هو فنان من نوع خاص، يعرف كيف يخوض في أعماق شخصياته؛ ليخلق لها تفاصيل جديدة خاصة به وحده؛ كثرة أدواره التاريخية جعلته يبدو وكأنه فارس عربي ضل طريقه لهذا الزمان، إلا أن إبداعاته وموهبته خلقوا منه فارسا لكل الأزمنة، إنه النجم السوري "جمال سليمان" والذي أصبح وجوده معنا كل عام سمة مميزة لرمضان. أولا.. كل سنة وأنت طيب؟ وأنت طيبة أشكرك وأشكر كل المصريين على وقوفهم بجانبي وسعادتهم بمسلسل "أفراح إبليس" والذي أتمنى لو كنت فيه عند حسن ظنهم بي.
أعترف أن المسلسل حقق نجاحا كبيرا، ولكن ألا ترى أن هناك تشابهاً بين شخصية الصعيدي في "أفراح إبليس" و"حدائق الشيطان"؟ لا أكذب عليك أنا كنت قلقان جدا من هذا التشابه، لكن الحقيقة أني بعد أن قرأت السيناريو وجدت أنه لا يجمع بين مندور أبو الدهب في "حدائق الشيطان" وهمام أبو رسلان في "أفراح إبليس" سوى اللهجة الصعيدي فقط، أما طبيعة الدراما في كل شخصية فهي مختلفة تماما.
لكن الاثنان شخصيات لا يخرج مضمونها عن نطاق الشر والانتهازية؟ أولا مندور أبو الدهب في "حدائق الشيطان" لم يكن انتهازياً وإنما كان شخصا شريرا بحكم تجارته للمخدرات والتعامل مع أرواح البشر وكأنها لا شيء، أما همام أبو رسلان فهو لا يترك فرصة إلا ويستغلها حتى لو كان ذلك على حساب أولاده أي أن الشر في الشخصيتين مختلف تماما، ومع ذلك فأنا ممكن أن أقدّم أدوار الشر إلا أن كل دور منها يعالج الشر من منظور مختلف؛ لأني لو قدمت دورا واحدا للشر ودورا واحدا للخير لكنت توقفت عن التمثيل من زمان، فليس بالضرورة أن يتشابه كل الأشرار أو كل الطيبين.
يقال إن أدوار الشر تُخرج طاقة مختلفة من أي ممثل؟ أي دور جديد مكتوب بشكل جيد يُخرج طاقة مختلفة من الممثل؛ لكن الحقيقة أنه في أداور الشر تحديدا فإن الممثل يبذل مجهودا كبيرا ليكرهه الناس، فضلا عن أن أدوار الشر بشكل عام تحتاج طاقة مختلفة؛ لأني أقدم الحالة الشاذة من البشر وليس السائد، فطبيعي أن الخير هو السائد والشر هو الشاذ، ولكن أدوار الشرير بشكل عام تستفز أي ممثل خاصة عندما يكتبها مؤلف كبير مثل الأستاذ محمد صفاء عامر، وبالمناسبة أنا عندما بدأت التمثيل كنت أقدم أدوارا طيبة فقط، فقالوا عني هو لا يقدّم إلا النماذج المثالية وبدأت أنتقد في اختياراتي، والآن بعد أن بدأت أقدم الأدوار الشريرة ينقدوني أيضا، الحقيقة أنا كل هدفي إرضاء الجمهور وإسعاده وتقديم رسالة إيجابية تحدث تغييرا حتى لو كان بسيطا إلا أنه للأفضل وهذا يكفيني بغض النظر عن إن كان هذا يصل من خلال أدوار خير أو أدوار شر.
نعود لهمام أبو رسلان في "أفراح إبليس".. فما الذي جذبك لهذه الشخصية؟ ثراؤها الدرامي، فهمام أبو رسلان رجل بمائة وجه ولديه استعداد لأن يدوس على أي شيء يقف في طريق مصلحته حتى لو كان هذا الشيء هو أغلى حاجة عنده وهم أولاده، ورجل يعرف كيف يستغل الفرص ويتعامل مع من هم أقل منه بغرور وتعالٍ، ومع الأعلى منه باستسلام.. شخص نراه كل يوم حولنا بغض النظر عن إن كان صعيديا أو إسكندرانيا، مصريا أو سوريا ولا من أي جنسية أخرى، المهم أن هذه الشخصية أصبحت موجودة في كل تفاصيل حياتنا، وهي تجيد ارتداء كل الأقنعة للوصول إلى أهدافها وتأخذ من العادات والتقاليد ستارا لأخطائها، وطبيعي أن شخصية بها كل هذه العيوب تجذبني كممثل لأن أقول من خلالها رأيي فيها وأيضا أكشفها للناس.
مسلسل "أفراح إبليس" هو ثالث عمل لك في مصر بعد "حدائق الشيطان" و"أولاد الليل" الذي لم يحقق أي نجاح يذكر.. فهل أزعجك هذا الأمر؟ إطلاقا، فأنا في النهاية فرد في مجموعة كبيرة ولا أرى أي مشكلة في عدم توفيق أو نجاح أي عمل؛ لأن هذا أمر طبيعي، وغير الطبيعي أن كل الأعمال التي أقدمها لابد أن تنجح، بالعكس فأنا أستفيد وأتعلم من الأعمال التي لم تنجح أكثر من الأعمال التي تنجح؛ لأني أرى أخطائي فيها وأحاول أن أتجنبها في الأعمال الأخرى.
تستعد لتقديم دور "إبراهيم باشا" في فيلم "محمد علي" فماذا عنه؟ كان المفروض أن نبدأ في تصوير الفيلم من إبريل الماضي إلا أن التصوير توقف لأسباب إنتاجية وسنبدأ في أكتوبر، والفيلم من تأليف الدكتورة لميس جابر وبطولة يحيى الفخراني وإخراج حاتم علي، والحقيقة أن دور إبراهيم باشا الذي سألعبه في الفيلم رغم أنه يحسب من ضمن الأدوار التاريخية إلا أنني أراه دورا دراميا حديثا؛ لأن الدكتورة لميس جابر كتبت العمل كله بشكل درامي أكثر منه تاريخيا، وهذا سيكون سرا من أسرار انجذاب الناس لهذا العمل؛ فهي تكتب التاريخ بحب ومنظور مختلف، فيخرج بشكل جديد وهذا نفس ما حدث في مسلسل المالك فاروق.
أعلنت أكثر من مرة أن أهم أحلامك هو تقديم عمل عن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، والغريب أنه عندما جاءت لك الفرصة عندما عرض عليك مسلسل "ناصر" العام الماضي اعتذرت عنه! الحقيقة أنه ليس مسلسل "ناصر" الذي عرض عليّ ولكنه عمل آخر يتناول أيضا السنوات الأخيرة في حياة جمال عبد الناصر، ولكني اعتذرت عنه، ولكن هذا لا يمنع أن تقديم دور عبد الناصر مازال من ضمن أحلامي ولكن بشروط ، فالسيرة الذاتية ليست شيئا سهلا ولكنها عمل في منتهى الصعوبة، وعبد الناصر تحديدا قُدّمت عنه عدة أعمال لدرجة أن كل الناس أصبحت تعرف أدق تفاصيل حياته، لذلك أنا أتمنى تقديم الأجزاء الغامضة في حياته والتي لا يعرفها أحد، وأن يُكتب العمل بشكل يليق بهذا الرجل وبتاريخه وبالدور المهم الذي قدمه للأمة العربية.
هل تعجبك أعمال السيرة الذاتية التي أصبحنا نراها بشكل دائم في الدراما؟ المشكلة أننا نقدم السيرة الذاتية وفق أهوائنا الشخصية وبما يتماشى مع ميولنا يعنى مثلا لو كتب مؤلف مسلسلا أو فيلما عن عبد الناصر وهو أصلا يختلف معه سيظهره بشكل سيئ وطبعا العكس صحيح وهذا ليس عدلا؛ لأن أي شخص نقدّم سيرته الذاتية هو في النهاية بشر يخطئ ويصيب، فأنا منذ فترة شاهدت فيلم Wolk the line الذي يتحدث عن السيرة الذاتية للمطرب الأمريكي جوني كاش، والحقيقة أن الفيلم يظهره كأي إنسان عادي له مزاياه وعيوبه، حسناته وأخطاؤه وليس كملاك لا يخطئ، وعندما شاهدت هذا الفيلم وتأملت ما نقدمه نحن في أفلام ومسلسلات السيرة الذاتية شعرت أننا لابد أن نتوقف عنها أو نعيد النظر فيها؛ لأننا نقدمهم كأشخاص غير قابلة للتصديق، ولا يمكن أن نحبهم من كثرة نقائهم؛ لأننا ببساطة نشعر أنهم ليسوا بشرا مثلنا، وبالمناسبة هذا ليس رأيي كممثل ولكن كمشاهد عادي.
ألم تفكر في خوض تجربة الكتابة خاصة أنك تملك مقوماتها؟ طبعا فكرت في هذا الموضوع أكثر من مرة وكتبت عدة أفكار بالفعل إلا أني لا أملك مقومات الكاتب في نقطة مهمة جدا وهي الصبر على الكتابة والمواظبة، ولكن ربما بعد عدة سنوات أكون تعلمت أن أصبح أكثر صبرا وهدوءا واستأنف مشروع الكتابة الذي بدأت فيه ولم أكمله خاصة أن التمثيل الآن يستحوذ على كل وقتي.
ماذا تقصد بأن تكون أكثر هدوءا؟ لا أعرف بالضبط ولكني أشعر أني دائما مشغول البال وأفكر في أشياء كثيرة والكتابة تحتاج إلى هدوء وسكينة وعمق.
وهل ستميل أيضا في كتاباتك للأعمال التاريخية مثل ما تميل إليها في التمثيل؟ والله أنا لا أميل إلا للعمل الجيد وليس شرطا أن يكون تاريخيا أو اجتماعيا إنما المهم أن يكون جيدا وهذا يكفي، وربما أخذ عني الناس في مصر هذه الفكرة؛ لأن معظم الأعمال التي حققت نجاحا كبيرا هنا كانت الأعمال التاريخية التي قدمتها في سوريا.
بأمانة.. هل مازلت تشعر في مصر أنك ممثل سوري؟ أنا عمري ما شعرت بهذا الإحساس لا الآن، ولا حتى عندما قدمت مسلسل "حدائق الشيطان" لأول مرة في مصر.. حقيقي مصر بلد جميلة جدا وناسها أجمل..
هل تعرف أنك أول من فتح الباب لكل النجوم السوريين الموجودين في مصر الآن؟ (يضحك).. هذا يسعدني.
مش ممكن أنهى حواري معك قبل أن أسألك عن إحساسك بكلمة "بابا" بعد كل هذه السنوات؟ ياااه.. كل شيء تغير في لحظة ما حملت ابني محمد لأول مرة شعرت أن كل ما حققته في حياتي لا يساوي شيئا أمام هذه النعمة الكبيرة، فمحمد هو سر سعادتي الحقيقية ومعه شعرت وكأني أولد من جديد؛ وهذا ليس لأنه جاء بعد كل هذه السنوات من الانتظار ولكني أتصور أنها عاطفة الأبوة التي كنت سأشعر بها حتى لو كنت رزقت به في بداية حياتي.
شاهد صور جمال سليمان * كلام في الفن اضغط على الصورة لمشاهدة الجاليري: