[صورة تظهر كتابة كلمة "سبحان الله" وكأن النمل هو من كتبها ] صورة تظهر كتابة كلمة "سبحان الله" وكأن النمل هو من كتبها فاجأتنا وسائل الإعلام أمس (الثلاثاء) بخبر لم يقف عنده الكثيرون من المصريين نظرا إلى انشغالنا بمتابعة تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور، حول اندلاع اشتباكات في تونس ممن وصفتهم وسائل الإعلام العالمية ب"السلفيين المتشددين" والشرطة التونسية. وسردت هذه الوسائل الخبر على النحو التالي: إن الاشتباكات اندلعت بين مئات من السلفيين الذين أغضبهم معرض فني يعتقدون أنه يهين المسلمين والشرطة، مما أثار توترات دينية في مهد الربيع العربي، حيث تُعد تونس هي الشرارة الأولى لربيع الثورات العربية والتي ثارت ضد حكم زين العابدين بن علي الذي صدر ضده حكم بالسجن عشرون عاما بتهمة التحريض على الفوضى والقتل والنهب. وجاءت الاشتباكات بعد يوم واحد من قيام مجموعة من السلفيين باقتحام معرض فني في ضاحية المرسي التونسية وتشويه أعمال يعتبرونها مسيئة. وأثار المعرض والهجوم على الأعمال الفنية توترات دينية في تونس شهدت العديد من المواجهات المتفرقة بين السلفيين والشرطة في الأشهر الأخيرة. وفرضت إثر ذلك الشرطة التونسية حظر التجول في بعض البلدان التي شهدت المواجهات العنيفة، حيث أعلنت وزارة العدل التونسية أن أعمال العنف والتخريب التي شهدتها تونس تعتبر أعمالا إرهابية، وأن من تم اعتقالهم في هذا الإطار سيحاكمون بموجب قانون الإرهاب، الذي أقر في عهد الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي. فتوقفت قليلا في محاولة لفهم المشهد ولماذا اندلعت هذه الاشتباكات؛ بحثت في كل مواقع الإنترنت التونسية وعلى كل مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر.. لم أجد سوى السباب بين الشباب المدافع عن حرية الرأي والتعبير في ظل الثورات التي تنادي بالحرية.. وشباب سلفي لا يريد أن يفهم سوى أن نصرة الدين لا تكون سوى بهذه الطريقة. ترقبت المشهد عن كثب ونحن على أعتاب انتخابات رئاسية تُجرى يومي السبت والأحد القادمين في جولة إعادة بين مرشحين أحدهما ينتمي إلى التيار الإسلامي حتى لو نفى عن نفسه هذه الصفة وبأنه قادم بالدولة المدنية، وآخر عسكري برتبة فريق ويرى نفسه قادما بالدولة المدنية. فقررت أن أبحث في قنواتنا الإعلامية وبرامج التوك شو عن متابعة لهذا الخبر لأفهم لماذا اندلعت هذه المظاهرات في تونس، وهل يمكن أن تنتقل العدوى إلى بلدنا خاصة أنه تم رفع قضية مؤخرا على الفنان عادل إمام بتهمة ازدراء الأديان، وهي تهمة فضفاضة، وتم الحكم عليه فيها بالحبس قبل أن يتم نقضه.. ولكنها كانت بادرة تنذر بواقع يحد من الحريات وإن لم يصل بعد إلى العنف. أعقبها قضية جديدة ضد الفنان الشاب أحمد عز بسبب فيلمه الأخير "حلم عزيز" بتهمة العيب في الذات الإلهية، وهي غالبا نفس التهمة التي اندلعت بسببها شرارة الاشتباكات الأخيرة في تونس. ولكنني تصورت خطأ أن إعلامنا سيحلل المشهد ويعلمني بالسؤال الذي ظللت أرددها "ليه طيب؟ إيه اللي جرى؟" وهو سؤال يأتي على ذهني كل فترة، خاصة في محاولات لفض اعتصامات مثل العباسية ومحمد محمود ومجلس الوزراء ويعقبها لجان تقصي حقائق لا تجيب على تساؤلي. وبالفعل وجدت من يتحدث عن الأزمة التونسية بطريقة "الولولة" في الجنازات.. ووجدت إحدى المذيعات المعروف عنها التنبؤ بالأحداث قبل وقوعها ترجونا بأن نضع المشهد التونسي أمامنا بدقة خاصة في ظل اختياراتنا للجنة التأسيسية للدستور، وتحدثنا عن أن تونس أساسا دولة علمانية، وترجو الشعب المصري أن يراقب ما تحولت إليه تونس "ونشوف الصراع والخناقة بين السلفيين وناس عملوا معرض لوحات أيا كان هذا المعرض وصل لأي مدى في عرض لوحاته".. أي والله المذيعة قالت كده، مش أنا. وآدي اللينك اتفرج بنفسك.. هنا ثم التقطت الريموت وقلت لنفسي: برضه لم تجب هذه المذيعة عن سؤالي "ليه ده حصل؟" بل هي حللت من وجهة نظرها وأرادت فقط توجيه الرأي العام إلى وجهة نظر واحدة منتشرة منذ فترة بالدعاية السلبية ضد كل ما هو إسلامي أو ما يعرف بالإسلاموفوبيا. فقررت الانتقال إلى قناة أخرى قادني إليها الريموت كنترول، وفجأة لقيت نفسي أمام زوج المذيعة الأولى، قلت: بس هو ده اللي هايجيب من الآخر وهيقول لي إيه اللي حصل في تونس. ولمدة 4 دقائق ظللت مشدوها من المقارنة الكارثية التي بدأ في عقدها بين ما حدث في تونس وما قد يحدث في مصر، وأن "الأحزاب السلفية التي هاجمت المعرض الفني تشبه حزب النور السلفي في مصر.. وأن حزب النهضة الحاكم الآن يشبه حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين وأن التيارين الدينيين في تونس بينهما صراع وإن بقالهم مدة حزب النور بتاعهم بيكسر في حاجات كثيرة في البلد.. وإن حزب الحرية والعدالة بتاعهم بيشن معركة عنيفة على حزب النور بتاعهم.. طيب أنا مابقولش حزب النور بتاعنا زي بتاعهم"، وما سبق ليس كلامي أيضا ولكنه كلام الإعلامي الكبير. هل فهمتم التلميحات التي يزجها الإعلامي الشهير كالسم في العسل لكن قال إنها "مجرد خناقة وهاتبقى نار على زيت حار"، ولكن برضه لم أفهم ماذا حدث. فقررت أن أترك التليفزيون بكل بلاويه.. وأتجه مرة أخرى إلى الإنترنت وموقعي المفضل تويتر.. وأخيرااااااااا وجدتها.. صورة.. مجرد صورة يقوم الإخوة التونسيون المعترضون عما يحدث في البلاد بتبادلها توضح اللوحة الفنية التي سببت "الخناقة الحامية الوطيس" في تونس. صورة تظهر كتابة كلمة "سبحان الله" وكأن النمل هو من كتبها على إحدى الحوائط ويتدلى منها ماكيت لطفل صغير يحمل حقيبة ويخرج النمل من حقيبته. المدافعون عن اللوحة الفنية يوضحون الهدف منها بأنها تعبر عن نمل يخرج من حقيبة طفل وكأنه يطلب العلم.. ويتخذ النمل لما يمثله من قيمة وأنه مذكور في القرآن مثالا له ليرسم النمل كلمة سبحان الله. لكن المعترضين من السلفيين على اللوحة يقومون بتبادل الصورة وتحتها تعليق آخر، وهو أنها "تمثل طفلا مشنوقا بكلمة سبحان الله.. المكتوبة بالحشرات".. وهناك تساؤل على الصورة، هل هذا اعتداء على الذات الإلهية؟ في النهاية أترك لكم حرية الإجابة.. وهل يمكن أن تصل بنا الحال في مصر إلى ما وصلت إليه تونس في صراع طائفي بهذا الشكل؟