القتل سهل.. عادى جدا.. يمكن لأى شخص أن يصدر حكما أو فتوى بقتل شخص آخر. هكذا ما زال يفكر العائدون من تجربة الجماعة الإسلامية.. ما زال الإسلامبولى الصغير يفخر بقتل السادات وما زال يتصور أنه يحمل تراخيص بالقتل. الإسلامبولى الصغير شقيق قاتل السادات قال ذلك علنا ودون أن يفكر أن ما قاله ليس محل فخر ويعتبر جريمة لأنه تهديد للمجتمع كله. ما قاله الإسلامبولى الصغير يحاكَم عليه فى دول لا ترضخ لإرهاب مجموعات أو جماعات تقتل وتفرض سلطتها خارج القانون.. خصوصا أنها ترتكب هذه الجرائم بهذه البساطة التافهة التى حكى لى عنها مرة محامى الجماعات الإسلامية منتصر الزيات.. وهى حكاية أعيدها اليوم لاكتشاف طريقة التفكير. سألته: أين كنت وقت اغتيال السادات؟ قال منتصر: كنت هاربا فى منطقة اسمها «الجزيرة» بأسوان. لماذا؟ - كنا نخاف من قرارات اعتقال سبتمبر 1981. وقتها كنت قياديا بالجماعة؟ - كنت مسؤولا عن مجموعة أسوان.. وعضو مجلس شورى عن أسوان. هل عرفت بقرار اغتيال السادات قبل أن يحدث؟ - نعم. كيف؟! - أرسلَت قيادات القاهرة إلينا، حيث نختبئ، مندوبا هو أحمد هانى الحناوى.. كنت مع رفاعى طه.. جاءنا المندوب وقال لنا: «فى 6 أكتوبر سيُقتل السادات»، قبلها ب10 أيام.. وكانت التعليمات بأن الخطة ستنفذ فور مشاهدة السادات وهو يُقتل على شاشة التليفزيون. خطة؟ - نعم، خطة جهزها عبود الزمر.. لكن كان يجب أن تنفذ بعد 3 سنوات.. لم يكن وقتها مر سوى 9 أشهر.. وكانت مهمتنا فيها هى السيطرة على مديرية الأمن.. والإذاعة.. والإدارات المحلية.. وبالفعل أبلغنا مجلس شورى الجماعة فى أسوان أننا علينا التحرك بعد اغتيال السادات.. وانزعج بعضهم.. وخاف البعض الآخر.. ولكن بالفعل استمعنا إلى الأخبار فى الراديو فلم يكن لدينا فى منزل الهروب تليفزيون.. ولكن لم نستطع الحركة.. ولم نفعل شيئا.. ولم تفعل أى جماعة فى أى منطقة باستثناء مجموعة أسيوط.. ونزلنا بعد العملية إلى القاهرة. من الذى اتخذ قرار اغتيال السادات؟ - محمد عبد السلام فرج وخالد الإسلامبولى.. ليس لغيرهما دور فى اغتيال السادات.. خالد لم يكن عضوا فى الجماعة، كان مرتبطا بمحمد عبد السلام فرج صاحب كتاب الفريضة الغائبة. تقول إن خالد الإسلامبولى قاتل السادات لم يكن عضوا فى الجماعة؟! - نعم.. كان عنده ميول دينية، ويرتبط برباط وثيق بشخصين هما عبد الله سماوى (أمير تنظيم «الناجون من النار») ومحمد عبد السلام فرج.. وارتباطه بالأخير كان شخصيا أكثر، فقد خطب شقيقة زوجته (التى أصبحت زوجتى الآن).. المهم خالد لم يكن فى المجموعة التى ستشارك فى العرض العسكرى.. لكن فجأة وقبل أيام اعتذر أحد الضباط.. وكُلِّف هو بالمشاركة فخرج من وحدته على بيت عبد السلام فى بولاق الدكرور وقال له: «أنا هاقتل السادات».. عبد السلام فرج صُدم.. وقال له: «روح بيتك دلوقتى وهاشوفك بكرة...»، وبدأ يعد العدة فطلب من ممدوح أبو جبل (خرج من القضية شاهد ملك) ومحمد طارق إبراهيم وصالح جاهين تجهيز قنابل من مجموعة الشرقية.. وسأل خالد عن عدد الأشخاص الذين سيحتاج إليهم؟! خالد قال له 3.. فأحضر له عبد الحميد عبد السلام، ضابط على المعاش، وحسين عباس البارع فى الرماية، ثم عطا طايل.. الثلاثة كانوا مرتبطين بمحمد عبد السلام ومعهم خالد الإسلامبولى.. وعندما ذهبت مجموعة أسيوط «كرم زهدى وفؤاد الدواليبى» إلى عبد السلام فرج فى البيت طلب منهم قنابل وذخيرة.. رفضوا وقالوا إنهم يحتاجون إليها، وعندما عادوا إلى مجموعتهم حدث خلاف حول ما يحدث بعد الاغتيال.. وبعد أن علموا بالخبر قرروا فجأة مهاجمة مديرية الأمن. الخطة بعد ذلك فشلت، لأن أحدا لم يتحرك.. ولا حتى مجموعة الإذاعة التى كان قائدها هو صالح جاهين. حكاية منتصر الزيات انتهت.. لكنها تكشف عن الطريقة التى ولدت بها فكرة خطيرة مثل قتل الرئيس. ولدت الفكرة بهذه السرعة والجاذبية الرائجة فى تنظيمات مغلقة من هذه النوع تقوم على فكرة فاشية بأن ما تؤمن به هو «الحق» وما يفعله الآخرون هو الباطل.. ولا حق فى الحياة سوى للمؤمنين بفكرتك.. ولا أحد يوقف هذه التصاريح أو يعتبرها مجرَّمة.. أو يعتبرها رخصة على المشاع، يقتنصها كل من تحركه شهوة القتل.. باسم السماء.