اللوحات السوداء هي مجموعة من اللوحات رسمها الفنان الإسباني فرانسيسكو دي جويا في نهاية حياته في الفترة بين عامي 1819 و1823 على جدران منزله المُسمى ب"منزل الرجل الأصم"، ويبلغ عددها 14 لوحة، وتعكس نظرة جويا إلى العالم وخوفه من الجنون. تُعدّ هذه اللوحات الأكثر كآبة وقتامة في تاريخ الفن، وقد استخدم جويا الألوان الزيتية لرسمها على جدران غرفتي الطعام والجلوس في منزله، واحتوت الرسومات على مواضيع خيالية كئيبة. ويعتقد بعض النقاد أن السبب وراء رسم جويا لتلك اللوحات هو إحساسه بحالة الهلع التي أصابته نتيجة للصمم الذي أصيب به حينما بلغ من العمر 46 عاما، إلى جانب الظروف السياسية المعاصرة له في ذلك الوقت من الحروب النابوليونية والإضرابات الداخلية في المجتمع الإسباني التي تلت سقوط الحكومة في إسبانيا. لم يرسم جويا تلك اللوحات بتكليف من أحد، وقال النقاد عنه إنه لم يكن ينوي عمل معرض خاص لها، ولكنه رسمها لنفسه في الأساس، ولم يطلق جويا أي أسماء على لوحاته السوداء، لذلك تمت تسمية مجموعة اللوحات بواسطة المؤرخين الفنيين. يُذكر أن الفنان الإسباني فرانسيسكو دي جويا (1746- 1828) يعتبر آخر أساتذة المدرسة القديمة في الرسم، وأول المحدّثين أيضا، وقد كان الرسام الرسمي لملك إسبانيا ومؤرخ أخبار التاريخ، وأثّرت أعماله وطريقة تعامله مع الألوان على أعمال أجيال متعددة من الفنانين الذين جاءوا بعده، خصوصا مانيه وبيكاسو. وقد تأثر جويا كثيرا حينما احتلت القوات الفرنسية إسبانيا أثناء الحروب النابليونية، فرسم مجموعة من اللوحات التي تُعرف الآن بلوحات كوارث الحرب، وهي مجموعة من 80 لوحة تصور بشاعة الحرب وقسوتها. حينها اشتعلت الحرب في الشوارع بين المحتلين وقوات المقاومة، وحدثت العديد من المذابح الدموية، وصارت رائحة الموت في كل مكان، وعرفت هذه الحرب باسم حرب "شبه الجزيرة" واستمرت لمدة 6 سنوات، وذلك أثّر على جويا بالسلب وجعله يميل إلى التشاؤم والسوداوية، وأصبح حزينا وكئيبا جدا لأنه رأى بلده يتهاوى ويتحول إلى خراب. وحينما بلغ جويا الثانية والسبعين، انتقل إلى منزل خارج مدريد لينعزل فيه وحده، وكان قد أصبح أصم وعصبيا جدا، وقد زادت الحرب التي مرّت بها إسبانيا من حالته النفسية سوءا، حيث رأى فيها الخوف والذعر والقلق والأرق وصارت تنتابه نوبات من الهيستيريا حيث كان يعيش وحيدا في المنزل مع مخاوفه وصممه. وقد أبدع جويا 14 لوحة مفزعة أصبحت تعرف في العصر الحالي ب"اللوحات السوداء" هم: "زحل يلتهم ابنه"، "سبت الساحرات"، "رجل أصم"، "قتال بالهراوات"، "عجوزان يتناولان الحساء"، "رؤية رائعة/ أزموديا"، "رحلة إلى سان إيسيدرو"، "الكلب"، "رجال يقرأون"، "أتروبوس"، "جوديث وهولوفيرنس"، "نساء يضحكن"، "موكب المكتب المقدس"، "ليوساديا". ولعل أشهر هذه اللوحات كانت لوحة بعنوان "زحل يلتهم ابنه"، والتي تصوّر الإله الروماني زحل وهو يلتهم ابنه لأنه علم بنبوءة تقول إن أحد أبنائه سيهزمه، وقد ظهر إبداع جويا في تصوير وحشية الموقف، ورسمه على خلفية سوداء مقبضة. ونجد في اللوحة أن رأس ابن زحل وأطرافه مخلوعة والدم يغطي مكانها، وعينا زحل بارزتان إلى الخارج في إشارة إلى إصابته بالجنون، وأصابعه الصلبة مغروزة في لحم ابنه، ولا توجد حركة بجسم الولد للإيحاء بأنه قد مات فعليا، وتشير هذه اللوحة إلى الاضطرابات الأهلية التي كانت تسود إسبانيا في ذلك الوقت، حيث كان جويا يقصد أن إسبانيا تأكل أبناءها كما فعل زحل. وهناك لوحة "سبت الساحرات" وهي لوحة يعتبرها البعض نذير شؤم، حيث تشير إلى الاعتقاد القديم بأن يوم السبت كانت تخصصه الساحرات للاجتماع بالشيطان الذي يظهر لهم على شكل جدي. وعن لوحة "رجل أصم" فهي تصور رجلا كبيرا في السن، وهناك مخلوق قبيح يبدو كالمسخ يصرخ في أذنه، وقد كان جويا يصوّر نفسه في هذه اللوحة، ولا يبدو على الرجل علامات أنه يسمع شيئا بالرغم من صراخ المخلوق الملاصق له. أما لوحة "القتال بالهراوات" فقد أبرزت براعة جويا في مزج ظلال مختلفة من اللونين الأحمر والأزرق، ويظهر في اللوحة رجلان يتشاجران بالهراوات في أحد السهول، ولا يبدو أن هناك أي فرصة لأي منهما للخلاص من الآخر، لأن قدمي كل منهما مغروزتين في الوحل، ويبدو عليهما أنهما بسطاء يلبسان ملابس رثة، والمكان حولهما مقفر. وعن لوحة "عجوزان يتناولان الحساء" فقد كانت هذه اللوحة مرسومة على جدار غرفة الطعام بمنزل جويا، وفيها يبدو أحد الرجلين كأنه هيكل عظمي بلا عينين. أما لوحة "رؤية رائعة/ أزموديا" فهي تمثل هذه اللوحة جِنّيَة تطير حاملة رجلا مذعورا، وفي الأسفل يدور قتال بين مجموعة من الجنود ومجموعة من الفرسان. وهناك لوحة "رحلة إلى سان إيسيدرو" التي كانت موضوعة على الجدار المقابل للوحة "سبت الساحرات" في منزل جويا. وأخيرا.. تُرى أي قدر من العذاب والألم كان يحمله جويا في صدره حتى تخرج لنا لوحاته بهذا الشكل؟ ونظرا لكونه كان يحمل روح الفنان داخله استطاع أن يخلد لنا عذابه واختزله في هذه اللوحات الكئيبة. فهل كنت عزيزي القارئ تعرف شيئا عن هذه اللوحات؟ وكيف أثّرت فيك حينما شاهدتها؟
اللوحات السوداء * دنيا الأدب اضغط على الصورة لمشاهدة الجاليري: