«الفواتير» كما يقولها المستقرون فى أحيائهم منذ مئات الأعوام، أو «العوائد» كما تقولها الجماهير المتراكمة فوق بعضها ب«العشوئيات»، هى إحدى الترجمات الأصيلة للأوضاع الاقتصادية فى مصر بعيدا عن مؤشرات البورصة وتقارير الخبراء وخطابات الرئيس، فبرغم تأكيدات وزير المالية ممتاز السعيد أنه لا زيادة فى ضريبة الدمغة على استهلاك المياه والكهرباء والغاز للمنازل فإن المخاوف الحقيقية لدى المصريين من أن يدفعوا وحدهم ثمن أى تدهور. خصوصا في ظل الحديث الدائم عن ارتفاع فاتورة «الدعم» بشكل يثقل كاهل الدولة، وإلى أن تتضح الصورة ستبقى «الفواتير» رقما هاما فى حياة كل أسرة مصرية.. «كهربا.. غاز.. مياه».. هكذا ببساطة.. يقف لينادى المحصّل بداية كل شهر.. ومن ثمّ تخرج عشرات القصص عن حالات الفقر والعوز داخل بيوت الغلابة. 1- فاتورة الكهرباء.. ولوازمها «النور بينقطع عندكم كام ساعة؟».. برغم أن هذا هو السؤال الأشهر على ألسنة المصريين فى الصيفين الماضيين فإن هذا لم ينعكس بشكل حقيقى على قيمة الفواتير، فالأرقام النهائية تؤكد أن ما يتم تحصيله فى ازدياد رغم الاختلاف البسيط فى الاستهلاك، فوفقا لأوراق إغلاق الموازنة لمحافظة القاهرة يونيو 2011، فإن متوسط ما يتم تحصيله شهريا من سكان أحياء القاهرة عن فواتير الكهرباء يصل إلى 200 مليون جنيه وذلك من نحو 4 ملايين أسرة بينما يصل الرقم فى محافظة الجيزة إلى 50 مليون جنيه يتم تحصيلها من مليون أسرة، وإذا تم تعميم هذا المتوسط على سكان جمهورية مصر العربية فإن هذا يعنى أن ما يتم تحصيله شهريا من نحو 14 مليون أسرة يصل إلى نصف مليار جنيه.
إلا أن النزول بهذه الأرقام على الأرض ومقارنتها بحجم الاستهلاك يكشف أنه لا تناسب بين ما هو مُعلن عن حجم الاستهلاك وما يتم دفعه سواء عاد ذلك إلى طريقة تقسيم «التعريقة» أو إلى طريقة التحصيل، ونبدأ بقيمة التعريفة وهى التى وضعتها الحكومة فى نوفمبر 2010 ووفقا لها، فهناك ست شرائح يتم من خلالها حساب قيمة فاتورة الكهرباء، الشريحة الأولى التى لا يزيد استهلاكها على 50 ك.س تدفع شهريا 2.50 حيث يتم حساب سعر الكيلووات ب5 قروش أما الثانية الخاصة بالاستهلاك (50 - 200) فقيمة الفاتورة 19 جنيها، الثالثة (200 - 350) فتصل إلى 43 جنيها، أما الرابعة (350 - 650) فترتفع التكلفة إلى 115 جنيها مرة واحدة حيث يتم حساب ثمن الكيلووات الواحد ب24 قرشا والخامسة (650 - 1000) فتصل قيمة الفاتورة إلى 250 جنيها أما الشريحة السادسة والأخيرة التى تزيد على 1000 ك.س شهريا فتصل إلى 731 جنيها حيث يقارب سعر الكيلووات الواحد 50 قرشا.
الفواتير من البيوت تحول هذه الأرقام إلى شىء آخر ملموس يشكى ويحكى، تقول آمال عرابى من محافظة الإسماعيلية: «أعيش أنا وزوجى فقط واستهلاكنا فى شهر نوفمبر الماضى جاء أقل من 10 ك.وات لعدم وجودنا أغلب الوقت بالمنزل وبرغم هذا دفعنا 25 جنيها» وهو ما يعنى أنه تم ربطهم على الشريحة الثانية وأضيف إليها 6 جنيهات رسوم نظافة!، فى حين تأتى الحسبة بصورة ملائمة فى أماكن أخرى مثل الجيزة، فتُظهر فاتورة لممدوح عبد الرحيم من حى العمرانية بالجيزة أنه فى شهر أكتوبر 2012 تم تسجيل استهلاك حجمه 330 كيلووات فدفع 45 جنيها، وهو ما يعنى أنه بالفعل دفع ما تنص عليه التعريفة للشريحة الثالثة مضافا إليها 3 جنيهات نظافة إلا أن الرقم يبقى مرتفعا مقارنة بفاتورة نفس الشهر فى الأعوام الماضية حيث أكد والده أنها لم تكن لتزيد، قبل وضع التعريفة الجديدة، عن 25 جنيها فى الشهر، المشكلة الأكبر بالتأكيد، والأكثر شيوعا، هى المتعلقة بالشريحة الرابعة التى تقع تحتها أغلب الأسر المصرية التى ينحسر استهلاكها ما بين 350 و600 ك.
وات شهريا فيتم حساب سعر الكيلووات الواحد لها ب24 قرشا بدلا من 5 قروش بالشريحة الأولى أى 5 أضعاف تقريبا وهو ما يجعل الفاتورة تزيد على 115جنيها حتى لو كان الاستهلاك هو 351 كيلووات فقط، وهو ما دفع أعدادًا جديدة من المصريين للانضمام لقافلة عدم مسددى فواتير الكهرباء. يقول محمد فهمى عامل من سوهاج: راتبى الشهرى 450 جنيها، وفاتورة الكهرباء هذا الشهر 128 جنيها وأسرتى 5 أفراد فكيف أقوم بسداد فاتورة الكهرباء التى ارتفعت أضعافا فى الشهور السابقة، وتقول ربة منزل «أم على» من منطقة صفط اللبن بالجيزة زوجى عامل فى مديرية الصرف الصحى بالمحافظة منذ 18 عاما، ودخلنا كله لا يزيد على 600 جنيه فكيف أدفع شهريا نحو 45 جنيها كهرباء فقط وأكمل مصاريفى طوال الشهر وماذا لو زاد الاستهلاك فى شهر هل أدفع 125 جنيها كما يحدث لبعض الجيران، مشكلة أخرى تتعلق بمن لا يملكون عدادا حديثا أو لا يوجدون فى منازلهم خلال مرحلة القراءة، يقول حسين أبو العلا من سكان منطقة الجيزة إنه دفع فى شهر واحد 120 جنيها كهرباء رغم أنه لا يملك تكييفا، وقد كانت هذه أعلى قراءة، وجاءته برغم سفره لمدة 10 أيام فى مصيف، وإزاء هذه الأرقام، التى يعيش الملايين فى رعب خشية أى زيادات بها فى الفترة المقبلة، فقد انتعشت سوق أخرى خاصة بأجهزة ترشيد الاستهلاك أو أجهزة تحسين معامل القدرة الكهربية التى يتم الترويج لكونها توفر 35% من قيمة الفاتورة وتترواح أسعار هذه الأجهزة ما بين 250 و400 جنيه وجميعها بالتأكيد إنتاج غير مصرى.
الإنتاج المصرى الوحيد فى هذا المجال هو الحملات الواسعة التى تم تنظيمها خلال العامين الماضيين وتطالب بعدم السداد فى ضوء الاستمرار فى تنفيذ سياسة إضافة رسوم النظافة على فاتورة الكهرباء رغم صدور حكم قضائى فى 2004 يمنع ذلك، فيقول محافظ الجيزة على عبد الرحمن، إن 40% تقريبا من سكان الجيزة يمتنعون عن دفع الفاتورة بسبب رسوم النظافة، وقال إن ما يتم تحصيله من رسوم للنظافة من المحافظة يصل إلى 4.5 مليون شهريا إلا أن الرفض هو أمر طبيعى خصوصا فى ظل استمرار الزيادات فى قيمة رسوم النظافة من شهر إلى آخر فبرغم تقسيمها إلى ثلاث فئات حسب المستوى المعيشى لكل منطقة لتكون 3، 6، 9 جنيهات فقد لاحظ الأهالى زيادتها 2 جنيه لكل فئة بالأشهر الثلاثة الأخيرة. 2- فواتير الغاز.. زيادات فى الطريق حملات ناجحة نظمتها لجان شعيبة خلال الأعوام الخمسة الماضية تطالب بالامتناع عن دفع قيمة فواتير الغاز طالما تتم إضافة مصاريف إدارية شهرية يتحملها المواطن دون وجه حق بدلا من شركات القطاع الخاص التى حصلت وفق اتفاق مطعون عليه أمام القضاء، على أحقية توصيل الغاز للمنازل وفق المشروع القومى لإحلال الغاز الطبيعى فى 2005، الواقع على الأرض الآن يشير كما يؤكد عدد من محصلى شركة «بتروتريد» لل«الدستور الأصلي » أنه تم التحايل على هذه النقطة بدمج الاستهلاك إلى المصاريف الإدارية دون تفنيدها بالفاتورة فى حين أكد سيف عبد اللاه، منسق حملة لا لدفع فواتير الغاز بإمبابة، أن هناك منازل مغلقة ارتفعت قيمة الفاتورة بها من 2 إلى 6 جنيهات وهو ما يعنى زيادة غير مرئية أو معلن عنها بالمصاريف الإدارية.
وبرغم هذه الانتقادات فإن فاتورة الغاز فى أغلب محافظات مصر لا تزيد على 15 جنيها شهريا وهو ما يتوافق مع التسعيرة المعمول بها حتى الآن، وهى 10 قروش لكل متر مكعب بال30 مترا الأولى و20 قرشا لل30 مترا الثانية، و30 قرشا لل30 مترا الثالثة، وهو ما دفع وزير المالية للتأكيد أن الضريبة الجديدة قد تشمل فقط رفع قيمة الدمغة على كل متر مكعب غاز طبيعى بقيمة قرش واحد إلا أن التكلفة الحقيقية التى يشتكى منها المواطنون فى ما يخص الغاز الطبيعى لا تتعلق بالفواتير مباشرة ولكن تتعلق بتكلفة توصيل الغاز التى تتراوح ما بين 1800 و3400 جنيه حيث تكتفى شركات القطاع الخاص بعمل التوصيلات الرئيسية للمنطقة فى حين يتحمل الواطن التوصيلة الفرعية والتى تزيد تكلفتها كلما زدات تعقيد التركيبة السكانية خصوصا فى المناطق الشعبية مما يدفع كثيرا من الأسر إلى عدم تركيب الغاز الطبيعى رغم وصوله إلى منطقتهم السكنية، يقول رمضان أبو الوفا من حى العرايشية بالإسماعيلية: أتحمل شراء أنبوبتى بوتاجاز شهريا قد يصل سعرهما إلى 30 جنيها وبرغم رخص الغاز الطبيعى فإننى لا أتمكن من توفير المبلغ المطلوب من أجل تركيب الوصلة.
وكانت دراسة دكتوراه أعدها الباحث باقتصاديات البترول بالشركة القابضة للغازات أيمن جاهين قد تناولت دور القطاع الخاص فى ارتفاع تكلفة توصيل الغاز للمواطن المصرى وأشار فيها إلى أن هناك عدم توازن بين أطراف التعاقد حيث يلتزم قطاع البترول وفق هذه الاتفاقات بضمان حصول شركات التوزيع على معدل عائد داخلى على استثماراتها 18% كحد أدنى ودون سقف لهذا العائد كما يتم تحميل العميل المنزلى الجزء الأكبر من أعباء التوصيل وبهذا لم يعد التوسع متوقفا على رغبة الحكومة بل أصبح متوقفا على مدى استعداد العميل، وأشار إلى أن تكلفة توصيل 440 ألف وحدة سكنية بالغاز فى العام الأول للمشروع نحو 2 مليار جنيه بخلاف عمولة التوزيع البالغة 3.4 مليار جنيه، بينما علق الخبير القانونى إبراهيم زهران قائلا: إن هذا الوضع غير قانوى وتجب مقاومته مشيرا إلى أن القانون رقم 20 لسنة 1997 يلزم الهيئة العامة للبترول بتوفير وتوصيل الغاز للمستهلك سواء القطاع الخاص أو العام دون أى ذكر أو تحديد للرسوم التى يتحملها المواطن مع أن ذلك حق أصيل له لدى الدولة. 3- فاتورة المياه دون دعم برغم التأكيدات الأخيرة لوزير المالية عن عدم وجود زيادات فإنه منذ وصول المهندس عبد القوى خليفة، الرئيس السابق للشركة القابضة للمياه لفترة زمنية تزيد على 15 عاما، إلى وزارة المرافق ضمن حكومة هشام قنديل فالحديث لا يتوقف عن ضرورة زيادة «تسعيرة» المياه، حيث قال: هناك عجز مالى كامل يعانى منه مرفق المياه بسبب عدم حصوله على الدعم المقرر له من الدولة، منذ نحو عام كامل ويقدر بنحو 18 مليون جنيه، وأشار إلى أن المتر مكعب الواحد من المياه الذى يحصل عليه المواطن ب50 قرشا يكلف الدولة 2 جنيه تدعمه الدولة ب750 مليون جنيه سنويا فى حين تتحمل الشركة القابضة عجزا يصل إلى 5 مليارات جنيه، وأن هذه التكلفة يجب أن يتم سدادها فإما أن تتحملها الحكومة بالكامل، أو تتم زيادة التعريفة على المواطن.
الفارق بين التسعيرة الحالية والمقترحة هو أن الأولى، السارية حتى الآن، هو جنيه ونص للعشرين مترا الأولى وبعد ذلك المتر ب3 جنيهات أما ما يقترحه المشروع الجديد فهو تقسيم الاستهلاك إلى خمسة شرائح، الأولى من صفر حتى 10 أمتار والثانية حتى 20 مترا فتزيد قيمة التحصيل 20% والثالثة حتى 30 مترا فتزيد 30% والرابعة حتى 40 مترا فتزيد 40% والخامسة أكثر من 40 مترا فتزيد 50%، ووفق إحصاءات الجهاز التنظيمى وحماية المستهلك بالوزارة فإن أغلب الأسر المصرية تندرج تحت الشريحة الثالثة عدا محافظتى القاهرة والإسكندرية.
هذه الأرقام على الأرض تقول إنه بالفعل تتحمل أغلب الأسر المصرية مبالغ محدودة فتشير ربة منزل هدى على «شريحة متوسطة» من منطقة كوبرى القبة بالقاهرة إلى أنها تدفع كل شهرين ما بين 15 و20 جنيها، إلا أن هناك شهورا يزيد فيها الاستهلاك، خصوصا فى الصيف فتصل قيمة الفاتورة كل شهرين إلى 25 - 30 جنيها، أما قيمة الاستهلاك فيتم تسجيلها ما بين 23 و33 مترا مكعبا بينما يقول تامر وجدى من منطقة صفط اللبن بالجيزة إنهم يدفعون كل شهرين ما بين 10 و15 جنيها لكنه أشار فى نفس الوقت إلى أن أغلب المنازل فى منطقة صفط اللبن وغيرها من العشوائيات تصل إليها المياه عن طريق وصلات فرعية دون وجود «عداد»، وبرغم معقولية الأرقام فإن مشكلة أخرى هامة تتعلق بفواتير المياه وهى «التقديرات الجزافية» وهى السبب وفق إحصاءات جهاز تنظيم وحماية المستهلك بوزارة المرافق عن احتلال شكاوى دفع الفاتورة نسبة 40% شهريا من حجم الشكاوى التى تصل إليهم.
فيشير مركز «هموم» الحقوقى إلى أمثلة مختلفة رصدها من مناطق متباينة منها فاتورة جودة حسنى من قرية إنشاص الرمل ببلبيس حيث جاءته فاتورة شهر سبتمبر 2012 ب24.5 جنيه عن 51 مترا، علما بأن قارئ العداد لم يأت إلى البلدة منذ سنتين أو ثلاث وأن هذا المنزل مغلق أغلب الوقت ويستخدمه فرد واحد لفترة محدودة بالسنة، ومن إنشاص لمدينة الشروق بالقاهرة فقال صاحب إحدى الفيلات بالمجاورة 7: قمت بالبناء على مساحة مبانى 180م مربعا من أصل القطعه 316م مربعا وانتهت أعمال البناء فى 8 /2011 وحصلت على المياه اللازمة بعداد وتعامل قانونى مع جهاز مدينة الشروق برقم مشترك 35494، المنطقة رقم 4155 قطاع شمال وشرق فرع الشروق وسددت فواتير بنحو 1500 جنيه عند قراءة العداد باستهلاك 518م مكعبا، بعد ذلك ومع انتشار أعمال السرقة فى المكان توقفت عن البناء قمت بفك العداد إلا أننى فوجئت بعد عودتى فى 9 /2012 بفواتير استهلاك وهمية تصلنى دون استخدامى للمكان، وإن كان هذا يحدث فى الشروق لأماكن متفرقة فهو يسرِ على كل مستفيدى مشروع «إبنى بيتك» ب6 أكتوبر كما يقول رئيس جمعية المستفيدين أسامة مصطفى مشيرا إلى أن تقديرات وهمية تصل إليهم برغم عدم قدرة أغلبهم على السكن بالمشروع لغياب الأمن.