من جديد نعود لنسأل نفس السؤال: كيف نحمي المستقبل حقا بعد كل هذا الخراب؟ في الجزء الثاني من مقال تم نشره هنا لكن الخراب المرتبط هذه المرة بمعارضة لم تتفق على قلب رجل واحد، ولم تجمعها كلمة سواء، فحوت الصالح والطالح، والخوف كل الخوف من أن تفسد النوايا العطنة -وإن كانت قليلة- باقي النوايا الطيبة على كثرتها وتعددها، كقاعدة نقطة الحبر البسيطة التي تعكر كوبا كاملا من اللبن وتغير طعمه ولونه. ففي الوقت الذي يستعد فيه ملايين المصريين للاحتشاد السلمي ضد الرئيس محمد مرسي لمطالبته بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة بعد أن خذل توقعاتهم، وفشل بسياساته المرتبكة ورؤيته المعدومة في حل الأزمات المصرية التي تفاقمت في عهده، ستسير مع الركب طيور ظلامية، لا تختلف في ظلاميتها عن ظلام الإخوان وأصحاب الفكر المتطرف، وهؤلاء يمكنك تمييزهم بسهولة عن طريق النقاط الآتية: 1- الدعوة للقضاء على كل ما هو إخواني واستحلال دم الإخوان جميعا باعتبارهم خونة وعملاء وقتلة، وإعادة من سيبقى منهم إلى السجون مرة أخرى، وإقصاؤهم جميعا من الساحة السياسية بعد خلع مرسي، وكأننا لا نتعلم من أخطاء مبارك الذي أقصى معارضيه، ثم سار على نهجه مرسي، وها هم البعض يريدون السير على نفس النهج في سلسلة إقصائية لا تنتهي، وتؤكد استمرار الشحناء والبغضاء بين أطياف الشعب المتناحرة، وتحويله إلى فصائل متضادة، بشكل ينبئ بغرق البلاد في حمام دم تزهق فيه الأرواح بلا أدنى فائدة أو طائل، وأرى الصواب -في حال نجاح تظاهرات 30 يونيو- أن يتم تعديل الدستور بما يمنع أي خلط ديني بالسياسة وخدعة الناس باسم الرب، ووضع مبادئ فوق دستورية تحفظ الحريات العامة والهوية الثقافية والاجتماعية المصرية، وتكون غير قابلة للتغيير، وبعدها يسمح لأي طرف مصري أن يمارس العمل السياسي سواء كان إخوانيا أو سلفيا أو ليبراليا أو علمانيا أو اشتراكيا وما إلى غير ذلك، مع الحفاظ على الشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع. 2- المطالبة بعسكرة 30 يونيو وتبعياته، وإقحام الجيش من جديد في أتون السياسة بعد أن خرج منها خروجا آمنا بشكل أشبه بالمعجزة، وكأنهم نسوا أو تناسوا هتافات الأمس القريب "يسقط يسقط حكم العسكر" بعد أن كان "الجيش والشعب إيد واحدة"، بينما ما زال حلم الدولة المدنية العادلة هو المطلب العادل والسليم لغالبية المصريين، ليبقى الجيش كشريك أساسي في المعادلة المصرية دون أن يتسلم مقاليد أمور تنسيه دوره الأصلي في حماية الحدود والزود عن السيادة المصرية، وتخرجه عن نطاق اختصاصه، فضلا عن نقمة الكثيرين عن حصول بعض أصحاب الرتب وحملة السيوف والنسور على مميزات إضافية، تجعلهم فوق مصاف باقي البشر العاديين والبسطاء. 3- البكاء على الأطلال والترحم على أيام مبارك، والارتماء في أحضان ما بقي من نظامه ومحاولة إعادته من جديد للمشهد السياسي، وكأن ثورة لم تقم، وكأن خطايا وموبقات مرسي ونظامه أنستنا كوارث ومفاسد مبارك وحاشيته. 4- النافخون في النار من الإعلاميين والسياسيين، بنشر سلسلة من الشائعات والأكاذيب حتى يقودوا الشعب إلى مخطط معين، يقوم على استغلال البسطاء وأصحاب الفكر المحدود، كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها. ربما كان كلامي يبدو حالما أو رومانسيا، لكني لا أملك سوى رفاهية اختيار الطريق السلمي المشروع، لتحقيق أهداف الثورة المفقودة، دون أن أعيش ما بقي لي من عمر أنظر إلى يديّ الملطختين بالدماء، ومطارد من صوت الضمير الذي لا تسكّنه المهدئات والمسكنات الطبية على قتل شخص يعارضني في الانتماء والفكر، فكونوا على قدر المسئولية واجعلوا من 30 يونيو يوما قدريا مبهرا بالمعنى الإيجابي للإبهار، بعد أن أبهرنا العالم كله من قبل حين قمنا بتحديد أول موعد مسبق لثورة إلكترونية في التاريخ، ولا تجعلوه يوما يوما مبهرا للعالم مرة أخرى حين نتنبأ فيه بموعد أول حرب أهلية محدد ميقاتها.. اللهم بلغت اللهم فاشهد!