هناك سائل يسأل: هل ثَبُت أن ليلة الإسراء والمعراج هي الليلة الموافقة السابع والعشرين من شهر رجب الحرام؟ وكان ردّ العلامة الدكتور يوسف القرضاوي كالآتي: "الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد.. فقد ذَكَر ابن كثير في البداية والنهاية أقوال العلماء في تحديد ليلة الإسراء والمعراج ونوجزها فيما يلي: - اختلف أهل السير في تحديد السنة؛ فقيل إنها كانت بعد البعثة بنحو من عشر سنين وهو قول ابن إسحاق. - وعن الزهري وعروة أنه أُسري برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل خروجه إلى المدينة بسنة. - وعن إسماعيل السدي أن الإسراء كان قبل الهجرة بستة عشر شهرا. فعلى قول السدي يكون الإسراء في شهر ذي القعدة، وعلى قول الزهري وعروة يكون في ربيع الأول. ويرى الحافظ عبد الغني بن سرور المقدسي أنه كان في شهر رجب ليلة السابع والعشرين، وقيل: "كان الإسراء أوّل ليلة جمعة من رجب". وقال أحد أئمة الحديث وهو أبو الخطاب عمر بن دحيا من أئمة القرن السابع، وله كتاب اسمه "أداء ما وجب في بيان وضع الوضَّاعين في شهر رجب": "إن بعض القُصَّاص ذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم أُسري به في رجب، قال: وهذا هو عين الكذب"، وأقرّ هذا الكلام خاتمة الحفاظ الحافظ بن حجر العسقلاني شارح البخاري المعروف. وأنا أعرف أن موضوع ليلة السابع والعشرين من رجب لم يأتِ فيها حديث صحيح، ولا قول صحيح لأحد الصحابة إنما هو قول اشْتُهر، وقال به بعض الأئمة ونُسب إلى الإمام النووي، اختاره الإمام النووي في فتاواه، والإمام النووي رجل كان مقبولا عند الأمة، فاشتهر قوله هذا، على حين أن هناك مثلا الإمام أبا إسحاق الحربي نجده يقول إن الإسراء والمعراج ليس في ليلة السابع والعشرين من رجب، بل في ليلة السابع والعشرين من ربيع الأول. وأنا أعلم أنه لم يثبت شيء في هذا، وأن هذا قول اشْتُهر وأصبح معروفا عند المسلمين منذ قرون أنهم يذكرون الإسراء والمعراج في هذه الليلة، ونظرا لأنه لا يترتّب على ذلك عمل أو عبادة؛ فهذه الليلة لا يُشرع فيها قيام ولا يُشرع في صبيحتها صيام، ولا يُطلب من المسلم أي عمل يتقرّب به إلى الله في تلك الليلة أو في ذلك اليوم، ولذلك المسلمون لم يهتمّوا بهذا الأمر. ومسألة الاحتفال إذا كان المقصود بالاحتفال تدارس هذا الحدث العظيم وما كان له من أثر في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه جاء بعد عام الحزن وبعدما أصابه فلا بأس؛ حيث أراد الله سبحانه وتعالى أن يسرِّي عن رسوله صلى الله عليه وسلم وأن يكرِّمه بعد أن أعرض عنه الناس في الأرض، وأعرضت عنه قريش، وأعرضت عنه ثقيف بعد رحلته إلى ثقيف، ولقي منهم ما لقي، بعد هذا أراد الله أن يكرِّمه فيصلي بالأنبياء إماما ويستقبله الملائكة ويستقبله النبيّون في السماوات ويعرج به إلى السماوات العلا إلى مكان كما قال شوقي: لا يُطار لها على جناح ولا يسعى على قدم فهذا هو المهم أن نعتبر ونستفيد ونأخذ الدروس من هذه القصة؛ فلذلك ما دام لا يترتّب على هذا عمل ولا يترتب على هذا عبادة، فلا مانع أن نحتفل أو نحتفي بهذه المناسبة. واحتفل بالشيء في اللغة العربية يعني اهتمّ به وأعطى له العناية أي لم ينسَه ولم ينشغل عنه؛ فنحن نحتفل أي نهتم بهذا الأمر؛ خصوصا أن الإسراء والمعراج فيه أمران مهمان، الأمر الأول هو أنه مرتبط بالمسجد الأقصى منتهى الإسراء ومبتدأ المعراج، الإسراء انتهى إلى المسجد الأقصى، والمعراج ابتدأ من المسجد الأقصى إلى السماوات العلا، ونحن في حاجة إلى أن نذكّر المسلمين في عصرنا هذا وفي أيامنا هذه بالمسجد الأقصى الأسير في أيدي اليهود. فالناس مشغولون عن هذه القضية المحورية والمركزية؛ فالقضية الأولى بالنسبة للمسلمين في عصرنا هذا هي قضية فلسطين وقضية فلسطين لُبُّها وجوهرها القدس، ولُبُّ القدس وجوهره المسجد الأقصى، فنحن ننتهز هذه الفرصة ونذكّر الناس بقضية فلسطين من خلال ذكرى الإسراء والمعراج والحديث عن المسجد الأقصى.. والله أعلم".