"بعد مرور عام على الحرب الإسرائيلية على غزة، يبدو أن إسرائيل اكتشفت أنه قد يكون من السهل عليها أن تربح حرباً عسكرية ضد حركة حماس، ولكنه سيكون من الصعب عليها للغاية أن تكسب حرب الرأي العام وقلوب وعقول الناس".. هكذا علّقت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية الشهيرة على مرور عام كامل على انتهاء الحرب الأمريكية ضد قطاع غزة. وتنقل المجلة صورة عن الحرب التي جرت قبل عام، مشيرة إلى أنه كان من الصعب على إسرائيل أن تقنع العالم أنها قتلت 1300 فلسطيني خلال أقل من شهر، بينما قتل 13 إسرائيلياً فقط، في حين نقلت وكالات الأنباء والقنوات التليفزيونية المختلفة صورة واسعة للدمار الذي أصاب قلب مدينة غزة ومبانيها المدنية. وتضيف المجلة أنه بعد مرور عام على الحرب فإن صورة إسرائيل ازدادت سوءاً، بدلاً من أن تعمل تل أبيب على تحسينها من خلال الإصرار الإسرائيلي على حصار قطاع غزة ومنع إمدادات الطعام والسلع الضرورية عن سكانه. وتشير المجلة إلى أن حركة حماس نجحت أيضاً في أن تُقلل من تأثير تفوّق إسرائيل العسكري عليها من خلال الاحتفال الذي نظّمه مناصروها بمناسبة مرور عام على الحرب، حيث أكدت الحركة أن هدفها في مواجهة أكبر قوة في المنطقة لم يكن الفوز بالحرب، ولكن البقاء على الأرض وعدم تمكين إسرائيل من القضاء على الحركة، وهو ما تحقق بالفعل حيث استمرت الحركة في إطلاق الصواريخ إلى اليوم الأخير من الحرب، في إشارة إلى قدرتها على الاستمرار فيها. وتصرّفت حماس مثل حزب الله في هذا الأمر، فعلى الرغم من تعرّض الحزب لخسائر كبيرة في الحرب ضد إسرائيل، إلا أنه أكد أنه حقق "نصراً إلهياً" على إسرائيل في الحرب، ليبدو أن حزب الله وحماس أدركوا أكثر من إسرائيل حقيقة الحرب الدائرة، وأن الشكل الأخير للأمور وربما تسويق هذا الشكل أيضا أهم كثيرا من النتائج الفعلية للحرب. فحزب الله وحماس نجحا في أن يسوقا لجمهورهما ولإسرائيل وللمجتمع الدولي ككل صورة أفضل، ومنحا لنفسهما قوة أكبر مما لديهما، لإدراكهما أن العِبرة دائماً في السياسة بإدراك الناس للحقائق وليس بطبيعة الحقائق المجرّدة على الأرض. وأشارت "فورين بوليسي" إلى أن إسرائيل لم تحقق نصراً خلال حربها على غزة مثلما ادّعت، ولكنها أنهت الحرب في حالة تعادل، فعلى الرغم من إرسائها معادلة للردع مع حماس (إذا قامت حماس بإطلاق الصواريخ فإنها ستتعرّض لرد إسرائيلي عنيف)، إلا أن حماس ما زالت تسيطر على الأرض في غزة وتحكم القطاع. ولا شك أن تقرير جولدستون الذي صدر حول الحرب على غزة ساهم في زيادة الصورة الإسرائيلية سوءاً في العالم، خاصة مع صدور أوامر اعتقال بحق عدد من المسئولين الإسرائيليين في العواصم الأوروبية، حتى أصبحت إسرائيل في نظر الكثير من المسئولين الغربيين بمثابة الطفل المتمرّد الذي يجب لجمه إذا ما اندلعت حرب جديدة. وتبرز الأزمة الإسرائيلية أيضاً مع استعداد جميع الأطراف في الشرق الأوسط (حزب الله وحماس وإيران وسوريا وإسرائيل نفسها) لحرب جديدة، بما يعيد إلى الواجهة الصورة السيئة لإسرائيل مرة أخرى، سواء من الناحية العسكرية أو الإنسانية. ففي مواجهة إيران وسوريا وحزب الله من المتوقع أن تعاني إسرائيل عسكرياً من الصواريخ الإيرانية التي تمتلكها سوريا وحزب الله حالياً، وعلى الرغم من مشروع "الدرع الحديدي الإسرائيلي" الذي يهدف للتصدي للصواريخ الإيرانية إلا أنه من المرجح ألا تتمكن إسرائيل من التصدي لكل تلك الصواريخ التي تتمتع بدقة عالية، كما أن إيران وسوريا وحزب الله سيطلقونها بكثافة عالية لن تسمح لإسرائيل بالتصدي لها. أما غزة فستجعل إسرائيل تبدو معتدية أمام العالم كله ثانية، خاصة أنها ستهاجم مجموعة من المحرومين في أرض صغيرة، ليكون الأمر المؤكد أن أية حرب قادمة ستعاني فيها إسرائيل كثيراً من الناحية العسكرية، وأنها ستخسر المزيد في الحرب على الرأي العام الدولي، وهي الحرب الأهم؛ لأنها الحرب الأطول أمداً والتي يسيطر فيها على العقول والقلوب يربح الصراع في النهاية.