على الرغم من تصوّرها، أنها قادرة على استيعاب أية مفاجآت، بعدما حدث، عجزت ساقا (إيناس) عن احتمال ثقلها، فتراجعت؛ لتجلس على أول شيء صادفها، وهي تحدق في وجه الرجل في ذهول.... لقد شاهدت آلاف من أفلام الخيال العلمي في حياتها، وقرأت أعداداً هائلة من رواياته، وعلى الرغم من هذا، فلم يدر بخلدها لحظة، طوال عمرها، أنها يمكن أن تواجه شيئاً من هذا.... أبداً... مركبة فضائية... كائن فضائي.... رباه... إذن فهي حقيقة.... توجد بالفعل مخلوقات عاقلة أخرى غيرنا، في هذا الكون الفسيح... مخلوقات قادرة على الوصول إلينا... تماماً كأفلام الخيال العلمي.... ولكنها في هذه المرة، جزء من الفيلم... واحدة من بطلاته... وهذا ما بدا لها دوماً، من رابع المستحيلات... جلست صامتة، تحدق ذاهلة في الفراغ، والرجل يقف أمامها، محترماً صمتها، متطلعاً إليها في اهتمام، قبل أن يقطع حبل الصمت هذا، مغمغماً: - الحقائق دوماً أغرب من الخيال. غمغمت، وهي ترفع بصرها إليه: - الحقائق؟! أومأ برأسه إيجاباً، وقال: - صدقيني يا سيدتي... نحن أيضاً لم نتصوَّر حدوث شيء كهذا أبداً.. تمتمت في شيء من الحذر: - ولكنكم استعديتم له. قال في دهشة: - مطلقاً... من وضع هذه الفكرة العجيبة في رأسك!.. أشارت إلى ما حولها، متمتمة في توتر، لم تحاول حتى السيطرة عليه: - لقد أعددتم كل هذا. جلس على مسافة قريبة منها، وهو يقول: - إنه مقر للطوارئ، لم يخطر ببال مخلوق واحد استخدامه في هذا المضمار. صمتت لحظات، قبل أن تسأله: - أين نحن بالضبط؟! صمت هو أيضاً لحظات، ثم قال في صرامة: - في مكان ما من أرض (مصر). همَّت بإلقاء سؤال آخر، فأضاف في صرامة أكثر: - لقد عرفت كل ما يمكنك معرفته. ونهض من المقعد، الذي لم يستقر عليه طويلاً، وهو يردف: - وهو أكثر مما ينبغي. بدا وكأنه يهَّم بالانصراف، فهتفت في حدة: - وماذا عن (جو)؟! ثبت في مكانه لحظات، ثم التفت إليها، قائلاً في صرامة: - ماذا عنه؟! في نفس اللحظة، التي نطق فيها عبارته، كان مدير المخابرات العامة المصرية يستقبل مندوباً خاصاً، من السفارة الأمريكية في (القاهرة)، طلب مقابلته على نحو عاجل، وكان يصافحه، قائلاً في حذر هادئ: - ترى ما سر إلحاح السفارة على هذه المقابلة العاجلة؟!.. جلس مندوب السفارة أمامه، وفتح حقيبته الدبلوماسية الأنيقة، وهو يقول: - دولتي تطلب تفسيراً لأمور تتجاوز المألوف هنا. تراجع مدير المخابرات في مقعده، وهو يقول في صرامة حازمة: - أظن أن ما يحدث هنا، أياً ما كان، هو شأن مصري خالص. أشار مندوب السفارة بسبَّابته، قائلاً: - هذا لو أنه شأن مصري. ثم أخرج من حقيبته الأنيقة مجموعة من الصور، وضعها أمام مدير المخابرات، وهو يضيف: - ولكنه يبدو لنا شأناً عالمياً. في صمت تام، وبوجه خال من الانفعالات تماماً، تطلَّع مدير المخابرات إلى الصور في اهتمام.. كان من الواضح أنها مجموعة من صور الأقمار الصناعية، تم التقاطها لمنطقة مدينة (الرحاب)، في توقيت سابق... صور تنقل، وبكل وضوح، تلك المطاردة، التي دارت في سماء المدينة الجيدة، بين المقاتلات المصرية، وتلك المركبة الفضائية... ثم تنقل مشهد سقوطها... ومحاصرة المنطقة، بواسطة قوات الجيش... ومرحلة نقل المركبة... و.... " أين أخفيتموها يا سيادة الوزير؟!..."* قطع مندوب السفارة انتباه مدير المخابرات بالسؤال، فرفع المدير عينيه إليه في صمت، دام بضع لحظات، قبل أن يقول في صرامة: - أترى ما يدور على أرض (مصر) شأناً عالمياً؟!.. حاول مندوب السفارة أن يبادله صرامة بصرامة، وهو يقول: - عندما يأتي جسم ما من الفضاء، فهو شأن عالمي. مال مدير المخابرات نحوه، وهو يقول بمنتهى الصرامة: - بالنسبة لأي قانون؟!.. تراجع الرجل بحركة حادة مصدومة، وهو يرددَّ مستنكراً: - قانون؟! أجابه مدير المخابرات، بنفس الصرامة: - تدَّعون دوماً أنكم دولة تحترم القانون، ومادمتم قد جرؤتم على دس أنفكم في أمور مصرية بحتة، فلا ريب أنكم تستندون إلى قانون ما... قانون دولي، أو حتى مصري.. لسنا مجرَّد دولة عظمى يا سيادة الوزير... إننا الدولة العظمى الأولى في العالم وزاد من ميله نحوه، وصرامته تكتسب رنة خطيرة، وهو يضيف، متطلَّعاً بعينين قاسيتين إلى الرجل: - وإلا فسيعنى هذا أنكم تتدخلون بلا أي سند، ومن غير الممكن طبعاً أن تتصوَّروا أننا سنخضع، أو نقبل بهذا، على أي نحو كان، فقط لأنكم دولة عظمى. احتقن وجه مندوب السفارة، وهو يقول في عصبية: - لسنا مجرَّد دولة عظمى يا سيادة الوزير... إننا الدولة العظمى الأولى في العالم... نحن زعماء العالم الجديد. تراجع المدير قائلاً في حزم: - هذا لا يعطيكم أي حق، في دس أنفكم في شئوننا. ازداد احتقان وجه المندوب، وهو يقول: - اسمعني جيداً يا سيادة الوزير... ما حدث لم يكن مفاجأة تامة لنا... لقد رصدت أقمارنا الصناعية تلك المركبة الفضائية، منذ اقترابها من كوكب الأرض، ولكننا كنا نتوقَّع هبوطها في الولاياتالمتحدة. قال المدير، في لهجة صارمة، تحمل رنة ساخرة: - لأنها زعيمة العالم الجديد.. قال المندوب في حدة: - كَّلا، ولكن لأن أية مخلوقات عاقلة، تقترب من كوكب الأرض، سترصد حتماً أننا أكثر مناطق الأرض توتراً وتحضراً، وهذا سيدفعها للهبوط لدينا حتماً. واصل المدير لهجته الساخرة، وهو يقول: - من الواضح أنها كانت تبحث عن أمر آخر.. بدا وجه المندوب وكأنه سينفجر، من فرط الاحتقان، وهو يقول: - دعنا نكون صرحاء يا سيادة الوزير.... بغض النظر عن هبوط تلك المركبة هنا؛ فكلانا يعلم جيداً أن (أمريكا) وحدها تملك المعرفة والتكنولوجيا اللازمتين؛ للتعامل مع أمر كهذا. غمغم مدير المخابرات في هدوء: - حقاً؟!.. بدت الكلمة ساخرة تماماً، بالنسبة لمندوب السفارة؛ فقال في عصبية شديدة: - هل يمكنكم إنكار هذا؟!.. طال الصمت هذه المرة، وكلاهما يتطلَّع إلى عيني الآخر في تحد، قبل أن يقول مدير المخابرات في صرامة: - عندما سقطت مركبة فضائية، عام 1947 م، في بلدة (روزويل) في (نيو مكسيكو)، تكتّمت الأمر تماماً، وحاولت، طوال ما يزيد عن نصف القرن، إنكار حدوثه من الأساس ** هل تعلم لماذا؟!.. لم ينطق مندوب السفارة بحرف واحد، وهو يتطلَّع إلى المدير في عصبية، فتابع هذا الأخير في حزم: - لأن التكنولوجيا التي حوتها المركبة الفضائية، كانت تفوق كل التكنولوجيا المعروفة في كوكب الأرض بقرن كامل على الأقل... صحيح أنكم لم تستطيعوا فهم معظمها حتى الآن، ولكن ما كشفتم ألغازه، ساعدكم على ربح سباق الوصول إلى القمر قبل السوفيت، الذين سبقوكم في الدوران حوله. قال المندوب، في عصبية شديدة: - ما الذي ترمى إليه بالضبط يا سيادة الوزير؟!.. أجابه الوزير في صرامة: - إن السبب نفسه هو الذي دعاكم إلى هذا التدخَّل السافر... التكنولوجيا... تخشون لو استأثرنا بهذا، أن نتطور تكنولوجياً، أو نمتلك شيئاً لم تتوصلوا إليه، ولا يملكه الإسرائيليون.... كان من الواضح أن استنتاجه، وخاصة الجزء الأخير منه، قد أصاب كبد الحقيقة مباشرة، لذا فقد انتفض المندوب في عنف، وهو يقول في حدة: - مادمنا قد بلغنا هذا الحد، فاسمح لي أن أنقل الجزء التالي من رسالتنا إليكم، والذي كنت أدخره للنهاية. ثم نهض بحركة حادة، واستند براحتيه على سطح مكتب المدير، وهو يضيف، بكل ما أمكنه من صرامة: إننا سنبذل كل جهودنا، للحصول على تلك المركبة الفضائية، حتى لو اضطررنا للحصول عليها... واشتعلت عيناه، وهو يضيف في غلظة: - بالقوة. وضاقت عينا مدير المخابرات في شدة... وانعقد حاجباه في غضب... فقد كان هذا يعني أن الأمور تتطوَّر على نحو خطير... خطير للغاية.... وإلى أقصى حد. *مدير المخابرات العامة فى منصب وزير سيادي **واقعة حقيقية.. يتبع اقرأ أيضاً: أكشن: القادم (9) مفاجأة أكشن: القادم (8) لقاء أكشن: القادم (7) علامة استفهام أكشن: القادم( 6) حصار أكشن: القادم (5) من؟! أكشن: القادم (4) أرض غريبة أكشن: القادم (3).. مفقود أكشن: القادم (2).. الشائعة أكشن: القادم (1).. دوي