لن تمر هذه الأيام بسهولة.. فما زال الثوار يؤكدون ثورتهم التى شاركوا فيها.. ولن يسمح التاريخ للإخوان أو غيرهم بكتابة يوميات الثورة على طريقتهم.. بأنهم الثوار.. وغيرهم الفلول.
وقد شارك فى هذه الثورة الملايين ما زالوا أحياء.. ورأوا ما كان عليه النظام السابق.. ورأوا أيام الثورة.. ويرون الآن ما يفعله الإخوان.
ومن يوميات الثورة ما كتبته فى هذا المكان من قبل عن الأيام الأولى للثورة التى كنت مشاركًا فيها، ولعل نشره مرة أخرى يتوافق مع أجواء الثورة.
25 يناير
كأن كل الأسباب تؤدى إلى الثورة، 30 سنة من الاستبداد والطغيان، 30 سنة من الفساد والاستيلاء على المال العام، 30 سنة من تزوير الانتخابات وإرادة الناس، 30 سنة من القهر والفقر، 30 سنة من الطوارئ، 30 سنة من الترويج لتوريث السلطة، وكأن الناس قد كُتب عليهم أن يحكمهم مبارك وأبناؤه إلى الأبد! كانت تونس تموج بثورة، وخرج الناس فى الشارع وتحدّوا وزارة الداخلية هناك، وبدؤوا، من كل الطوائف، فى التظاهر ضد استبداد بن على وأسرة زوجته ليلى الطرابلسى. رفعوا شعار «إذا الشعب يومًا أراد الحياة.. فلا بد أن يستجيب القدر».. وينجح التوانسة فى خلع بن علِى الذى طبق على صدورهم 23 عامًا من الاستبداد والفساد والطغيان والحكم الحديدى.. ويهرب بن علِى يوم الجمعة 14يناير، ويظل فى طائرته فى السماء لا يجد ملاذًا آمنًا، لتكون السعودية مصيره فى النهاية.. فكانت الإجابة هى تونس.. وبدأت الدعوة إلى مظاهرات 25 يناير، التى تُقام كل عام منذ سنوات، ضد التعذيب فى يوم احتفال وزارة الداخلية بعيد الشرطة. لكن هذه المرة اشتعل الموقف، وكانت ثورة تونس ملهمة للشباب الذين بدؤوا ينشطون على «فيسبوك» ومواقع الإنترنت، والدعوة إلى التظاهر يوم 25 تحت شعار «فَعَلتها تونس» وبدأت على صفحات «فيسبوك» وبخاصة صفحة «كلنا خالد سعيد» وصفحات حركة «6 أبريل» الدعوة إلى جعل يوم 25 يناير يومًا للثورة على التعذيب والفقر والفساد والبطالة. وعلى الرغم من استهجان البعض ممن دخلوا فى حوارات على «فيسبوك» من تحديد يوم للثورة، فإن هؤلاء شاركوا فى الثورة بعد أن رأوا العدد الكبير الذى نزل إلى الشارع يوم 25 يناير. وبدأ رجال النظام والموالسون له ومروّجو التوريث فى الدفاع عن مبارك ونظامه بالتزامن مع الدعوة المضادة التى أطلقها الحزب الوطنى المنحل لعدم الاستجابة إلى التظاهر عبر صفحات على «فيسبوك»: «لا لثورة 25 يناير.. لا لتخريب مصر»، والغريب فى الأمر أن نفس الدعوة تبناها حزب الوفد ورئيس تحرير جريدة «الوفد» وقتئذ أسامة هيكل، يوم 24 يناير، بكتابة مقال بنفس المعنى، بأنه يوم 25 يناير يوم الاحتفال بعيد الشرطة لا يمكن أبدًا أن يكون يومًا للتظاهر.. ومع هذا تمت مكافأته بتعيينه وزيرًا للإعلام فى حكومة الثورة. وكان السيد البدوى رئيس حزب الوفد قد اشترى جريدة «الدستور» مع تابعه رضا إدوارد، ورغم أنه ادّعى كثيرًا أن الصحيفة ستظل على موقفها من معارضتها للنظام واستبداده وضد التوريث، فإنه عاد وقدَّم الجريدة هدية إلى النظام بتغيير إدارة التحرير وسياستها، ليحافظ الرجل على مصالحه الشخصية وبزنسه الذى توسّع من الأدوية إلى المحطات الفضائية، لنصبح متفرغين للثورة بعد أن احتفظنا بموقع «الدستور الأصلى» الذى شارك فى التحريض على الثورة وخروج الناس يوم 25 يناير ضد الطغيان والفساد، ومن أجل الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية وضد النظام الحاكم ومعارضته الموالسة التى تسعى دائمًا إلى مصالحها الخاصة على حساب أى شىء، فكان يوم 25 يناير.. ليخرج الناس إلى الشوارع.. ويكون الشعار من البداية «يسقط يسقط حسنى مبارك»، و«الشعب يريد إسقاط النظام»، وتتحرك الجماهير من كل شارع فى حالة استجابة كبيرة إلى الدعوة للثورة، وخرج الناس من المناطق والشوارع الشعبية.. ولم تسلم صور حسنى مبارك المعلقة فى الميادين من التمزيق.. فقد كانت الثورة.. ونزل إلى الشوارع كل الفئات بمن فيهم الذين كانوا يسخرون من دعوات ثورة 25 يناير باعتبارها ثورة محددة باليوم.. ليهتف الجميع «الشعب يريد إسقاط النظام»، وتحرَّك الناس فى نهاية اليوم إلى ميدان التحرير آتين من الشوارع والمناطق المختلفة ليسيطر الشعب على الميدان.. وليبدأ النظام فى التوتر وفقدان الأعصاب ويرسل قواته إلى الميدان لضرب المتظاهرين واعتقال مَن يستطيع.. لكن الثورة قامت.. ولم يكن الأمر فى ميدان التحرير.. بل كانت المظاهرات فى كل مصر.. لكن فى السويس كان لها شأن آخر