حوالي مليار و700 مليون جنيه هو قيمة ميزانية مسلسلات رمضان التي ذهب أكثر من نصفها لجيوب النجوم؛ فهل تُدرك أن الشخص الذي يدفع كل هذه الأجور هو أنت؟! صحيح أن النجوم يأتون إليك في بيتك مجانا دون أن يتقاضوا "فيزيتا" كشف مثل الطبيب، أو "أوبيج" نظير المعاينة والتصليح مثل السباك والكهربائي، لكنك لو دققت في النقاط التالية ستُدرك أنك أوّل مَن يدفع فاتورتهم الباهظة؛ وذلك للأسباب الآتية:
1- أنت الذي يدفع وقته "الثمين" أمام التلفاز لمتابعة كل هذا الكمّ الهائل من المسلسلات، ومع كل دقيقة تمضي في متابعة مسلسل تفقد 60 ثانية من عمرك كان في إمكانك استغلالها في إنجاز أشياء أخرى؛ خصوصا أن كل الأمم المتقدّمة تقول Time is money (الوقت هو النقود)، لكن في حقيقة الأمر الوقت أغلى من النقود نفسها؛ إذ يمكن تعويض النقود مهما كانت، بينما لا توجد قوى في الكون كله يمكنها أن تعيد إليك لحظة فاتت من عمرك بلا ثمن.
2- تتخلّل مسلسلات رمضان فواصل إعلانية لا حصر لها عن آلاف السلع والمنتجات التي تقوم بعملية "غسيل مخ" لكل أفراد الأسرة في شهر رمضان الكريم الذي حوّلناه بعاداتنا الدخيلة وسلوكياتنا الخاطئة لأكبر شهر استهلاكي على مدار أعوام السنة.. وبدون نقودك التي تُنفقها على شراء هذه السلع والمنتجات، ووقتك الذي تمنحه لمشاهدة نجوم كل دورهم أن يبقوك من خلال فنهم أمام التلفاز في الفواصل الإعلانية ل"مسمرتك" أمام كل هذا الكمّ الممل من الإعلانات، لما أصبح لهذه المسلسلات وهؤلاء النجوم أي ثمن يُذكَر!!
3- أي قمر صناعي يمكنه قياس عدد أجهزة "الريسيفر" الموجودة على كل تردد تابع لأي قناة؛ بمعنى أنك في كل لحظة يمكنك معرفة عدد أجهزة "الريسيفر" التي تتابع القناة الفلانية الآن، وملاحظة المحتوى الذي تقدّمه هذه القناة، وبالتالي معرفة أكثر المسلسلات التي تحقق أعلى نسبة مشاهدة، وبالتالي أكثر النجوم نجاحا، وبالتالي ضغطة واحدة على الريموت من المشاهد -اللي هو حضرتك- هي التي تحدّد سعر النجم ومدى الإقبال الجماهيري عليه.
4- موقع ال"يوتيوب" وباقي المواقع التي ترفع مسلسلات رمضان على شبكة الإنترنت، ترصد نِسب مشاهدة وتحميل كل حلقة، وبالمثل يترتّب على ذلك معرفة أكثر المسلسلات مشاهدة، وأنجح النجوم في جذب الجمهور "اللي هو حضراتكم"؛ لتحديد كمّ الإعلانات القادر كل نجم على جذبها لمسلسله، ومنها تحديد سعره في السوق.
5- الدراما صناعة مثلها مثل باقي الصناعات قائمة على تعدد السلع المتنافسة، ومن حقك أن تقاطع السلعة الرديئة التي لا تناسب الاستهلاك الآدمي، وتقدّم ل"الزبون" الفائدة التي يبحث عنها، وهو ما يزيد من قوة التنافس بين المنتجين للعمل على إرضائك وتحقيق كل آمالك وتوقّعاتك في هذه السلعة، بما يعود عليك في النهاية بالنفع، بينما يتم اجتثاث باقي السلع المعيبة بعيوب التصنيع من جذورها وإلغائها من قائمة الطلبات.
أنت إذن النجم "الأصلي" الذي صنع كل هؤلاء النجوم "التقليد" بعمره وماله، وعندما تنتبه لذلك ستُدرك أنهم هم الذين يدورون في فلكك، حتى "يقفل" نجمهم ويخبو بريقه، ليرحلوا ويأتي غيرهم.
أنت أصل الأشياء وهم التوابع الذين جاءوا من أجلك، ودونك يصبحون صفر على الشمال، فلا تفرّط في وقتك أو تتفنّن في إضاعته أمام كل من هبّ ودبّ، ثم تندب وتتحسّر على حظك العاثر في بلد ظالم يمنح ملياراته وملايينه لوسط فني تصفه بأقذع الأوصاف، ثم تستعبد نفسك أمام أعماله الفنية وتجلس أمامها مسلوب الإرادة صانعا بعبوديتك ثمنا لكل هؤلاء.
وفي النهاية.. ليس العيب على نجم يتقاضى 10 أو 20 أو 30 مليون جنيه ما دام أنه يعرف أن المنتج الذي سيدفع له كل هذا المبلغ سيجني من ورائه أضعافا مضاعفة من المكاسب والأرباح التي تأتي من قنوات تدفع ثمنها من إعلانات تروّج لسلع وخدمات أنت الذي يدفع ثمنها من جيبه في النهاية، وإنما العيب كل العيب على مُشاهد يتابع أعمالا هابطة لنجوم من ورق، ثم يحقد على عيشتهم وأجورهم "المليونية" التي حصلوا عليها من خلاله، دون أن يدرك أنه النجم الحقيقي في مسلسل الحياة، وباقي الفنانين هم المشاهدون.