عاجل- وزارة العمل: لا قرارات عشوائية في زيادة الأجور.. والمجلس القومي يجتمع قريبًا لبحث الحد الأدنى الجديد    استقرار أسعار الدواجن والبيض اليوم مع تراجع محدود لبعض الأصناف    استقرار سعر الدولار أمام الجنيه المصري في البنوك اليوم    خليل الحية: رعاية الرئيس السيسى وترامب تطمئن بصمود اتفاق غزة    المغرب يعزز العدالة الاجتماعية عبر توسيع الإنفاق على التعليم والصحة في 2026    وزيرا خارجية المغرب وروسيا: شراكتنا الاستراتيجية المعمقة بلغت أوجها    عضو الإسماعيلي السابق: المجلس الحالي ارتكب مخالفات جسيمة.. والوزارة انتصرت لرغبة الجمهور    شبانة عن تتويج المغرب بمونديال الشباب: "عندهم نظام.. واحنا عندنا أزمات"    موعد مباراة بنفيكا ونيوكاسل يونايتد في دوري أبطال أوروبا والقنوات الناقلة    إصابة 10 أشخاص إثر تصادم ميكروباصين بالبحيرة    امتحانات أكتوبر موحدة داخل الإدارات التعليمية وتقتصر على مقررات الشهر فقط    أصيب ب 44 غرزة.. محام دمنهور المعتدى عليه من أحد الأشخاص: نجوت من الموت بأعجوبة (فيديو وصور)    د.حماد عبدالله يكتب: أصحاب المصالح والصوت العالى "فى مصر" !!    يوسف شاهين يتصدر الترند بعد تصريحات جريئة من يسرا تكشف كواليس أول لقاء جمعهما وموقفه الصادم من لون شعرها    ثراء جبيل تخطف الأنظار في مهرجان الجونة.. تتصدر الترند بإطلالة أنيقة واستعراض حملها الأول    مواقيت الصلاة في أسيوط اليوم الثلاثاء 21102025    مصدر أميركي: انفجار رفح نجم عن خطأ "إسرائيلي".. ترامب يتدخل: المعبر يُفتح رغم التصعيد    بعد فشل الاحتلال فى معركة طوفان الأقصى…هل يسعى ناصر القدوة للقضاء على حماس بسلاح الدبلوماسية؟    كيف تعدل المركز الانتخابي قبل بدء التصويت في انتخابات مجلس النواب؟ الوطنية للانتخابات تجيب    تامر مصطفى ل في الجول: مباراة الأهلي صعبة ولكن    القبض على زوج ألقى بزوجته من شرفة المنزل في بورسعيد    السيطرة على حريق داخل مستشفى خاصة بالمنيا دون خسائر بشرية    أول تحرك من أوقاف الإسكندرية في محاولة سرقة مكتب بريد عبر حفر نفق من داخل مسجد    قرار عاجل ضد المتورطين في قضية شيكات المطربة بوسي    آلام الضهر تؤجل عودة عبد الله السعيد للزمالك    انتخابات الأهلي - ياسين منصور يكشف حقيقة استقالته من شركة الكرة.. ولقاءه مع توروب    حاصل على لقب "أستاذ كبير"، وفاة لاعب الشطرنج دانييل ناروديتسكي بعمر 29 عاما    هل تفكر هنا الزاهد في تكرار تجربة الزواج مرة أخرى؟ الفنانة ترد    فيضانات مدمّرة تجتاح ألاسكا وحاكمها يطالب ترامب بإعلان حالة كوارث كبرى (صور)    أهلي جدة يحقق فوزًا مهمًا على الغرافة في دوري أبطال آسيا    متى وكيف تقيس سكر الدم للحصول على نتائج دقيقة؟    متحدث الحكومة: نهدف لتيسير الخدمات الحكومية من أجل المواطن والمستثمر    أخبار 24 ساعة.. صدور قرارات جمهورية بتعيين قيادات جامعية جديدة    النواب البحريني: نتطلع لتهيئة مسار سلام يعيد الحقوق المشروعة لشعب فلسطين    بسمة داوود تكشف لتليفزيون اليوم السابع سبب توترها على الريدكاربت بالجونة    الموت يفجع الفنان حمدي الوزير.. اعرف التفاصيل    بالصور.. وزير الثقافة يقدم واجب العزاء في والدة أمير عيد    إرسال عينات الدم المعثور عليها فى مسرح جريمة تلميذ الإسماعيلية للطب الشرعى    زيلينسكي: نسعى لعقد طويل الأمد مع أمريكا لشراء 25 منظومة باتريوت    شوربة الشوفان بالدجاج والخضار، وجبة مغذية ومناسبة للأيام الباردة    تحالف مصرفي يمنح تمويل إسلامي بقيمة 5.2 مليار جنيه لشركة إنرشيا    جامعة قناة السويس تعلن نتائج بطولة السباحة لكلياتها وسط أجواء تنافسية    هل يشترط وجود النية في الطلاق؟.. أمين الفتوى يجيب    هل يجب القنوت في صلاة الوتر؟.. أمين الفتوى يجيب    أشرف عبد الباقي عن دوره في «السادة الافاضل»: ليس عادياً ومكتوب بشياكة    فى عيدها ال 58.. اللواء بحرى أ.ح. محمود عادل فوزى قائد القوات البحرية :العقيدة القتالية المصرية.. سر تفوق مقاتلينا    أول وحدة لعلاج كهرباء القلب بالفيوم    نقابة الأشراف تعليقا على جدل مولد السيد البدوي: الاحتفال تعبير عن محبة المصريين لآل البيت    متحدث الحكومة: سنبحث تعميم الإجازة يوم افتتاح المتحف الكبير    أمينة الفتوى: الزكاة ليست مجرد عبادة مالية بل مقياس لعلاقة الإنسان بربه    على الطريقة الأجنبية.. جددي من طريقة عمل شوربة العدس (مكون إضافي سيغير الطعم)    مركزان ثقافيان وجامعة.. اتفاق مصري - كوري على تعزيز التعاون في التعليم العالي    قرار وزارى بإعادة تنظيم التقويم التربوى لمرحلة الشهادة الإعدادية    الذكاء الاصطناعي أم الضمير.. من يحكم العالم؟    «العمل»: التفتيش على 1730 منشأة بالمحافظات خلال 19 يومًا    لعظام أقوى.. تعرف على أهم الأطعمة والمشروبات التي تقيك من هشاشة العظام    الرئيس السيسي يوجه بمواصلة جهود تحسين أحوال الأئمة والخطباء والدعاة    التنظيم والإدارة يعلن عن مسابقة لشغل 330 وظيفة مهندس بوزارة الموارد المائية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شوية هوا: النظارة السحرية.. لإحسان عبد القدوس
نشر في بص وطل يوم 11 - 01 - 2010


لم تكن لي مشكلة قبل أن أصل سن الثلاثين........
كنت إنسانا عاديا، نلت دبلوم التجارة، وعينت في وظيفة حكومية ووصلت إلى مرتب معقول.. خمسة وعشرين جنيها في الشهر، وكنت أقيم وحدي في شقة صغيرة بالدور الأعلى من عمارة كبيرة بميدان المحطة، وليس لي أطماع، ولا أضايق أحدا ولا يضايقني أحد، أو على الأصح، لا أحس بأحد، ولا يحس بي أحد.. وكنت أفكر في الزواج!!
ثم حدث أن جاء زميلي في العمل، الأستاذ عبد العظيم عبد المقصود وهو يحمل في يده نظارة معظّمة كبيرة.. نظارة كبيرة جدا.. ليست كالنظارة التي يحملها هواة سباق الخيل
ولكنها نظارة حربية مما يستعملها الضابط في الميدان.. أنها أقرب إلى سلاح حربي منها إلى مجرد نظارة... وهى بعين واحدة, وتطول وتقصر، ولها أرقام خاصة تضبط بها عدستها ولها حامل تثبتها عليه.
وبهرتني هذه النظارة....
لا أدري ما حدث، ولكني أمسكت بها، وأحسست أني أستطيع أن أكون أسعد إنسان في العالم لو استطعت أن أملكها...
وبدأ الأستاذ عبد العظيم عبد المقصود يشرح لي كيف تعمل هذه النظارة. ثم ثبتها أمام الشباك، وضبط عدستها، ونظر فيها ثم صاح:
- تعالى شوف الست اللي بتطبخ دي!.....
ووضعت عيني على النظارة، وقلت للأستاذ عبد المقصود:
- دي فين الست دي؟
وأشار الأستاذ عبد المقصود إلى عمارة بعيدة في شارع الساحة وقال:
- في العمارة اللي هناك.........
وازدادت دهشتي.. إننا ننظر أليها من نافذة الوزارة في ميدان لاظوغلي.. أي أن بيننا وبينها أكثر من أربع محطات ترام، ورغم ذلك فإنني أكاد ألمسها بيدي!!
وعدت أضع عيني على النظارة.. إني أرى المنديل الأخضر الذي تربط به رأسها، والجلباب الأصفر الملتصق بجسدها، وأرى الشبشب في قدمها.. إن لون الشبشب أحمر.. بل إني أستطيع أن أرى الطعام الذي تطبخه.. أنها تطبخ بامية!
ياهوه....
ورفعت عيني عن النظارة وأنفاسي مبهورة، وقلت لعبد المقصود بصوت متهدّج:
- تبيعها؟!!!
والأستاذ عبد المقصود رجل صعب، ظل يتدلل عليّ، وأنا أرجوه، بل أتوسل إليه، إلى أن قبل أن يبيعني النظارة بعشرة جنيهات، أدفعها له على قسطين، كل قسط خمسة جنيهات!!
وحملت النظارة كأني أحمل كل حياتي، وذهبت بها إلى غرفتي في أعلى العمارة الكبيرة بميدان محطة مصر، وثبّتها على سور الشرفة، وقضيت بقية اليوم وأنا أحاول أن أضبط عدستها!!!....
يااااه!.......
إني أستطيع أن أرى بها حتى شارع 26 يوليو.. إني وأنا أسكن محطة مصر، أستطيع أن أرى ما يدور داخل حجرات المحكمة العليا وما يدور في ملهى سيروس الذي يقع فوق سينما ريفولي..
و.........
وأخذت أوجّه النظارة إلى داخل البيوت التي تحيط بي، من خلال نوافذها!
إني أرى في النظارة سيدة شابة وبجانبها رجل يتناول العشاء في بيتها، لعل الرجل زوجها.. وهى تميل عليه، وتضع له الطعام في فمه، ثم تقبّله.. وهو يستدير لها ثم يحتضنها بذراعيه ويبادلها القُبَل ثم يعود إلى تناول العشاء...
و......
ما هذا؟؟!!!!
فتاة تخلع ثيابها.. وتتبعتها إلى أن اختفت من الغرفة.. لعلها دخلت الحمام... ثم عادت وارتدت ثوب النوم واستقلت في فراشها وأخذت تقرأ... إن عنوان الكتاب (حبي الوحيد) ثم أطفأت النور!....
و......
رجل عجوز.. يبدو أنه يوناني.. يتناول عشاء مكونا من زيتون و(مرتديلا ).. وبجانبه زوجته.. عجوز مثله.. أنها لا تأكل، ولكنها تتكلم... تتكلم كثيرا هذه المرأة!.
وظلت عيني فوق النظارة حتى الساعة الرابعة صباحا..
وعندما أُطفئت كل الأنوار ولم يعد هناك شيء أراه..
ونمت، لكنني لم أنم.. إنما أغمضت عيني لأستعيد مناظر الناس الذين رأيتهم.. الناس في حياتهم الخاصة.. في أدق تفاصيل حياتهم.. إن الناس مخلوقات عجيبة. مثيرة.. غير الناس الذين تلتقي بهم في الشارع!..
وفتحت عيني في الساعة السابعة ملهوفا، وجريت إلى الشرفة، وإلى النظارة.. وعدت أرى الناس، يتثاءبون، ويغسلون وجوههم.. بعضهم مكشّر، وبعضهم مبتسم....
هل تعرف.. من بين مائة شخص لا تجد واحدا ينزل من فراشه بنفس الطريقة التي ينزل بها الآخر.. وهل تعرف أن ليس هناك زوج يقبّل زوجته عندما يفتح عينيه في الصباح، بل أول ما يفعله هو أن يدير وجهه عنها...
إنها حياة عجيبة.. مثيرة.. حياة الناس الخاصة!!
وتنهدت إلى أن وصلت الساعة إلى الثامنة.. لقد تأخرت عن موعد العمل.. إنها أول مرة في حياتي أتأخر...
وارتديت ثيابي سريعا، وذهبت للوزارة.. ولم أقبل على التحدث لزملائي كعادتي.. إنما بقيت سارحا في الحياة التي رأيتها خلال النظارة.. بل إني لم أستطع أن أحصر ذهني في دوسيه واحد من الدوسيهات المكوّمة أمامي.. لم أؤد عملا.. وبقيت أتعجل ساعة الانصراف.. ثم انطلقت كالمجنون.. عائدا إلى النظارة!!!
ومرت الأيام....
وحياتي كلها محصورة في هذه العدسة الضيقة التي أُطل منها على حياة الناس الخاصة.. وقد عرفت هؤلاء الناس كما لم يعرفهم أحد، وكما لا يتمنّون أن يعرفهم أحد.. عرفتهم حتى كأني أصبحت أعيش معهم.. إني أعرف موعد عودة كل منهم.. وأعرف ماذا يأكل كل منهم.. وكم بدلة أو كم فستان في دولابه أو دولابها.. وأعرف مزاج كل منهم... وأعرف شذوذ كل منهم.. أعرف...
أعرف... آه لو ذكرت كل ما أعرفه عن هؤلاء الناس.. لو عرفوا كل ما أعرفه عنهم... لفضّلوا أن يقتلوني، وكنت ألتقي أحيانا ببعضهم في الطريق، فأهم أن أصافحه.. أحس كأنه قطعة من حياتي. إني أراه كما لا يرى نفسه. كما لم تره أبدا امرأته.. وأحيانا كنت أرى واحدا منهم يسير محترما مهابا، فأضحك.. أضحك ملء قلبي.. لقد رأيته بالأمس تحت قدمي امرأة، وأرى فتاة تسير في دلال ورقة، فأضحك.. لقد رأيتها بالأمس حيوانة شرسة مع أهلها!!!
ومرت الأيام......
ولم يعد لي سوى النظارة.... لا أصدقاء، ولا أقارب، ولا إحساس، ولا مزاج... لا شيء.. لا شيء.. كل شيء في هذه النظارة.....
ثم مرضت.......
ولم أستطع أن أقوم من فراشي لأطل من النظارة... وتعذبت.. الحقيقة انتابتني نوبة هستيرية كالتي تنتاب مدمن المورفين، عندما يعجز عن الوصول إلى المورفين.....
ولكن النوبة خفت في اليوم التالي... وحل محلها آلام المرض... إني مريض جدا.. وأنا وحيد في غرفتي... واكتشفت شيئا كنت قد نسيته...
اكتشفت أني لم أتزوج...
واكتشفت شيئا أخر.. اكتشفت أني أصبحت من الموظفين المنسيين، ولم أنل ترقية ولا علاوة منذ أكثر من عشرين سنة.... نعم..... لقد نسيت نفسي...
نسيت حياتي الخاصة، وأنا ملهوف على تتبع حياة الناس... والسبب؟!...
السبب هو هذه النظارة...
وانتابتني ثورة على النظارة.. يجب أن أتخلص منها..
يجب أن أحطمها... يجب أن أعيش حياتي أنا، لا حياة الناس..
وتحاملت على نفسي، وقمت من فراشي أحمل آلامي، واندفعت إلى الشرفة، وأمسكت بالنظارة بكلتا يديّ لألقي بها إلى الشارع... لأحطمها!...
ولكني قبل أن أنزعها من مكانها وضعت عيني على العدسة الصغيرة ولم أرفعها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.