في كلمته في افتتاح المؤتمر الذي عقد بمقر مشيخة الأزهر بحضور كافة القوى السياسية والكنائس المصرية لطرح مبادرة لتحريك الوضع المتردي في مصر إلى أفضل قال شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب "لقد بَقِى الأزهرَ بحمدِ الله على مَدارِ التاريخِ، وأطوارِ الحياة المصريَّةِ المتعاقِبة، بيتَ الوطنيَّةِ المصريَّةِ، نلتقى فيه جميعًا كلَّما حَزَبَنا أمرٌ أو دَعانا داعٍ، لنتَدارَسُ، ما يُواجِهُنا من تحدِّيات، ونُعلِنُ للكافَّةِ فى الداخلِ والخارجِ، ما نلتقى عليه من رأى، وما نتَوافَقُ عليه من قَرار". الطيب أضاف "قبلَ أربعةَ عشر قرنًا أعلن رسولُ هذه الأمَّة - صلى الله عليه وسلم - فى حجَّة الوداع مِيثاق الحقوق المدنيَّة والدينيَّة لكافَّة الناس.. وذلك عندما قال: «أيُّها الناس، إنَّ دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم حرامٌ عليكُم إلى أنْ تلقَوْا ربَّكم، كحُرمةِ يومِكم هذا، فى شَهرِكم هذا، فى بلَدِكم هذا...».
شيخ الأزهر أوضح أن الذي دَعَا إلى عَقْدِ هذا اللقاءِ "زيارة مجموعةً من الشبابِ الوطنى المصرى، الذين فجَّروا ثورةَ الخامس والعشرين وقاموا بها مع كلِّ فئاتِ الشعبِ، مُشفِقين ممَّا تمرُّ به بلادُنا العزيزةُ، وتتعرَّضُ له من مَآزِقِ، فلم يكتَفُوا بالإشفاقِ، واجتمعوا هنا أكثرَ من مرَّةٍ مع طائفةٍ من العُلَماءِ، وانتَهوا إلى جملةِ أُصولٍ أو مَبادئ، رأوا فيها أنَّها يُمكن أنْ تُعالج أخطرَ جَوانِبِ الموقفِ الراهنِ وتُعيننا على اجتِيازِه، وهى بينَ أيديكم يَطرَحونَها علينا، ويَدعوننا إلى النظَر فيها ثم تَبَنِّيها، وإعلانها على النَّاسِ فى صِدْقٍ وأمانةٍ وشُعورٍ وطنى بالمسئوليَّةِ لإيقافِ بعضِ التَّصرُّفاتِ التى اندَفَعتْ إليها بعضُ الجماهيرِ، ولوقفِ الجمُوحِ الذى طالَ الدِّماءَ المصريَّةَ، وهدَّد حقَّ الحياةِ الذى هو أصلُ كلِّ الحقُوقِ الإنسانيَّةِ، وحقَّ الأمن والأمانِ الذى هو المطلَبُ الأساسى لكلِّ مُواطنٍ عادى هدد كل فرد أنْ يَأمَنَ على بيتِه وعلى أولادِه ذاهبينَ إلى المدرسةِ أو عائدينَ منها، وعلى أهلِه وجيرانِه، ثم على مُقدَّرات وطَنِه التى تتعرَّضُ للخطرِ الشَّديد".
الطيب قال "وإنِّى لأَعتَرِفُ بأنَّنا نُواجِهُ موقفًا كذلك الذى دفَع حافظ إبراهيم رحمه الله أن يقول على لسان مصر التى تتحدث عن نفسها: "نحنُ نَجتازُ مَوْقفًا تَعْثُرُ الآرَاءُ ... فيهِ، وَعَثْرَةُ الرأى تٌرْدِي.. نظَرَ اللهُ لى فأَرْشَدَ أبنائِى ... فشَدُّوا للعُلا أى شدِّ"
طالب الطيب الحضور بأربعة مطالب: أولاً: الالتزام بقَداسة وصِيانة حُرمات الدماء والأموال والأعراض فرديَّةً أو اجتماعيَّةً كانت هذه الدماء.
ثانيًا: إذا كان التنوُّع والتعدُّد والاختلاف فى الفكر والسياسة، هو سُنَّة الله التى لا تبديلَ لها ولا تحويل، يُمثِّلُ الضَّمانةَ ضدَّ الانفراد بالقَرار الذى يُؤسِّسُ للاستبدادِ، فإنَّ واجب تيَّارات الفكر والسياسة فى بلادنا الالتزام بتوظيف التعدُّديةَّ والاختلاف، وسِلميَّة التنافُس على السُّلطة وسِلميَّة التَّداوُل لهذه السُّلطة، مع إعلان التحريم والتجريم لكلِّ ألوان العُنف والإكراه لتَحقِيق الأفكار والمطالب والسِّياسات.
ثالثاً: دعوةِ كلِّ المنابر الدِّينيَّة والفكريَّة والثقافيَّة والإعلاميَّة إلى نبْذ كلِّ ما يتَّصل بلُغة العنف فى حلِّ المشكلات، مع قِيام كلِّ هذه المنابر بحملةٍ مُنظَّمة لإعادة الحياة الفكريَّة والسياسيَّة إلى النَّهج السلمى الذى امتازَتْ به ثورة هذا الشعب العظيم.
رابعًا: جعل الحوار الوطنى الذى تُشارك فيه كلُّ مُكوِّنات المجتمع المصرى دون أى إقصاءٍ هو الوسيلة الوحيدة لحلِّ أيَّة إشكالات أو خِلافات.. فالحوار هو السبيلُ إلى التعارُفِ والتعايُشِ والتعاوُنِ على إنهاض هذا الوطنِ؛ ليُحقِّق طموحات سائر المواطنين.
أنهى كلمته قائلا "إنَّ العملَ السياسى لا علاقةَ له بالعُنفِ والتخريبِ، سلامتَنا جميعًا ومصيرَ وطنِنا مُعلَّقٌ باحترامِ القانونِ وسيادتِه، وتلك مسئوليَّةُ الجميعِ حُكَّامًا ومحكومين، ومن ثَمَّ فلا ينبغى أنْ نتردَّدَ فى نَبْذِ العُنفِ وإدانتِه الصَّريحةِ القاطعةِ من أى مصدرٍ كان، وتجريمِه وطنيًّا وتحريمِه دِينيًّا، ولا يجوزُ مُطلَقًا التحريضُ على العُنفِ، أو السُّكوتُ عليه، أو تبريرُه أو التَّرويجُ له، أو الدِّفاعُ عنه، أو استغلالُه بأى صورةٍ، وأمرانِ آخَرانِ أكَّدَتْهما هذه الوثيقةُ : الأولُ : حمايةُ النَّسيجِ الوطنى من أى تهديدٍ، ومن أى اختِراقٍ أجنبى غيرِ قانونى، وإدانةُ المجموعاتِ المسلَّحةِ الخارجةِ عن القانونِ أيًّا كانت. والآخر والأخير: هو حمايةُ الدولةِ المصريةِ، لأنَّها أيُّها السَّادةُ رأسُ مالِنا الوطنى جميعًا، لا ينبغى أنْ نسمَحَ بتَبدِيدِه أو تَفكِيكِه أو العَبَثِ به بأيَّةِ صُورةٍ من الصُّوَرِ، فساعَتَها لا قَدَّرَ اللهُ لن يَبقَى فى الساحةِ إلا الشَّيْطانُ.