في ظل التكهنات الكثيرة المنتشرة والمؤكدة علي عدم نزاهة الانتخابات البرلمانية المقبلة، ووجود نوايا مبيتة لدي النظام الحاكم وحزبه الوطني لتزوير الانتخابات، وعدم تقديمه لضمانات حقيقية لنزاهة العملية الانتخابية بعد رفض الرقابة الدولية علي الانتخابات وتضييقه علي المنظمات الحقوقية الراغبة في المشاركة في مراقبة سير العملية الانتخابية. توجهنا للفقيه الدستوري الدكتور ثروت بدوي بهذه الأسئلة حول مدي كفاية الضمانات الحالية لنزاهة العملية الانتخابية ومدي ملاءمة الدستور الحالي لإدارة الانتخابات، وعن نسب التزوير خلال الاقتراع من وجهة نظره، وإقرار نظام الكوتة في الانتخابات الحالية. كيف تري الانتخابات البرلمانية؟ - مثل جميع الانتخابات التي أجريت طوال ال50 سنة الأخيرة فهي كلها مزورة وتزداد سنة بعد أخري من حيث وسائل القمع التي تستخدمها أجهزة الأمن ومن حيث بجاحة وثقافة جميع الأجهزة التي تدير عمليات الانتخابات واستخدامها لوسائل التزوير العلني والمكشوف لدرجة أن الكثير من لجان الاقتراع كانت تنتهي من عملها قبل الساعة ال10 صباحاً في جميع الاستفتاءات الشعبية التي تمت، كما أن أجهزة الأمن تمنع كل من يشتبه فيه من الانتماء إلي جماعات معارضة بالقوة ومنع دخولهم إلي مقر اللجان الانتخابية، وهذا قد حدث علناً في جميع الانتخابات التي أجريت في مصر في ال50 سنة الأخيرة وبالذات في ال30 سنة الأخيرة، وقد زاد الأمر وضوحاً في انتخابات مجلس الشوري الأخيرة إلي درجة أن بعض المرشحين الذين لا يتمتعون بتأييد شعبي يزيد علي نصف في المائة قد أعلن نجاحهم بعشرات الآلاف من الأصوات في حين أن الذين أدلوا بأصواتهم لا يتجاوزون بضع مئات من الأصوات. بمن تفسر استبعاد الإشراف القضائي؟ - أنا ضد الإشراف القضائي، ذلك الإشراف المسرحي الذي ابتدعه الرئيس الراحل أنور السادات، ذلك أن مهمة القضاء هي الرقابة علي الانتخابات وليس الاشتراك في إدارة العملية الهزيلة المسماة بالانتخابات والقضاء كان ولايزال يراقب الانتخابات عن طريق الفصل في الطعون الانتخابية المختلفة، سواء في الطعون التي تقام ضد كشوف الناخبين أو تقسيم الدوائر الانتخابية أو غيرها من إجراءات الانتخابات ابتداء من إعداد كشوف الناخبين وانتهاء بإعلان نتيجة الانتخابات، وهذه الأمور جميعاً من اختصاصات القضاء الإداري وإقحام القضاء وإشراكه في العملية الانتخابية، يهدف إلي مسح أو تغطية المهازل التي تقوم بها الإدارة في مراحل الانتخابات المختلفة ونسبتها إلي القضاء، هذا من ناحية ومن ناحية أخري، فإن الإشراف القضائي الذي هو كائن عملية صورية لأن أعضاء الهيئات القضائية الذين شاركوا أو سوف يشاركون في إدارة الانتخابات تختارهم الحكومة وقتما تشاء، والاختيار مسألة تنفرد بها الإدارة دون أن يكون للقضاء أي دور دون اختيار أي أعضاء للجان القضائية المشرفة علي الانتخابات، فهم سواء كانوا تابعين للقضاء أو كانوا تابعين لهيئة قضايا الدولة أو النيابة الإدارية، فهم جميعاً تختارهم الحكومة وتقيلهم الحكومة دون أن يكون للقضاء دور في اختياره. ما الضمانات الناقصة لضمان نزاهة العملية الانتخابية؟ - لا توجد أي ضمانات فهي عملية هزيلة وتمثيلية هابطة. هل مراقبة الانتخابات كافية لضمانتها؟ - يراقبون إيه.. هو فيه انتخابات.. لكي تتواجد انتخابات لابد من توافر الحرية أولاً كي تتوافر الانتخابات. مدي ملاءمة الدستور الحالي لإدارة العملية الانتخابية؟ - الدستور الحالي لا توجد فيه مادة واحدة ملائمة لأي شيء، كما أن جميع الأجهزة التشريعية والإدارية والقضائية لا تتفق مع المعطيات الأولية لنظام ديمقراطي حر، فالدستور الحالي يكرس نظاماً استبدادياً لا مثيل له في التاريخ، ومن ثم فعملية الانتخاب مجرد مسرحية هزلية لا يؤمن بها أحد، في ظل سيطرة الحزب الحاكم علي تحركات الأحزاب والأفراد، فلا توجد حرية لتكوين الأحزاب ولا حرية لممارسة النشاط الحزبي، والحزب الوطني يملك مقاليد الأمور في يده تحت مسمي حزب الشعب وضمه ملايين المواطنين في عضويته. ولكن هذا صحيح ويملك الملايين في عضويته؟ - نعم.. ولكن علي الرغم من أن أعضاءه عدة ملايين إلا أنه لا يتمتع بتأييد نصف في المائة من الشعب المصري وأكثر من 99٪ من الشعب المصري ساخطون علي الحزب الوطني وحكومته، والأعجب من ذلك أن أعضاء الحزب الوطني أنفسهم غالبيتهم غير راضية عن أوضاع الحزب والذي لم يقدم إلاّ كل ما هو سيئ. ماذا تعني بأنه لم يقدم إلا كل ما هو سيئ؟ - الحزب الوطني لم يقدم أية خدمات إيجابية للشعب بل علي العكس ففي حكمه تفاقمت البطالة وتزايدات معدلات الفقر وانتشر المرض وأصبحت المستشفيات الحكومية مجرد مبان لا تقدم خدمة صحية حقيقية، وانهار التعليم في جميع مراحله كما انهار الاقتصاد وأصبحت البيئة ملوثة والمواصلات متزاحمة ومرتبكة وأسوأ شيء أن هذه الأمور تزداد انهياراً عاماً بعد الآخر، وما أذكره علي المستوي الداخلي، أما علي المستوي الخارجي فلم يعد لمصر ما كان لها من وضع مرموق وتعامل راق باعتبارها بلداً حضارياً، كما لم يعد لها كلمة سواء في علاقاتها مع الدول الأخري أو في علاقاتها مع المنظمات الدولية، كما أن مصر فقدت حريتها في انتهاج سياسة خارجية حرة بعد أن أصبحت خاضعة للنفوذ الأمريكي - الإسرائيلي. ما تفسيرك لتزايد حالات الانشقاق عن الحزب الوطني من قبل أعضائه بعد انتهاء المجمع الانتخابي للحزب؟ - أولاً كل حزب حر في تنظيم أموره الداخلية وكيفية اختيار مرشحيه بالأسلوب الذي يروق له، ولا يوجد في الدستور ما يمنع من عقد الحزب لمجمع انتخابي لاختيار مرشحين، وما حدث من انشقاقات من الحزب أمر طبيعي، فأعضاء الحزب الوطني أنفسهم غير مؤمنين بالحزب وسياسته، بل والأعجب أنهم جميعاً لا يعرفون شيئاً عن سياسات الحزب أو برنامجه، وما حدث من انضمامهم للحزب كان نتيجة لرغبتهم في الحصول علي خدمات ومنافع الحزب الكثيرة، وبالطبع كان لابد من أن يغضب غير المرشحين علي قوائم الحزب بل ويعلنوا استعدادهم للتحالف مع مرشحي الأحزاب الأخري، فهم مستعدون لعمل أي شيء وصولاً لما يمكن أن يحقق منافع شخصية وإذا أغلق الحزب الطريق في وجههم، فهم ينقلبون عليه كما حدث الآن، مع العلم بأنهم سيهرولون نحو الحزب من جديد إذا لوح لهم بأية منفعة لأن أعضاء الحزب الوطني هم في الأساس نفعيون لا يفكرون إلا في مصالحهم الشخصية. هل توافق علي تحديد فترة زمنية للدعاية الانتخابية؟ - بالطبع أوافق في حالة تحديدها لضمان تحقيق الشفافية والمساواة وعدم تجاوز أصول الدعاية الانتخابية، ومن الطبيعي أن تقف عمليات الدعاية الانتخابية قبل إجراء الانتخاب بيومين تقريباً، حتي يتفرغ الجميع للاستعداد لجولة الاقتراع في الصناديق. وأسوأ ما يحدث تغاضي أجهزة الأمن عن تجاوزات »المرضي عنهم« من القيادة العليا فهم يمارسون الدعاية الانتخابية قبل الترشح وبعده. ما أوجه الخلل في الدستور المصري.. وكيف يتم إصلاحها؟ - الدستور المصري كله خلل وحتي يتم إصلاحه لابد من إلغاء مجلسي الشعب والشوري وإلغاء الدستور الحالي، وإطلاق الحريات السياسية والمدنية ومن بينها حرية تكوين الأحزاب دون أية قيود، وحرية ممارسة النشاط السياسي لجميع المواطنين دون تفرقة بينهم، وإلغاء حالة الطوارئ التي فرضت منذ ثلاثة عقود علي البلاد بلا مبرر، وبالمخالفة لأحكام الدستور القائم وبصورة لم تحدث من قبل ولا يوجد لها مثيل في تاريخ الدول. ما رأيك في نظام الكوتة الجديد؟ - الكوتة نظام غير دستوري ومخالف للمبادئ الدستورية الخاصة بالمساواة وتكافؤ الفرص والديمقراطية وسيادة القانون، فضلاً عن أن هذا النظام لا يتيح الفرصة الحقيقية إلا لمن يختارهم الحزب الوطني، فطبيعة النظام الانتخابي في البلاد وقانون مباشرة الحقوق السياسية، واتساع دوائر الكوتة، كلها أمور لا تسمح لأية امرأة أياً كان وضعها ومهما بلغت شعبيتها أن تنجح إلا بالتزوير. لماذا؟ - لأن من مفاسد النظام القائم اشتراط أن يكون مندبو المرشحين في جميع اللجان الانتخابية من نفس الحي والقرية التي تنعقد فيها لجنة الاقتراع وتمارس فيها عملية التصويت، ويستحيل علي أي إنسان في مصر أن يجد المندوبين الذين يمكن أن يأتمنهم لحضور عملية الاقتراع ما لم يكن خلفه حزب له مؤيدون منتشرون في جميع القري والأحياء التي تقام فيها لجان الانتخابات والمرشح الوحيد الذي يملك هذا هو مرشح الحزب الوطني عن طريق العمد والمشايخ والموظفين العاملين في الأجهزة الإدارية المنتشرة في ربوع البلاد والخاضعين للحزب الوطني. ما تعليقك علي الانتخابات في 2010 في كلمتين؟ - يا ريت يسمعوا كلامي ويلغوا مجلس الشعب ومجلس الشوري وينتفعوا بآلاف الملايين التي تنفق في الانتخابات ولأعضاء مجلسي الشعب والشوري بدلاً من أن تنفق هذه المليارات علي مسرحية الانتخابات وعلي نواب لا سند لهم من الشعب، يا ليت الحكومة تنفق هذه الأموال علي التعليم والصحة والمواصلات.