في الجناح الروسي بمعرض القاهرة للكتاب، يستقر معرض كبير لواحد من أهم الفنانين في تاريخ روسيا، الأسطورة إيفان بيليبين الذي عاش في مصر لاجئاً سياسياً قبل أن يقبل فكرة حكم الشيوعيين لروسيا؛ وذلك خلال العشرينيات من القرن العشرين. ولد إيفان ياكوفلوفيتش بيليبين في عائلة طبيب في الجيش، وفي فترة أعوام 1899 -1902 عمل بيليبين في رسم الصور عن الحكايات الشعبية الروسية، وفي وقت لاحق رسم الصور لحكايات ألكسندر بوشكين، وصار الفنان أستاذاً معترفاً به في الرسم بما يسمى "الأسلوب الروسي"، وتلقى الكثير من الطلبيات لتصوير الكتب. وفي هذه الفترة تعاون بيليبين مع مختلف دور النشر والمجلات؛ علاوة على ذلك قام برسم الملصقات الجدارية والإعلانات وتصميم الطوابع، ومنها سلسلة الطوابع الصادرة بمناسبة ذكرى مرور 300 عام على مجيء أسرة رومانوف إلى الحكم. في عام 1904 قام بيليبين لأول مرة بتصميم ديكورات أوبرا "سنيجوروتشكا" لنقولاي ريمسكي - كورساكوف في المتحف الوطني في براغ، وفي وقت لاحق أنجز الفنان تصاميم الديكورات والأزياء من أجل مسارح أخرى في روسيا وخارجها. ولم يتقبل بيبيلين في البداية ثورة أكتوبر عام 1917، وفي عام 1920؛ حين شارفت الحرب الأهلية الروسية على الانتهاء، هاجر مع الجيش الأبيض من نوفوروسييسك ورحل مع اللاجئين الروس الآخرين البالغ عددهم حوالي 4 آلاف شخص إلى مصر. في البداية عاش بيليبين في مخيم تل الكبير في الطريق بين القاهرة والإسماعيلية، ومن ثم انتقل إلى العاصمة، وتلقى أول طلبية هي رسم لوحة مزخرفة لكي تزين فيلا رجل يوناني ثري، ثم استأجر بيليبين بيتاً صغيراً في شارع الأنتيكخانة، وأطلق على مرسمه تسمية "الأنتيكخانة"، وسمى نفسه ب"يوحنا من الأنتيكخانة". وقد سحرت مصر الرسام بيليبين، وكتب في ذكرياته لاحقاً: في عام 1920 ولجتُ أجواء جديدة تماماً وغريبة عليّ؛ لكنها ثمينة جدا بالنسبة إلى الرسام، هي أجواء مصر؛ حيث أعيش وأعمل منذ خمسة أعوام. إنني لن أنسى أبداً انطباعاتي حين دخلت لأول مرة الأحياء الإسلامية القديمة في القاهرة، ذات المساجد التي يعود عهدها إلى فترة الهجرة الأولى، بأسواقها ودفئها. وبدا لي أنه انبثقت أمامي حية صفحات من "ألف ليلة وليلة"، ولم أصدق بأن هذا كله يوجد في الواقع. لقد عمل بيليبين كثيرا؛ لكن ليس في مجال تزيين الكتب برسوم الجرافيك المحبب لديه؛ فقد كان يرسم لوحات (بانو) من أجل القصور ومناظر طبيعية وبورتريهات وحتى أيقونات. كما صمم الديكورات والأزياء من أجل فرقة راقصة الباليه آنّا بافلوفا التي قامت بجولة فنية في القاهرة. وما زالت باقية في القاهرة ثلاث أيقونات من إبداع بيليبين في كنيسة القديس بانتيليمون الأرثوذكسية ولوحة (بانو) بعنوان "رقص شرقي"(مجموعة فنية خاصة). وفي الفترة من أكتوبر 1924 وأغسطس 1925 عاش الرسام في الإسكندرية، ومن ثم انتقل إلى باريس. وابتداء من عام 1930 صار بيليبين يتلقى الطلبيات من دور النشر الفرنسية التي رسم من أجلها الصور الخاصة بالحكايات الروسية والفرنسية والألمانية وللكتب التاريخية. وأنجز الفنان سلسلة من الصور المستوحاة مواضيعها من الحكايات العربية من أجل مؤسسات الأطفال. وصمم الأغلفة والصفحات الأولى والملصقات الإعلانية والعلامات التجارية وهلمّ جرا. ثم عمل بيليبين في تصميم الأزياء والديكورات من أجل عروض مواسم الأوبرا الروسية في مسرح حدائق الإليزيه. علاوة على ذلك أنجز الفنان رسوم لوحات جدارية والفاصل الأيقوني والموزاييك الخارجي من أجل كنيسة أرثوذكسية في باريس. ومع مرور الأعوام غلبت لديه قناعات موالية للنظام السوفيتي. فزيّن مبنى السفارة السوفيتية في باريس بلوحات (بانو) ذات مواضيع وطنية شاملة (1935-1936)، ثم عاد إلى الوطن واستقر به المقام في لينينجراد. وفي العقد الأخير من حياته أعطى بيليبين الدروس في أكاديمية الفنون الروسية، كما واصل العمل في تزيين الكتب بالصور وتصميم الديكورات والأزياء للمسارح. توفي إيفان بيليبين في لينينغراد في أيام الحصار الألماني للمدينة في 7 فبراير عام 1942.