال محمد عبد السلام فرج: إمارة الجماعات كلها كاتحاد بين إخوة الصعيد وبيننا، وقلنا له إننا نهدف إلى إقامة الدولة الإسلامية بأسلوب الجهاد بقوة السلاح، واستفتيناه فى ذلك، فأفتى بأن ذلك فرض على المسلم . يسأله المحقق: وهل قبل الإمارة على هذا المنهج؟ قال محمد عبد السلام فرج: كان رافضا الإمارة.. ولكننا فى ما بيننا كنا نستفتيه ونستشيره. يسأله المحقق: تعنى أنه كان رمزا للاتحاد فقط أم ماذا؟ قال محمد عبد السلام فرج: كنا نستفتيه ونحكِّمه فى الخلافات. يسأله المحقق: وفى أى أمر استفيتموه؟ قال محمد عبد السلام فرج: هو أفتى بكفر الحاكم. يسأله المحقق: وحل دمه شرعا. قال محمد عبد السلام فرج: استحلال الدم استنتجناه من خلال الفتوى بالكفر. تعنى أن هذا لم يفت به صراحة.
قال محمد عبد السلام فرج: هو لم يفت صراحة بذلك.
يسأله المحقق: أنت تتحدث بصيغة الجميع، وتقول إننا استنتجنا ذلك من فتواه، فهل تداولتم فى ما بينكم حتى توصلت إلى ذلك. قال محمد عبد السلام فرج: نعم راجعنا الحجة فى ذلك فى مناقشاتنا مع بعض، وذلك فى زياراتهم لى فى القاهرة. يسأله المحقق: تعنى أنه كان هناك تصميم سابق على اغتيال الرئيس محمد أنور السادات رحمه الله. قال محمد عبد السلام فرج: نعم، ولكن لم يكن هناك اتفاق على تنفيذ الاغتيال فى ذلك الوقت. إعدام.. الفريضة الغائبة! ثم يشرح محمد عبد السلام كيف أن عبد الحميد عبد السلام كان موافقا على العملية، ولكنه التزم الصمت، ثم أعلن قبوله المشاركة فى محاولة الاغتيال قبلها بأيام قليلة، وكيف أن عطا جاء لزيارة محمد عبد السلام فرج زيارة عادية، فلم يجده فى بيته ببولاق، وأحضر ناصر إلى محمد عبد السلام فرج فى شقة عبد الحميد، وقام محمد عبد السلام فرج بتعريف عطا بخالد الإسلامبولى الذى عرض عليه المشاركة فى الاغتيال فوافق، وأن محمد عبد السلام فرج أرسل فى استدعاء حسين عباس وعرض عليه الاشتراك فى العملية بمعرفة خالد الإسلامبولى فوافق، وأن الاثنين وافقا مباشرة.
قال محمد عبد السلام فرج: إن كتاب الفريضة الغائبة قام بتجميعه من كتب السلف منذ نحو خمسة أشهر فقط، وقام بطباعته فى مطبعة بمنطقة الكيت كات، حيث أعطى النص مكتوبا بخط اليد إلى شخص يدعى أبو سريع شريك فى ملكية المطبعة، وتمت طباعته خمسمئة نسخة مقابل تسعين جنيها، لم يوزع منها سوى خمسين أو ستين نسخة، لأن الإخوة اعترضوا على عملية التوزيع خوفا من أن ينكشف التنظيم، وتم إعدام باقى النسخ بحرقها بالنار.
ويناقش المحقق محمد عبد السلام فرج فى ما أورده فى كتاب «الفريضة الغائبة»... يسأله المحقق: أوضح كيف كان ولى الأمر الذى حرضت وأعنت على قتله رحمه الله يحارب الإسلام والمسلمين كحرب التتار لهم؟ قال محمد عبد السلام فرج: كفاه حربا على الإسلام أنه كان يمنع شرع الله وحكم الله، من أن يقوم فى هذا البلد المسلم والذى يتشوق إليه كل مسلم، واضطهاده للمسلمين ولدعاة الإسلام وعلماء المسلمين، واستهزائه بأحكام الله ووصفه زى زوجات النبى صلى الله عليه وسلم بأنه خيمة، وإضحاكه لناقصى العقول الذين كانوا يستمعون إليه فى مجلس الشعب وغيره على فرائض الله.
يسأله المحقق: وما فرائض الله التى أضحك الناس عليها كما تقول؟
قال محمد عبد السلام فرج: وصفه لالتزام المرأة بيتها حسب أمر الله تعالى «وقرن فى بيوتكن» بأنه تخلف، ووصفه للشعب المسلم الملتزم بأوامر الله بأنه مهووس ومتطرف. الثورة الشعبية ويوضح المحقق لمحمد عبد السلام أن الرئيس الراحل محمد أنور السادات أول من أدخل فى الدستور، إن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع.
ثم يقول له: لماذا لم تصبر أنت وجماعتك وأنتم حديثو السن وفى العمر متسع بقدر الله تعالى.. لماذا لم تصبروا حتى يوضع هذا النص الدستورى موضوع التنفيذ.. ولماذا لم تركزوا نشاطكم فى الدعوة إلى الإسراع بتنفيذه، بدلا من الإسراع فى استباحة دم ولى الأمر وبإطلاق الفتن السوداء التى هى كقطع الليل المظلم.
قال محمد عبد السلام فرج: بالنسبة للحركة الإسلامية طالبت كثيرا بالتطبيق العملى للإسلام، وناديت بأن يسلم هؤلاء القادة لله سبحانه وتعالى ويخرجوا من كفرهم، لكن الواضح هو الإصرار الكامل على الكفر، وكلام فقط بالدستور بهذه المادة، ولن ينطبق عمليا ما داموا مصرين على كفرهم. ثم يروى محمد عبد السلام فرج كيف حضر إليه أسامة حافظ من الصعيد فى شقة عبد الحميد عبد السلام قبل العملية بأربعة أيام، ليطمئن على مضيفهم فى تنفيذ عملية الاغتيال. يسأله المحقق: ماذا كان تفكيركم وتخطيطكم لتفجير الثورة الشعبية لإقامة الدولة الإسلامية. قال محمد عبد السلام فرج: كان يقوم على أساس القيام باغتيال المسؤولين المسيطرين بالدولة، والسيطرة على الأماكن الحساسة مثل الإذاعة وقيادة الأمن المركزى ووزارتى الداخلية والدفاع، وفى نفس الوقت قطع الاتصالات التليفونية وإخراج مظاهرات عن طريق مكبرات الصوت فى الشوارع، وفى نفس الوقت تقوم مدن الصعيد بعمل مظاهرات مؤيدة للثورة. يسأله المحقق: ألم يكن هناك تخطيط للوجه البحرى؟ قال محمد عبد السلام فرج: لأ.. لأن المجموعات الجهادية بالإسكندرية تم حلها وتفرقوا من كثرة القبض عليهم وغير الإسكندرية لم يكن لنا أفراد هناك. يسأله المحقق: ما الذى أعجلكم لتنفيذ ما فعلتموه؟ قال محمد عبد السلام فرج: بالنسبة لعملية المنصة كانت ستوفر علينا مجهودات كبيرة، حيث إن كل الذين يملكون زمام الأمور فى نظام الحكم الجائر مجتمعون فى المنصة، وكان ذلك سببا فى تعجيل القيام بثورة شعبية من خلال عملية المنصة.. وكان خمسون فى المئة من عمليات الاغتيال المخططة فى الثورة الشعبية سيتم تنفيذها عن طريق حادثة المنصة، وكنا نتوقع أنه ستحدث استجابة من الشعب، ولكن فشل الخطط الأخرى أدى إلى عدم وصول الثورة إلى الشعب. الشباب.. الشيوخ! ويعترف محمد عبد السلام فرج بأن العدد الإجمالى لأفراد التنظيم لم يصل إلى أكثر من مئة فرد، ويرجع ذلك إلى أن التنظيم كان حديثا، ولم يمضِ على تكوينه أكثر من سنة. يسأله المحقق: وهل أفتى الشيخ عمر عبد الرحمن بحل دم الرئيس شرعا؟
قال محمد عبد السلام فرج: لأ.. إنما أفتى بكفره فقط، وقد حدث ذلك منذ نحو خمسة أشهر تقريبا فى إحدى زياراتنا له أنا وكرم وفؤاد الدواليبى، وقد أفتى أن هذا كفر دون كفر، وليس كفرا بواحا يخرج من ملة الإسلام. يسأله المحقق: وكيف ذلك؟ قال محمد عبد السلام فرج: كالفسق.. وأنه ارتكب معصية أو كبيرة لا تخرجه من ملة الإسلام.
يسأله المحقق: وهل اقتنعتم بفتواه؟ قال محمد عبد السلام فرج: لأ. يسأله المحقق: لماذا وأنتم تتخذونه أميرا؟ قال محمد عبد السلام فرج: هو لم يقبل الإمارة، وكان كلامه غير ملزم. ويعود محمد عبد السلام فرج ليقرر أن التعجيل بعملية الاغتيال كان أحد بواعثه الإجراءات التى اتخذها الرئيس السادات بالتحفظ على كثيرين عقب أحداث الفتنة الطائفية. فيقول له المحقق: لماذا لم تصبروا حتى يقول القضاء كلمته فى شأن المتحفظ عليهم؟ قال محمد عبد السلام فرج: القضية ليست قضية أفراد مقبوض عليهم، ولكن قضية سب لدين الله عز وجل، ولا بد من الثأر لدين الله سبحانه وتعالى. يسأله المحقق: لماذا لم تصبروا حتى تكبروا فى العمر وتزداد معارفكم بالدين؟
قال محمد عبد السلام فرج: كوننا شبابا لا يعنى أننا أقل مستوى من هذا العمل، والرسول صلى الله عليه وسلم نصره الشباب وعدد من الشيوخ. صبرنا كثيرا
يسأله المحقق: ولماذا لم تصبروا كما صبر الرسول السنين الطويلة، وكان على الحق المبين مؤيدا بوحى من الله تعالى نزل به الروح الأمين على قلبه فكان من الموقنين؟
قال محمد عبد السلام فرج: منذ قيام ثورة 1952 والأحزاب الإسلامية تعانى من عداء شديد من قبل هذه الثورة، ونحن المسلمين قد صبرنا كثيرا وثورتنا ليست انتصارا لأنفسنا، ولكنها لتطبيق أمر الله سبحانه وتعالى.
يسأله المحقق: وأنت تعلم أن الله سبحانه وتعالى جلت قدرته قادر على أن ينصر دينه بكلمات منه، ولكن بين لنا أنه إنما يبلوا المؤمنين بالصبر وحسب، فلماذا لم تصبروا كما صبر الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ ظل ثلاث عشرة سنة صابرا يتعرض للإيذاء هو ومن معه من مكة.. لماذا لم تتأسوا بأسوته صلى الله عليه وسلم؟
قال محمد عبد السلام فرج: بالنسبة للنبى صلى الله عليه وسلم فى مكة.. كانت فترة بداية التشريع، وليس هناك طريق أمامه إلا أن يعلن دعوته أمام الناس، ولم يؤذن له فى القتال لمدة ثلاثة عشر عاما، حتى نزل قول الله سبحانه وتعالى «أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير».
وكانت هذه الآية إذنا للنبى صلى الله عليه وسلم بالقتال انتصارا لدين الله.
نعم.. حدث! فى نهاية الاستجواب..
يقول له المحقق: أنت متهم بالاشتراك فى اغتيال رئيس الجمهورية الراحل محمد أنور السادات وآخرين ممن كانوا معه بالمنصة الرئيسية وما حولها، بطريق الاتفاق والتحريض والمساعدة مع كل من خالد الإسلامبولى وعيد وعطا وحسين.. فما قولك؟