علي الصفحة الأولي من جريدة «الأخبار» الصادرة يوم الأربعاء الماضي خبر يفيد بمصرع اثنين من الشباب في غرق مركبين وكان علي متن هذين المركبين أكثر من مائة شاب في عمر الزهور قطعوا ثلاثة أميال في عرض البحر بالقرب من قرية مطوبس بكفر الشيخ وانتهت المغامرة بالقبض علي 23 من هؤلاء الشباب وفرار البعض الآخر وبالطبع هذه المحاولات تتكرر كل يوم وكل ساعة علي أغلب الشواطئ المصرية وللأسف الشديد أيضاً بعض الشباب المصري يستخدم الشاطئ الليبي للغرض نفسه. ويبقي السؤال الخطير الذي هو في انتظار إجابة من سعادة المسئولين في بر مصر.. لماذا يجازف شبان مصريون في عمر الزهور بالحياة نفسها في سبيل الهروب من بر مصر وكأنهم داخل سجن عظيم أصبحت الحياة داخله هي المستحيل بعينه.. هل يجرؤ السيد رئيس مجلس الوزراء علي الإجابة عن هذا السؤال؟.. الجواب لدي شخصي الضعيف هو بالطبع لا.. لا رئيس مجلس الوزراء ولا غيره من المسئولين في بر مصر لديهم الجواب الشافي علي هذا السؤال ولكن نظرة سريعة علي ما يجري في أرض مصر المحروسة نستطيع من خلالها أن نستنتج الإجابة الشافية عن هذا السؤال.. فلنأخذ أولاً جهاز الإعلام الذي يلعب أهم الأدوار وأخطرها في المجتمع سنجد الإعلام الحكومي يكذب وأيضاً يتجمل.. فهو يبشرنا بمستقبل سعيد وبقادم أجمل وحاضر أبدع من الماضي ويصور لنا حياة وردية يعيشها أهل مصر لا وجود لها في واقع الأمر.. في حين أن الإعلام الخاص ينزل إلي العشوائيات وعلي وجه الخصوص في قنوات «الأوربت» و«دريم» لقد شاهدت في بر مصر عشوائيات ليس لها مثيل في الكون ناس يشربون مياهاً أشبه بالبول وأجزم أن الطعم والرائحة التي للبول ربما تكون أكثر احتمالاً مما وفرته الحكومة لهذه الفئة المطحونة من مياه يبدو أنها تسربت وعرفت طريقها إلي المجاري ثم سارت باتجاه المقابر فاختلطت بالجثث والهياكل العظمية ثم أخرجت لنا في النهاية ذلك المزيج العجيب والمشروب الفريد الذي ليس له نظير في أي مكان في العالم . وأما عن الطعام.. فقد ذبحنا الحمير وأكلنا لحمها وعن اللحمة المفرومة فحدث ولا حرج فقد اهتدي البعض إلي فكرة جهنمية عندما قاموا بعملية انتشار في الترع والمستنقعات وجلبوا كل ما هو نافق من الحيوانات وسلخوه وفرموه وباعوه لأهل مصر الغلابة الطيبين علي أنه لحم مفروم ومع هذا فإن الناس أكلت وشبعت وشربت وانبسطت ولم يحدث لها مكروه ولم تثر عندما علمت بالحقيقة المرة بل لم يعترض أحد واكتفينا بالقبض علي الجناة وتقديمهم إلي القضاء وبالطبع لو عاد هؤلاء إلي الحياة وسط الناس مرة أخري فسوف يرتكبون نفس الجريمة.. لماذا؟.. لأن أجهزة الدولة في حالة نوم عميق وسبات شتوي وصيفي وربيعي وخريفي يعني سبات بعكس ناموس الحياة في كل الفصول اللهم صل علي النبي حالة فريدة تخصنا وحدنا دون خلق الله أجمعين.. أين السيد وزير التموين؟.. أين الرقابة علي الأسعار؟.. أين الرقابة علي الجودة ومباحث التموين؟ لقد أكل أهل مصر برادة الحديد في الشاي وأكلوا المسامير في رغيف العيش وتناولوا كميات من صبغة الأحذية المدهون بها الزيتون حتي يتلون باللون الأسود بل أكلوا لحوم الفئران في البسطرمة كما جاء في تحقيقات أحد الهابرين لفلوس البنوك والتي وظفها في اللحوم المعلبة والمصنعة وأنا أتصور أن الناس فاهمة وواعية تماماً لما يجري وأنها تحاول الحياة تحت كل الضغوط التي تمارس ضدهم لأنه من غير الممكن أن يصل كيلو اللحمة إلي ما فوق الخمسين جنيهاً، ثم تجدها لدي البعض بأقل من نصف السعر المعلن والمحدد.. إذن العملية فيها إن.. وحتي اللحوم التي أعلن رئيس الوزراء عن استيرادها من إثيوبيا والهند لضرب إخوانا الجشعين والمحتكرين خرجت أخبار سارة تفيد بأن هذه اللحوم فيها أمراض خبيثة فاجتنبوها أيها الفقراء، فإما أن تعودوا إلي أكل الجيفة أو تكتفوا بالبحلقة في لحمة الأغنياء.. لقد أصبحت لقمة العيش في بر مصر غالية الثمن وباهظة التكاليف فما بالك ببقية مناحي الحياة.. تعالوا نستعرض معاً تصريحات السادة المسئولين في الحكومة حول فرص العمل التي وفرتها الدولة فإن تعدها فهي كثيرة، ولكن إذا تقدم إليها أحد مما يستحقونها فهي عزيزة المراد نادرة الحصول، حيث المرور إليها يحتاج دائماً إلي الكارت السحري من سفير أو مدير أو وزير أو صاحب حصانة.. أما الذين لا واسطة لهم فهم كمن لا ظهر لهم ينضربون علي بطونهم.. وأنت إذا قابلت أي شاب في عمر الورود فتخرج من الجامعة أول طلب سيطلبه منك هو أن تجد له عملاً وبالطبع هو لا يعلم أنه يطلب المستحيل تماماً كالغول والعنقاء والخل الوفي، حيث لم يعد من مهام الدولة في عصرها السعيد الحديث أن توفر فرص العمل ويكفيها أنها وفرت فرص التعليم في المدرسة ثم الجامعة صحيح أنه لم يعد بلوشي كما كان ولكن الفرص موجودة والسلام، أما حكاية التعيين هذه فإن الدولة مش ح تغسل وتضمن الجنة كمان!! ويكفيها جهودها البناءة في بيع القطاع العام وتشريد عشرات الآلاف من العمال والموظفين وطردهم من أعمالهم وتحويلهم إلي أقرب شوارع لمجلس الشعب لكي يفترشوا الأرصفة ويأكلوا ويشربوا ويناموا بجانب أصحاب الحصانة لعلهم يجدون لديهم القلب الحنون الذي يرق لأحوالهم فيطالبون السيد محمود محيي الدين- وزير الاستثمار- ويستعطفون معاليه بالكف عن بيع الشركات الناجحة مثل عمر أفندي وطنطا للكتان وبعض الشركات المحروقة والمنهوبة وعرضها للبيع مع حفظ حقوق عمالها قبل أي بند آخر.. ولكن هل يمكن لمثل هكذا أمر أن يحدث؟! بالطبع الإجابة.. ولا في الأحلام!! إذن لماذا نحارب هذا الشاب الذي لم يجد في مصر مكاناً في أتوبيس ولا سريراً في مستشفي ولا عملاً في مصنع ولا مسكناً سوي في المقابر ولا مأكلاً إلا الجيفة، وبالطبع تبددت أحلامه في الحب والزواج والأسرة وخلافه.. ومتي وهو في عنفوان القوة والبأس.. هذا الشاب بالتأكيد سيتحول إلي بلطجي وسيتجه إلي أقرب بائع للمطواة القرن الغزال وسيثبت الناس في الحواري والشوارع والأزقة وسيتحول إلي مجرم صاحب ملف في البوليس.. وبالطبع أي تقصير من وزير التموين ووزير الاستثمار ووزير التجارة ووزير الصحة ووزير المواصلات ووزير الهجرة و«الحزن» الوطني الديمقراطي أقول تقصير هؤلاء جميعاً سيتحول إلي كوارث يتحملها وحده وزير الداخلية كان الله في عونه وفي عون رجاله من أكبر رأس فيهم إلي أصغر عسكري مرور ينظم شوارع القاهرة المجنونة. وفي النهاية فإنني أرجو وأتوسل السادة المسئولين في بر مصر أن يرحموا هؤلاء الشباب الذين لم يجدوا فرصة للحياة علي أرض مصر فذهبوا للبحث عنها لدي الآخرين.. إنهم ليسوا مهاجرين غير شرعيين.. بل إنهم طلاب حياة!!