تعشق الحكومة استمرار قانون الطوارئ وتدمن تزوير الانتخابات.. ومصر علي أبواب انتخابات جديدة للتجديد النصفي لمجلس الشوري، وبعدها بشهور انتخابات أخري لكامل أعضاء مجلس الشعب.. ومصر خلال هذه الانتخابات سوف تكون فرجة للعالم كله.. فلا توجد في مصر انتخابات حقيقية ولا يوجد بها أي ضمانات فعلية لنزاهة الانتخابات.. وإذا كنا قد شاهدنا في انتخابات 2005 بلطجية يشهرون السيوف والسنج ويقف خلفهم صفوف من قوات الأمن المركزي لإرهاب الناخبين، الذين كانوا يريدون التصويت لصالح مرشحين لا تريدهم الحكومة - فإن كل التوقعات تقول إن التزوير في الانتخابات القادمة واقع لا محالة!! وقد قالها صراحة اللواء محمد عبدالفتاح عمر وكيل لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس الشعب لنواب الإخوان: إن هذا المجلس لن تعودوا إليه ثانية.. ومن قبل قال الملياردير أحمد عز - نائب الحزب الوطني وأمين تنظيمه-: إن فوز الإخوان بعدد 88 مقعدا في الانتخابات السابقة عام 2005 هو خطأ لن يتكرر.. ويزيد من أدلة التزوير القادم لانتخابات مجلسي الشوري والشعب رفض الحكومة علي لسان الدكتور مفيد شهاب وزير الدولة للشئون البرلمانية والمجالس التشريعية وجود مراقبين أجانب لعملية الانتخابات، للتأكد من حسن سيرها وسلامة إجراءاتها ونزاهة عمليات التصويت والفرز وإعلان النتائج.. فالحكومة لا تريد أن يشاهدها العالم وهي تمارس فعلاً فاضحًا وعلنيًا بتزوير الانتخابات والتلاعب في نتائجها.. وهي لا تريد أن تحكم عليها دول العالم الديمقراطي المتحضر بأنها سيئة السمعة والسلوك. الشيء اللافت للانتباه أن الانتخابات القادمة سوف تجري وسط أجواء من التوترات الاجتماعية المتصاعدة والتي تجلت أهم مظاهرها في موجات الاعتصامات الاحتجاجية والإضرابات من جانب العمال والموظفين في مصانع وشركات القطاع العام التي جري تصفيتها أو بيعها لضباع وذئاب المستثمرين أو في شركات ومصانع أخري يتهم العمال فيها الحكومة بأنها تسعي مع سبق الإصرار والترصد والتربص إلي «تخسيرها» تمهيدًا لبيعها هي الأخري.. كما ترجع التوترات الاجتماعية في بعض جوانبها إلي السخط المتنامي لدي قطاع من المصريين ممن كانوا يمنون أنفسهم بإمكانية العيش كبشر ونيل قدر ولو يسير من الحياة اللائقة من خلال الالتحاق بعمل في إحدي هيئات الدولة أو وزاراتها الخدمية.. حتي ولو بعقود مؤقتة.. حتي ولو بمرتبات متدنية.. وكل هذا علي أمل أن تتحسن أوضاعهم وتزداد دخولهم فيما بعد.. فاكتشفوا جميعًا أن أحلامهم البسيطة والمتواضعة مع حكومات الحزب الوطني هي محض وهم وسراب.. وأن مصر تعيش الآن زمن الثورة المضادة وعصر ديناصورات الرأسمالية الجديدة الذين استولوا علي كل شيء من المصانع إلي الأراضي.. وأن زمن عبدالناصر والعدالة الاجتماعية والحق في العمل والحق في الحياة قد ولي وانقضي.. لم يصدق هؤلاء البسطاء ممن تولد الغضب في قلوبهم علي أحوالهم وما يجري لهم أن قوي الثورة المضادة قد نجحت وأن مجتمع النصف في المائة قد عاد من جديد.. وحاول هؤلاء البسطاء المحتجون إقناع بعضهم بأن الحكومة يمكن أن ترق لحالهم وأنهم لو وصلوا إلي رصيف مقر الحكومة في شارع مجلس الشعب بالقاهرة ورفعوا لافتات الاحتجاج علي أوضاعهم لربما أحست بهم وتدخلت بقرارات فورية لحل مشاكلهم.. ولكن الحقيقة صدمتهم واكتشفوا أن قلب الحكومة حجر.. وأن جلدها سميك جدًا.. وعادوا يمنون أنفسهم بأن نواب مجلسي الشعب والشوري من العمال والفلاحين يمكن أن يكونوا معهم ويتبنوا قضاياهم ويحلوا مشاكلهم خاصة أنهم يمثلون خمسين بالمائة علي الأقل من أعضاء المجلسين.. فاكتشف هؤلاء المحتجون أن السادة نواب مجلسي الشعب والشوري عن العمال والفلاحين ليسوا عمالا ولا فلاحين.. وأنهم حاجة ببلاش كده.. وأنهم ربما يكونوا نواب مخدرات.. أو نواب قمار.. أو تهريب موبيلات.. أو من عشاق أحضان سميحة فتاة الليل.. ولكن المؤكد أنهم لا يمثلون العمال ولا يمثلون الفلاحين وإنما يمثلون أنفسهم ومصالحهم الشخصية وأن حكاية الخمسين بالمائة «عمال وفلاحين» المنصوص عليها في الدستور هي في الحقيقة ومن خلال الواقع العملي خديعة سياسية لا تتفق مع منطق الأشياء التي توجب أن يكون أعضاء البرلمان من صفوة العقليات السياسية والقانونية والفكرية حتي يمكنهم مراقبة أعمال الحكومة واقتراح القوانين والتشريعات.. ورغم كل ما سبق فإنه من المؤكد أن مصر لو كانت تعيش في ظل ديمقراطية حقيقية ودستور عصري وتجري فيها انتخابات حرة ونزيهة لخشي النظام علي نفسه وعلي حكومته من استمرار الاحتجاجات والإضرابات والاعتصامات لهؤلاء البسطاء من منطلق أن الأمة فوق الحكومة.. وأن الدستور والقانون فوق الجميع.. ومن الممكن للناخبين في الدول التي تعرف الديمقراطية أن يطيحوا بالنظام وحكومته عبر صناديق الانتخابات ويأتوا بغيرهما.. ولكن هنا في مصر الأمر مختلف حيث يجلس النظام فوق الدستور والقانون ويأرجح قدميه.. وتجلس الحكومة فوق أنفاس الشعب وتفعل ما تشاء.. والرئيس يعدل الدستور كيفما يريد ووقت ما يريد.. والحكومة تحرك أحزاب المعارضة الوهمية وتشتري بالتعيين في مجلس الشوري ضعاف النفوس ومنعدمي الضمائر.. ثم تطبخ انتخابات مجلس الشعب وتقوم بتزويرها.. وفي مواجهة كل هذه المهازل يري البعض من المعارضين أن مقاطعة تلك المسرحيات الهزلية المسماة الانتخابات في مصر هي الحل.. ولكن البعض الآخر من المعارضين يري أن تحقيق الديمقراطية يتطلب وقفات رجال وتضحياتهم ويتذكرون موقف المستشار العظيم ممتاز نصار في وجه أنور السادات الذي لم يحتمل وجود 13 معارضا لاتفاقيات كامب ومعاهدة السلام مع إسرائيل داخل مجلس الشعب وأمر بحل المجلس عام 1979 لإسقاط هؤلاء المعارضين.. ولكن رجال دائرة البداري - أسيوط وقفوا بالسلاح مع ابن دائرتهم «ممتاز بيه» وحرسوا صناديق الانتخابات بأجسادهم وبالسلاح ومنعوا تزويرها ورافقوها حتي إتمام عملية الفرز.. ونجح ممتاز نصار وانتصر علي السادات الذي كان يقول عن نفسه إنه آخر فرعون يحكم مصر.. فهل أبناء مصر من المرشحين المعارضين وأنصارهم علي استعداد للوقوف علي صناديق الانتخابات والموت فوقها كما فعل رجال البداري لمنع الحكومة من تزوير الانتخابات؟.