مع اقتراب وقت الانتخابات الأمريكية تتصاعد تدريجيا وتيرة المنافسة بين باراك أوباما الرئيس الحالي ومرشح الحزب الديمقراطي، وغريمه العنيد ميت رومني مرشح الحزب الجمهوري، وقد أظهر آخر استطلاع للرأي أجرته وكالة رويترز يوم الثلاثاء الماضي تقدم أوباما على رومني بنسبة 45% مقابل 43%، وبذلك يضيق الفارق عما كان عليه في الاستطلاع السابق قبله بأسبوع، عندما كان أوباما متقدما بأربع نقاط مئوية، ويبدو تغير نتائج الاستطلاعات انعكاسا لاتضاح مواقف المرشحين من الملفات المطروحة. مغازلة إسرائيل.. السباق القاتل على الرغم من أن 78% من اليهود صوتوا لأوباما في الانتخابات السابقة, وعلى الرغم من احتفاظه بتفوقه، حيث أظهر استطلاع معهد جالوب أن 68% من الناخبين اليهود يؤيدونه، فإنه بدا في حاجة إلى المزيد من تأكيد التزامه نحو إسرائيل، خاصة بعد الخلاف بينه وبين نتنياهو حول قضية المستوطنات التي دعا إلى وقف بنائها، وأيضا لأن منافسه رومني يتمتع بعلاقة وثيقة مع نتنياهو، انعكست في الاستقبال الحافل الذي تلقاه إبان زيارته لإسرائيل، وتأكيد أنه سيعترف بالقدس عاصمة لها، ومؤخرا شن رومني في مؤتمر انتخابي هجوما على سياسة أوباما نحو إسرائيل، متهما إياه بالتخلي عنها. في المقابل حرص أوباما من موقعه كرئيس على المزايدة بالأفعال لا بالأقوال، فوقع أخيرا اتفاق تعميق التعاون العسكري مع إسرائيل، وبموجبه ستمنح أمريكا لإسرائيل 70 مليون دولار دعما لنظام القبة الحديدية للحماية من الصواريخ طويلة المدى، كما سيمنح إسرائيل للمرة الأولى إمكان شراء الطائرات الأمريكية للتزود بالوقود جوا، التي رفضت إدارة بوش وأوباما سابقا بيعها، لمنع إسرائيل من ضرب إيران، مما جعل المحلل الإسرائيلي روبن بن يشاي في صحيفة يدعوت أحرونوت يقول إن توقيع أوباما لهذا القانون هو علامة فارقة في التعاون التاريخي بين البلدين. السياسة الخارجية.. الهدوء الذي يسبق العاصفة اتسمت سياسة أوباما بالحذر الشديد المتمثل في تصريحه: "إننا لن نذهب إلى الحرب ولن نستخدم قوتنا إلا في وقت الضرورة"، بعكس فترة سلفه بوش العاصفة، مما أكسبه الكثير من قلوب وعقول الأمريكيين، وذلك حسبما يرى جون فيفر خبير السياسة الخارجية في مؤسسة الدراسات السياسية الأمريكية. ويبدو أن توجه أوباما نحو إيران في حال فوزه سيستمر في نطاق "التصعيد المنضبط"، المتمثل في المزيد من الضغط الدبلوماسي والعقوبات دون التسرع بإعلان الحرب، كما سيتابع الانسحاب الأمريكي من أفغانستان والعراق بما لا يضر بالمصالح الأمريكية. ويرى فيفر أيضا أن موقف أوباما من ثورات الربيع العربي يحوز على تقدير الناخب الأمريكي، فهو قد استغنى عن "الزواج المكروه" مع الحكام الفاسدين كمبارك، لذلك لا تتطرق حملة رومني إلى هذا الجانب. في المقابل بدا رومني بوضوح أكثر تشددا بوجه عام، حتى أنه صرّح بأن عهده سوف يشهد مواقف أقل مرونة نحو روسيا، وعلّق ساخرا على سياسات أوباما التي يراها متساهلة نحو إيران: "ما زلنا نتحدث معها، بينما أجهزة الطرد المركزي في المفاعلات تدور"، ومن جانبه رد أوباما على هجوم رومني على سياسته نحو إيران بالتذكير بنجاحه في أفغانستان الذي توجه بقتل أسامة بن لادن، الذي يعتبره الأمريكيون عدوهم الأول. الاقتصاد.. كلمة سر الناخب الأمريكي حسبما تشير كل الاستطلاعات في كل الانتخابات الأمريكية فإن العنصر الأساسي بالنسبة إلى الأمريكيين هو الاقتصاد وليس السياسة الخارجية التي لا تحوز على اهتمام كبير منهم، وفي هذا الملف تحديدا يبدو التباين واضحا للغاية بين المرشحين. فميت رومني -رجل الأعمال الثري- يتبنى بوضوح نهج (الليبرالية الجديدة) التي تؤكد انسحاب الدولة الكامل من التدخل في الأسواق وعلى خفض إنفاقها العام، ويعتبر أن سياسات أوباما هي السبب في الأزمة المالية العالمية، بينما يدافع خصمه بأن هذا كان نتيجة لما ورثه عن فترة بوش. لذلك بينما يتبنى أوباما الدعوة إلى زيادة الضرائب على الأغنياء مما سيوفر 47 مليار دولار، وهو القانون المشهور باسم "قانون بافيت" نسبة إلى الملياردير الأمريكي وارين بافيت أحد أغنى رجال العالم، الذي صرّح بأنه يدفع ضرائب أقل من مساعديه، فإن رومني يتبنى الدعوة إلى تخفيض الضرائب على رجال الأعمال لدفعهم للاستثمار وانعاش الاقتصاد. وبينما يتبنى أوباما الدعوة إلى المزيد من الإنفاق العام كقانونه الجديد للرعاية الصحية، يعتبر رومني هذا القانون كارثة على الاقتصاد الأمريكي، ويصرح بأنه سيخفض الإنفاق على برامج التعليم والصحة المدعومة فيدراليا. السيرة الذاتية للمرشحين.. كل الأسلحة متاحة اتخذ السباق الرئاسي منحى أكثر شراسة بعدما شن فريق أوباما هجوما عنيفا ضد رومني، متهما إياه بالتورط في عمليات صرف من الوظائف قررتها شركة "باين كابيتال" التي كان يعمل مديرا تنفيذيا لها، وهو ما اعتبره رومني هجوما "دون مستوى الرئاسة" مطالبا حملة أوباما بالاعتذار، إلا أن أوباما رد بالقول "لن نعتذر". وبينما تباهى أوباما وزوجته بعرضهما لسجلهما الضريبي التفصيلي الكامل، طلب رومني مهلة 6 أشهر من مصلحة الضرائب الأمريكية حتى يمكنه أن يقدم خلالها تقريرا يوضح دخله، وهو ما يدعم اتهام حملة أوباما له بتحويل جزء كبير من ثروته البالغة 250 مليون دولار، إلى خارج البلاد في سويسرا وجزر الكاميان كي لا يدفع عليها ضرائب، وهو ما استغلته حملة أوباما التي علّق مديرها جيم ميسينا على الأمر بالتساؤل: "ماذا يخفي رومني؟". المال الانتخابي.. عقاب رجال الأعمال لأوباما الجديد في تمويل هذه الانتخابات هو أداة جديدة أتاحتها المحكمة العليا في يناير 2010 وهي "اللجان العليا للعمل السياسي" المعروفة باسم "سوبر باكس" وهذه الهيئات يمكنها جمع الأموال بلا حدود لإعادة توزيعها على المرشح الذي يؤيدونه، مما يجعل من المتوقع أن تكون هذه الانتخابات هي الأكثر إنفاقا على الإطلاق. ورغم أن أوباما انتقد قرار المحكمة العليا حينها معتبرا أنه يفتح المجال أمام أموال المصالح الخاصة للتدفق في السياسة، لكنه اضطر إلى القبول بنفس القواعد والسعي لجمع أكبر قدر ممكن من الأموال، لكن سياساته المتعلقة بزيادة الضرائب على الأثرياء جعلت بعض أكبر رجال الأعمال يعتبرونه خصما لهم، فأكبر المبالغ المقدمة من أفراد حتى اليوم أتت لصالح الجمهوريين حتى أن إحدى مجموعات ال"سوبر باكس" جمعت من رجال الأعمال بمفردها 12 مليون دولار بمجرد إعلانهم سعيهم "إنقاذ اقتصادنا من سياسة أوباما"، لذلك في المجمل حسب الأرقام المعلنة حتى الآن تتفوق حملة رومني بنحو 25 مليون دولار على حملة منافسه. وما زال العالم كله يتابع تصاعد وتيرة المنافسة بين المرشحين، فهل حقا سيحدث أحدهما فارقا في أمريكا دولة المؤسسات الأكبر في العالم؟