ترددت كثيرا هذه التعبيرات في الفترة السابقة: الفيلم المسيئ، الصور المسيئة، الرسوم المسيئة، الكتاب المسيئ، كلها عُني بها الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.. رواية إنجليزية، فيلم هولندي، فيلم أمريكي، تمويل يهودي، أحقاد على الإسلام ونبي الإسلام، كلها سمعنا عنها من وراء البحار، وأتساءل.. ألسنا نمارس في حياتنا من الأعمال والتصرفات ما يسيئ إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ أليس في سلوكياتنا عشرات المظاهر مما يسيئ للرسول ؟ ألا يسيئ للرسول أن تصبح عاصمة بلادنا المسلمة ذات المائة ألف مسجد؛ أكثر بلاد العالم تلوثا؛ هواء وماء وضوضاء ؟
ألا يسيئ للرسول فوضى المرور وأكوام الزبالة وانعدام النظام ؟
ألا يسيئ للرسول استشراء الواسطة والمحسوبية، وانتشار الرشوة والفساد ؟ ألا يسيئ للرسول أن يصبح سب الدين وجرح الأمهات والشتائم والسباب واللعنات؛ على ألسنة الناس أسلوب حياة ؟ ألا يسيئ للرسول الخوض في الأعراض والسب والقذف والفتيا بغير علم على الفضائيات ليل نهار ؟
ألا يسيئ للرسول أن يؤخذ من الدين المظهر والملبس واللحية و(علامة الصلاة)، بينما ترك منه (الدين المعاملة)، و(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) - النحل 125 ؟
ألا يسيئ للرسول أن يخرج على الناس متحدثون يفتون بإرضاع الكبير، وآخرون ينسبون للرسول ذي الخُلق العظيم أنه كان يسب المشركين ؟ وينسبون لصاحبه أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه أنه كان يسب الكفار بأقذع الشتائم وأحطها، وينسبون للصحابة الكرام أنهم كانوا يتوضؤون ببول الرسول ؟ ألا يسيئ للرسول أن يكون في مصر ملايين العوانس، بينما يفتي البعض بجواز تزويج الطفلة دون العاشرة، ما دامت تطيق العشرة الجنسية ؟ ألا يسيئ للرسول أن يعيش 40 ٪ ممن يتبعونه في أرض الكنانة تحت خط الفقر، يطحنهم الجهل والمرض، والحاجة والفاقة ؟
ألا يسيئ للرسول أن تُحاصَر غزة، ومليون ونصف المليون من أتباعه بها، والباقون واقفون يتفرجون ؟
ألا يسيئ للرسول أن يذبح الشعب السوري على مرأى ومسمع من العالم كله ؟ ألا يسيئ للرسول أن يهجم الشتاء بعواصفه الثلجية على مئات آلاف اللاجئين السوريين في مخيماتهم على حدود بلادهم، وفي قراهم ومدنهم المُهدّمة، ويقف حكام الدول العربية الإسلامية يتفرجون ويشجبون ويدينون ؟ ألا يسيئ للرسول أن يموت سكان جنوب الصحراء الأفريقية جوعا وعطشا وملاريا وإيدز، بينما يرفل مسلمون آخرون في النعمة والترف والبذخ إلى حدّ السفه ؟ ألا يسيئ للرسول أن تصبح دولة الإسلام التي تركها على المحجّة البيضاء، سبعا وخمسين دولة ودويلة، تنهش فيها من ضعفها وهوانها أمم الأرض ؟ ألا يسيئ للرسول أن تصبح أمته في ذيل الأمم، والمؤمنون به عُرفوا في العالم بتخلفهم ؟
ألا يسيئ للرسول أن تُهرَّب أموال بلاد المؤمنين به لتودع في بنوك أعدائهم، ولا تستثمر في عمران البلاد وتشغيل العباد ؟
ألا يسيئ للرسول أن تكون بلادنا مستهلِكة مستورِدة معتمدة على الغير، لا تزرع ولا تصنع ولا تخترع ولا تتطور ولا تسهم في تقدم الحضارة ؟ ألا يسيئ للرسول أن يغرق زهرة شباب بلادنا في قوارب الموت، بعد أن فضلوا المغامرة بحياتهم بالهجرة عبر البحر، على البقاء في بلادهم ؟ ألا يسيئ للرسول خضوعنا وخنوعنا وتسليم قيادنا لأعدائنا، وألا نزرع طعامنا، ولا نصنع سلاحنا ؟
ألا يسيئ للرسول أن يصبح أتباعه المسلمون؛ كثرة ولكن كغثاء السيل، لا تفيد ولا تغني ولا تسمن من جوع ؟
كل ما ذكرت وكثير غيره، يسيئ للرسول صلى الله عليه وسلم إساءة أكثر وأقبح وأشد، من فيلم لم يكن ليشاهده أحد، أو كتاب لم يكن ليقرأه أحد، لولا هبلنا واندفاع إعلامنا وتصدُّره في (الهايفة)، وبدلا من أن يركز ويناقش سلبياتنا المسيئة فعلا للرسول الكريم؛ تداول الأخبار التي أدت إلى شهرة مؤلفي الكتب ومخرجي الأفلام ورسامي الكاريكاتور، ولا زلنا نحن نعيش ذات الظروف المسيئة للرسول، بنفس الممارسات المسيئة للرسول.
الكريم المُكرّم صلى الله عليه وسلم.. واسلمي يا مصر.