علمونا زمان في كلية الإعلام، الفصل بين التحرير والإعلان؛ لأن مال الإعلانات يفسد ذمم الصحفيين ويتنافى مع أخلاقيات المهنة وميثاق الشرف الصحفي الذي لا يطبق، والمزج بين التحرير والإعلان يعد مصيبة وفضيحة مهنية لا تغتفر؛ فكيف يضمن القارئ مصداقية الخبر أو المقال الذي يقرؤه إذا خضعت المواد التحريرية لسطوة مال الإعلانات، وكيف يستطيع صحفي يعمل بالإعلانات أن يكتب ضد فساد من يعطيه المعلوم؟! الأمر واضح وضوح الشمس، ولا يحتاج لشرح أو تفسير، وعلى رأي الست عبلة كامل في فيلم تامر حسني "هاتوا لي وزة معدية في الشارع" وهي تفهم الكلام ده. تجاوزات بلا حدود لكن الواضح أن المعايير تغيّرت كما تغيرت الأخلاقيات وحسبة المعادلات، وأصبحت التجاوزات "عيني عينك واللي مش عاجبه يقدم استجوابات، وابقى قابلني لو حد عبرك"!! لن أتحدث وأظلم تلك الصحف... صحف بير السلم!! التي تصدر بترخيص قبرصي، وتعمل في مصر من مكتب "أوضتين وصالة" بإيجار جديد! وتلعب بأحلام خريجي كليات الصحافة والإعلام؛ ممن يبحثون عن فرصة للعمل وتطبيق ما درسوه في كلياتهم، وللأسف فهم لا يملكون الواسطة التي تضمن لهم تعييناً في الأهرام أو الأخبار أو الجمهورية التي يعمل بها أبناء وبنات وأخوات وعمات وخالات وبنات الأخ وبنات الأخت لأي مسئول هام أو رجل أعمال تقيل يغرق الجريدة بالإعلانات!! وبالطبع تقف لهم الصحف المستقلة بلافتة العدد الكامل، والجريدة لا تستوعب هذا العدد الهائل من الصحفيين العاملين بها!! لن أدّعي وأقول إن هذه الصحف التي لا تكفل لصحفييها أي حقوق مادية أو معنوية تجند هؤلاء الشباب حديثي التخرج -أو حتى المتدربين عديمي الخبرة- لجلب الإعلانات للجريدة أو البحث عن كل مشتقات اللون الأصفر والبرتقالي والأحمر في الأخبار والحوادث. لن أفتري عليهم، ولن أسن كلماتي ولن.. ولن.. ولكن فقط.... سأترك الأمر لمن لديه عقل وسأترك الأمر أمام نقابة الصحفيين والمجلس الأعلى للصحافة ومجلس الشورى والمجلس القومي لحقوق الإنسان، و"أي حد في البلد دي عنده شوية دم ليفسر لي" هذا الإعلان الذي جاء بجريدة المساء المصرية بتاريخ 6 - 2 - 2010 في صفحتها الأولى.
الخلط بين التحرير والإعلان: يقول الإعلان: تعلن جريدة (...) عن حاجتها لمحررين ومحررات من محافظات الوجه القبلي والبحري بشرط إجادة الأعمال التحريرية والإعلانية معاً. هذا هو الإعلان الذي نشر على صفحات إحدى الجرائد المصرية المحترمة، ولا أعلم ماذا يقصدون بشرطهم هذا؛ إجادة الأعمال التحريرية والإعلانية معاً!!! على حد فِهمي -المريض- لا بد أن يكون الصحفي من دول "متطأطأ" "وحِرك" "ويظَبّط" المصدر في نظير الإعلان طبعاً!! يعني "هتعلن ولا نفضحك في الجورنال"؟! "هتدفع ولا ننشر الصور؟!" "هتعلن ولا نذيع؟!!" وبالطبع "لازم يكون الصحفي شاطر" وتلميذ إبليس في التصنت على خلق الله وتتبع العورات وتسجيل الموبايلات والتقاط الصور لزوم التهديدات والابتزازات من أجل الإعلانات!!! بالله عليكم هل هذه صحافة، وهل هذه شروط المطلوبين للعمل في السلطة الرابعة؟!!! ولمن لا يعلم؛ تنصّ لائحة القيد بجداول نقابة الصحفيين بمصر، على أن العمل في الإعلانات، يعتبر من الأسباب التي تفقد العضو (الصحفي) شرطاً من شروط العضوية العاملة بالنقابة. وبالطبع لن يقلق أصحاب مثل هذه الصحف من هذه اللائحة؛ لأن صحفييهم لن ينالوا أبداً عضوية النقابة ولو رأوا "حلمة ودانهم" لأن ترخيص هذه الصحف أجنبي! فهم يعملون وفي بطنهم "شادر بطيخ صيفي وإن كان أقرع!!". وللعلم أيضًا؛ ميثاق الشرف الصحفي بنقابة الصحفيين، ينص على أن يلتزم المسئولون عن النشر بالفصل الواضح بين المواد التحريرية والإعلانية، وعدم تجاوز النسبة المتعارف عليها دولياً للمساحة الإعلانية في الصحيفة على حساب المادة التحريرية. وبالطبع لا يلتزم أصحاب الصحف، وهم على أتم استعداد لبيع أي شيء في نظير الإعلانات، ويتمنون لو تتحول الجريدة إلى ملحق إعلاني لأصحاب مراكز التجميل والتكبير والتصغير!!! مخالفات مهنية دون حساب: وتفيد التقارير الحقوقية بوجود العديد من المخالفات التي جرى فيها خلط المادة الإعلانية بالتحريرية، ونبه أحد التقارير الصادرة عن المجلس الأعلى للصحافة في مصر إلى "خطورة هذه الممارسة على مصداقية الصحف وعلى الأداء الصحفي"؛ مشيراً إلى أن نسبة خلط الإعلان المدفوع الأجر بالمادة التحريرية في الصحف المصرية وصلت إلى مستويات قياسية، بتجاوزها نسبة ال55% وذلك عام 2007. وأضاف التقرير المنشور بالكامل بجريدة الشرق الأوسط: إن هناك حالة مزمنة من استسهال عملية تكرار الخروج على ميثاق الشرف الصحفي؛ فيما يخص ظاهرة عدم مراعاة آداب نشر الإعلانات في الصحف المصرية، وأن هذا الأمر.. "يتكرر بنسبة متقاربة عبر مختلف الشهور؛ خاصة تجاهل (تلك الصحف) الحدود الفاصلة بين النص التحريري وبين النص الإعلاني في الممارسة الصحفية، ما يحدث تشويشاً لدى القارئ ويدفعه للتعامل مع المحتوى الإعلاني ذي الهدف الترويجي للسلع والخدمات على أنه نص صحفي، استغلالاً لميل عدد كبير من القراء لتصديق ما تنشره الصحف". وتابع التقرير أن عدم مراعاة آداب نشر الإعلان احتلت الفئة الأولى من الملاحظات التي رصدها في الصحف المصرية في العام محل التقرير؛ إذ بلغ عدد الملاحظات 8283 بنسبة 55.12% من إجمالي الملاحظات التي تنوعت بين عدم توثيق المعلومات وعدم مراعاة الآداب العامة والذوق العام وعدم مراعاة آداب نشر الجريمة، وغيرها.. إلى هنا انتهى كلام التقرير. وإذا كان الأمر هكذا؛ فكيف يتعامل المجلس الأعلى للصحافة ونقابة الصحفيين مع جريدة تشترط على الصحفيين إجادة الأعمال التحريرية؟!! وإن كانت هذه الجريدة نشرت إعلاناً واضحاً وصريحاً ويمكن مساءلتها عنه؟ فكم عدد الصحف التي تعمل بنفس السياسة، ولا تعلن عن نفسها، وتؤكد أنه تلتزم المهنية وتطبق ميثاق الشرف الصحفي. وكم من الصحفيين الشباب يخضعون لسطوة هذه الصحف؟! ويتحولون إلى مندوبي إعلانات و"مرماطونات" أحياناً إن لزم الأمر!! أنقذوا شباب الصحفيين.. الكليات تخرج الآلاف كل عام ممن لهم طموح ورؤى حالمة في إصلاح أحوال البلاد وعقول العباد ومثل هذه الصحف تقتلهم وتشوههم وتفسدهم!! أنقذوا شباب الصحفيين....