كتبت: سمر عبد الناصر "يصل بعض الرجال راكبين سيارة أو مترجلين إلى مكان ما في أي وقت من النهار أو الليل، مرتدين ملابس مدنية، أو زيا رسميا في بعض الأحيان، ولكنهم غالبا ما يحملون السلاح، ثم دون إبداء أي أسباب، أو إبراز أي أمر بالقبض، تراهم يجرّون شخصا أو أكثر إلى سيارة، حيث يُستخدم العنف عند اللزوم لإتمام العملية"، هكذا تكون الحلقة الأولى من معاناة "الاختفاء القسري"، والذي يُصنف كانتهاك كبير لحقوق الإنسان وجريمة ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم، وفقا للمواثيق الدولية. وبعد عامين على ثورة 25 يناير، التي أطاحت بالرئيس السابق محمد حسني مبارك، ما تزال المئات من الأسر المصرية تبحث عن ذويها، الذين فُقدوا منذ اليوم الأول للثورة وعلى مدار العامين الماضيين خلال الأحداث المختلفة -والتي كان آخرها أحداث قصر الاتحادية- وتعرّضوا لأحد أكبر الجرائم التي تنتهك العديد من الحقوق المدنية للمفقود وأسرته. وفي فبراير 2012، قام عدد من النشطاء السياسيين بتدشين حملة تحت اسم "هنلاقيهم"، للبحث عن مفقودي الثورة، وتعرف الحملة نشاطها -على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك- بأنها "حركة مصرية تسعي للبحث عن مفقودي الثورة منذ يناير 2011 وحتى تحقيق أهداف الثورة وعودة جميع المفقودين"، مشيرة إلى أن هدفها هو تكوين حركة مصرية لتحفيز الرأي العام، وللضغط على الجهات الرسمية المسئولة للإعلان عن مصير الثوار المفقودين. وقالت نرمين يسري -عضو مؤسس بحملة هنلاقيهم- ل"بص وطل" إن آخر عدد رسمي تم التصريح به كان في مارس 2011 من مجلس الوزراء، وقت حكومة الدكتور عصام شرف، كان 1200 مفقود، مشيرة إلى أن الحملة استطاعت التواصل مع 100 أسرة من أهالي المفقودين خلال ال11 شهرا الماضين. وأضافت نرمين أنه من فترة لأخرى هناك من يظهر من المفقودين، ولكنهم لا يفضلون الظهور في الإعلام لأسباب وصفتها ب"الأمنية"، قائلة: "آخر مفقود عاد كان شابا عمره 16 عاما، وخرج في عيد الفطر الماضي بالعفو الرئاسي". ومن بين حالات الاختفاء القسري التي رصدتها الحملة منذ قيام الثورة وحتى الآن، بحسب ما نشرته على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: - إبراهيم السعيد أحمد -39 سنة- عامل باليومية ومفقود من 28 يناير 2011، بعد أن افترق عن أصدقائه في شارع الهرم أثناء ما عُرف ب"أحداث جمعة الغضب"، وبعد ثلاثة أشهر أخبر أحد الأشخاص أسرته أنه رآه في سجن الهايكستب، ثم وصلتهم أنباء عن وجوده في سجن وادي النطرون، ولكنهم لم يستطيعوا العثور عليه في أي من تلك السجون أو غيرها حتى الآن.
وهذه شهادة شقيقه:
إضغط لمشاهدة الفيديو: محمد صديق توفيق، بكالوريوس تجارة خارجية، ومفقود من 28 يناير 2011، حيث شارك في مسيرة حلمية الزيتون إلى ميدان التحرير، ثم انقطع الاتصال، وفي يوم 11 فبراير، الذي تنحى فيه الرئيس السابق محمد حسني مبارك، حاولت والدته الاتصال به فرد عليها، وقال: "أنا محبوس"، ثم انقطع الاتصال، وعندما حاولت الاتصال مرة أخرى رد عليها شخص وقام بسبها. وبعد بضعة أشهر اتصلت مرة أخرى، فرد عليها مجند في القوات المسلحة، وأخبرها أنه وجد هذا الهاتف ملقى عند النقطه العسكرية في الجبل الأحمر، ثم انقطع أي اتصال بمحمد من هذا الوقت. - الطالب ياسر عبد الفتاح -17 عاما- فُقد في 19 نوفمبر 2011 أثناء أحداث شارع محمد محمود،لم يتم العثور عليه من يومها، وهذه شهادة والده:
إضغط لمشاهدة الفيديو: - محمود محمد خضره، 44 سنة، مُعلم، مفقود من 4 مايو 2012، أثناء أحداث العباسية، حيث كان من أفراد أمن الميدان وقتها، وعندما اشتعلت الأحداث اختفى تماما حتى اليوم. ومن المفقودين الذين رجعوا إلى أسرهم، بحسب الحملة، إسلام الخواجة -كان يعمل في فندق بالزمالك- اختُطف في 29 يناير 2011، من قبل شخص في سيارة إسعاف، عرض عليه أن يدخل السيارة ليحميه من طلق النار، وبعد أن ظهرت أسرته في عدد من وسائل الإعلام، عاد إسلام في فبراير 2011، وعلم أهله أنه بعد خطفه تم ترحيله إلى سجن الهايكستب، ثم إلى سجن في مرسى مطروح، ثم إلى سجن الوادي الجديد، وظل فيه طول تلك الفتره دون ورق رسمي ودون توجيه أي اتهامات، حيث تعرض للتعذيب. وتوضح نرمين يسري ل"بص وطل" أن البلاغات التي تتلقاها الحملة عن المفقودين تزداد دائما بعد أي مؤتمر للحملة، معلله ذلك بقولها: "زيادة البلاغات بعد أي مؤتمر للحملة غالبا ما تكون بسبب تعرف عدد أكبر من المواطنين على الحملة ونشاطها". وعن طبيعة حالات الاختفاء القسري قبل وبعد الثورة، قالت العضو المؤسس بحملة "هنلاقيهم"، إنه قبل الثورة كان أغلب من يتعرض لذلك المصير من ينتمون إلى جماعات إسلامية، مشيرة إلى أنه بعد الثورة أصبح معرضا لهذا المصير كل من يشارك في وقفة احتجاجية أو اعتصام أو مسيرة أو يمر بأي منها عن طريق الصدفة. وتعد من آخر حالات التغيّب والاختفاء التي رصدتها الحملة كانت في أحداث قصر الاتحادية، التي كانت بين مؤيدين ومعارضين لقرارات الرئيس محمد مرسي، الشاب محمد عصام محمد مرسي، وهذه شهادة خاله:
إضغط لمشاهدة الفيديو: ويُذكر أنه قبل أكثر من عامين، وتحديدا في 21 ديسمبر عام 2010، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار رقم 65/209، أعربت خلاله عن قلقها إزاء ازدياد حالات "الاختفاء القسري" أو غير الطوعي في مناطق مختلفة من العالم، بما في ذلك الاعتقال والاحتجاز والاختطاف، وقامت باعتماد الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري، معلنة يوم 30 أغسطس "يوما دوليا لضحايا الاختفاء القسري" يُحتفل به اعتبارا من عام 2011.