مازال الوقت طويلاً لو أرادت جماعة النفاق الوطني الديمقراطي إسقاط جبهة المعارضة التي يقودها الدكتور البرادعي.. فليمتدحوه ويتمنوا له النجاح! محمد البرادعي تخيل سيادتك أن صحف الأهرام والأخبار والجمهورية والمساء والمسائي وروز اليوسف والمصور وآخر ساعة وأكتوبر وصباح الخير وسائر الإصدارات الحكومية الأخري قد خصصت منذ بداية الظهور السياسي للدكتور محمد البرادعي صفحات ومقالات وتحقيقات وحوارات ترحب بهذا الرجل وتتمني له التوفيق في الحصول علي فرصة ترشح في انتخابات الرئاسة المقبلة، تخيل أيضًا أن السيد الرئيس محمد حسني مبارك قد استقبل الدكتور البرادعي ووعده بالاستجابة لمطالبه في تعديل الدستور أو نصحه بالتقدم للانتخابات من خلال أحد الأحزاب القديمة أوالجديدة أو المستحدثة، ثم تخيل بعد هذا وذاك أن التليفزيون المصري قد استضاف الدكتور البرادعي ومنحه فرصة كاملة وطويلة ومملة لشرح برنامجه السياسي والانتخابي لعموم الشعب. لو تم تدبير مثل هذا الاستقبال الحكومي للدكتور البرادعي منذ إعلان موافقته علي الانضمام لحملة المطالبة بالتغيير والترشح للرئاسة لكانت الحملة بأكملها قد ذهبت أدراج الرياح ولكان البرادعي نفسه قد اضطر للتنازل تمامًا عن كل أحلامه وأحلام مؤيديه وخرج من الحياة السياسية المصرية إلي الأبد. لو كتب عبدالله كمال - مثلاً - أن البرادعي شخصية محترمة وأنه يستحق الترشح للرئاسة كالسادة رؤساء أحزاب المعارضة الوطنية التي هي جزء من النظام لكان الناس قد وضعوا البرادعي في المنطقة نفسها التي سبقه إليها الزملاء «قناوي وغزال والصباحي وجمعة.. وغيرهم» عقب حصول كل منهم علي نصف المليون جنيه و«سلطانية» أحسن كومبارس متكلم! ولو تفاني محمد علي إبراهيم في الدفاع عن حق البرادعي في منافسة حسني مبارك لخرج البرادعي علي الفور من حسابات كل الناس مثلما خرجت جميع الكائنات التي يحبها محمد علي إبراهيم ويحترمها ويشجعها و«يبروزها» في جريدته ولو قال أسامة سرايا أو عبدالمنعم سعيد إن الدكتور البرادعي مواطن مصري نبيل ووطني ومحترم وجدير بشرف المنافسة علي رئاسة الدولة لتخيل كل خلق الله أن الوافد الجديد ليس سوي «محلل» جاء به: نظام لتسهيل زواج مصر من السيد جمال مبارك أو إعادة تزويجها: بالسيد حسني مبارك! أما لو شارك الرئيس مبارك بنفسه في تسويق الدكتور البرادعي ومشروعه الدستوري والرئاسي فإن كل سكان مصر الأذكياء والأغبياء و«النص نص» كانوا سيقولون علي الفور إن البرادعي هو مرشح أمريكا لرئاسة مصر وإن هناك اتفاقًا بين النظام المصري وبين الزميلين أوباما ونتنياهو علي «زرع» الأخ البرادعي في رئاسة الجمهورية كبديل شرعي ورسمي ومتعاون متفق عليه لنظام انتهت مدة صلاحيته بالنسبة للقوي الخارجية المهيمنة علي الشأن المصري!! شعبية البرادعي التي تحققت - حتي الآن - لم يصنع مؤيدوه سوي جزء منها، بينما تكفل النظام المصري والمستفيدون منه بصنع الجانب الأكبر والأكثر أهمية ومصداقية الناس في مصر قد تستجيب لآراء وتوجهات ونظريات الصحف المستقلة أو الجماعات السياسية المعارضة، لكنها لاتتأكد من صحة هذه الآراء والتوجهات إلا من خلال الهجوم الضاري الذي يشنه ضدها النظام. في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات وصلت شعبية اليسار المصري إلي أقصي درجاتها في ظل العداء الشديد بين «التجمع» النظام والحزب الحاكم وأجهزة الدولة وصحفها، وكلما آزدادت ضراوة الهجوم الذي يواجهه «التجمع» «آنذاك» ازدادت شعبية الحزب وتضاعف احترام الناس في داخل مصر وخارجها، واستمر التجمع علي ذات الدرجة من التوهج إلي أن اعتنق نظرية «الأسقف المنخفضة» وبدأ رحلة تسول الاستمرار والاستقرار من الحكومة والنظام، وبدأت وسائل الإعلام الحكومية في الحفاوة بالحزب والاحتفاء بقياداته وتحيتهم بمناسبة ودون مناسبة والسماح لهم بالظهور في الإذاعة والتليفزيون فضلاً عن الكتابة في صحف الحكومة علي سبيل المعارضة النظرية الأخوية للحزب الحاكم وانتهي «التجمع» جاهيريًا حين أيقن الناس أنه صار يتمتع بحب ورضا وثقة وتأييد النظام. علي العكس من ذلك نالت جماعة الإخوان حظها الأكبر من الشعبية والانتشار بسبب الممارسات الحكومية ضد أعضائها وقادتها، وبسبب رفض النظام الاعتراف بها، وبسبب لقب «المحظورة» الذي أطلقته عليها صحف الحكومة، وتحولت الجماعة في الوقت الراهن إلي أقوي الجبهات الشعبية المناوئة للنظام، ونجحت - رغم التزوير - في اقتحام البرلمان المصري بثمانية وثمانين نائبًا كان يمكن أن يتحولوا إلي ضعف هذا العدد لو لم تلجأ الحكومة إلي التزوير الكامل ضد مرشحي الجماعة في المرحلة الثانية والمرحلة الثالثة من الانتخابات البرلمانية الماضية. الرأي العام الحقيقي في مصر يسير عكس اتجاه الحكومة والنظام، الناس تكره أي شيء يقرأونه مديحًا في صحف الحكومة، والمواطن العادي يكره النفاق والمنافقين حتي لو اضطر هو نفسه لممالأة الحكومة أو ممارسة النفاق للحصول علي مصلحة أو منفعة شخصية. مازال الوقت طويلاً لو أرادت جماعات النفاق الوطني الديمقراطي إسقاط جبهة المعارضة التي يقودها الدكتور محمد البرادعي، ومازال بوسع «الأستاذ عبدالله كمال» التخلي عن استراتيجية تلفيق الاتهامات للبرادعي واستبدالها بالتجاهل أو التأييد أو المباركة، وسوف يخسر البرادعي نصف مؤيديه علي الأقل بمجرد نشر مقالين لعبدالله كمال وكرم جبر يمدحانه فيهما ويتمنيان له النجاح والتوفيق، ومازال الأستاذ محمد علي إبراهيم قادرًا علي تغيير كل كلامه ضد الدكتور البرادعي وتحويل الدفة إلي اتجاه معاكس يروج للرجل المحترم الحاصل علي جائزة نوبل والذي يستحق منافسة الزعيم حسني مبارك ويستحق الحصول علي ثقة وأصوات الشعب المصري، وهذا الكلام لو قرأه الناس في جريدة «الجمهورية» سوف يؤمنون علي الفور أن حسني مبارك هو الحل حتي لو حكم مصر في المرحلة المقبلة بالتليفون والبرقيات ومشاركة الأنجال، وبوسع الأستاذين أسامة سرايا وعبدالمنعم سعيد المشاركة أيضًا في هذه الاستراتيجية بسلسلة من المقالات يؤكدان فيها أن الدكتور البرادعي قد يكون مرشح الحزب الوطني - ذات نفسه - في انتخابات الرئاسة المقبلة، ومثل هذا الخبر جدير بتحويل البرادعي ودعوته وبرنامجه وكل أنصاره إلي المعاش المبكر، وتحويل مصر إلي مملكة يتوارثها أبناء وأحفاد الزعيم الحالي حتي يوم القيامة! هذه نصيحة مجانية نقدمها لإخواننا في الحزب الوطني والحكومة والنظام والصحف والقنوات الحكومية، وهي أكثر جدوي وفاعلية وموضوعية من حملتهم الغبية التي تقترب بالبرادعي من القصر الجمهوري.