«النظام في حالة حرب» شعور عام لكنه عند عشاق الحشيش ومريديه يعني شيئًا مختلفًا. سمعت أحدهم علي المقهي يروي حكاية صحفي كان يقف في طوابير الباطنية انتظارًا لدوره في الحصول علي «قرش» حشيش من تاجر شهير اسمه مصطفي ولم ألتقط الاسم الباقي.. لكنه علي ما يبدو أحد أساطير عالم الكيف في مصر، حيث كان صبيانه يجلسون علي طاولات تقطيع الحشيش ليوزعونه علانية.. بينما هو ينفخ دخان شيشته باستمتاع وترقب لنوعية الزبائن. الصحفي نظر إلي صورة السادات الموجودة بقوة خلف المعلم.. وأطلق شتائم ولعنات وصلت إلي أذن المعلم، فنظر له من مكانه وأخرجه من الطابور ورفض أن يبيع الحشيش له. المعلم مخلص لرجل كان يراه العامة صانع جنة المزاج العالي.. وارتبطت به في الأساطير الشعبية بطولات في صناعة الثروات السهلة ورواج المخدرات الشعبية. وهي أساطير تختصر دور السادات كرئيس في هذه الرغبات الشعبية الخفية التي خرجت مع أحلام الصعود السريع التي حركتها سياسات السادات التي أتت بعد سنوات من «سد الحزام» في عصر عبدالناصر. وعندما اغتالت الجماعات الإسلامية الرئيس السادات فوجئ عشاق الحشيش باختفاء «الكيف» وتضاعف سعره أربع مرات من 5 جنيهات إلي 20 جنيهًا. الاختفاء كان مؤشرًا سياسيًا كما يفسر الآن الاختفاء المفاجئ بأنه علامة علي تغيرات في نظام مبارك.. وهذا ما يقوله المراقبون السياسيون بطريقة أخري عندما يصفون ما يحدث بأنه «نظام في حالة حرب». هذه نظرية تربط بين قوة الدولة والسماح بالممنوع.. خاصة أن النظام يشعر بالارتباك العنيف لأول مرة بعد ظهور البرادعي، حتي إن رئيس تحرير «الأهرام» أسامة سرايا أصدر قرارًا شفويًا بعدم ذكر اسم البرادعي بالخير أو الشر في المقالات أو التحليلات. وهذه علامة ذعر تكملها علامات أخري مثل تسريبات تقترب من اتهام بالعمالة ولعب أدوار لصالح أمريكا.. «إنه مظلة أمريكية هابطة علي مصر» و«إنه رجل أمريكا الذي أخرجته علي الطريقة الهوليوودية». التسريبات تكمل صورة قديمة استعادها طهاة النظام وعناصره السرية تجعل من «الرئيس هو الوطن» و«حب الرئيس هو الوطنية».. الصورة تلغي المسافة بين «الرئيس» ومصر «لكن ليس علي طريقة مصر ناصر ومصر السادات.. وإنما علي طريقة الأب الحنون الذي عبر المحنة وقلوب المصريين معه» و«رمز المصريين الذين يرون فيه صورة الأب» كما قالت المطربة شيرين في أغنية لعبت علي العنصر العاطفي لصورة العائلة والأب. وهي صورة من صور الفاشية استخدمت في كل مراحل حكم الجنرالات لمصر لكنها مع مبارك تستخدم بنفعية عالية ومكشوفة لا تتفق تمامًا مع طبيعة النظام ورئيسه. يريد طهاة النظام أن يصنع المرض وجودًا جديدًا للرئيس مبارك يضعه في منطقة بعيدة عن الصراعات المحتدمة حول مستقبل الحكم في مصر، ليكون علي أقل تقدير هو العنصر الحاسم في اختيار الرئيس القادم. خاصة أن ظهور البرادعي ورغم تراوحه بين ذكاء الإدارة وعشوائية الحركة.. فإنه حرق ورقة استمرار النظام وسر مصداقيته. الورقة هي أن نظام مبارك نظام مدني يحمي مصر من المنتظرين تحت الأرض لإعلان الدولة الدينية.. وهو أيضًا نظام يبتعد عن «العسكرتاريا»، حتي إن مرشحه «الخفي» جمال مبارك هو أول رئيس مدني صرف بعد سنوات من حكم مبارك «نصف العسكري نصف المدني». البرادعي حرق ورقة المدنية ووضع فكرة «جمال مبارك» في مأزق لا تصلح معه استعراضات أحمد عز للدفاع عن النظام حتي آخر دولار. ولأنني بدأت بالحشيش فلا أجد تفسيرًا لما حدث في صلاة الجمعة ورواه أحد الأصدقاء علي موقع «تويتر» إلا أنه عودة منتقاة للحشيش. الإمام قال في الخطبة إن الله اختار من يحكم الأمة وعلينا أن نطيعه. والمعروف من يقصد.. والمعروف أيضًا أن الحشاشين الأصلاء سيغضبون إذا اعتبرنا هذا الكلام من تأثير الحشيش.. وسيدافعون بأن الإمام دخن خلطة مضروبة لا علاقة لها من بعيد أو قريب بالدخان الأزرق.