كيميائي.. شاعر.. مخطط.. منظّر.. مقاتل... سمه من تلك الأسماء ما شئت، وأطلق عليه من تلك الألقاب ما تريد.. فكلها صفات وألقاب تجتمع في شخص واحد، وصفه خبراء الحركات المسلحة ب"الأسطورة".. إنه أبو يحيى الليبي كما ينادونه، واسمه الحقيقي المدرج في بطاقة هويته الشخصية محمد حسن قائد، الرجل الثاني والأخطر في تنظيم القاعدة، الذي قال مسئولون بالمخابرات الباكستانية أمس (الثلاثاء) إنه ربما يكون قد قُتل في هجوم شنّته طائرة أمريكية دون طيار في شمال غرب باكستان، ثم تأكد مقتله لاحقا. وبذلك يكون تنظيم القاعدة قد تلقى ضربةً موجعة في صميم تنظيمه بمقتل أبو يحيى الليبي الذي يُعدّ من أكبر المخططين للتنظيم، بعد زعيمه السابق أسامة بن لادن، بل ويُنظر إلى الليبي على أنه الرجل الثاني بعد زعيم التنظيم الحالي أيمن الظواهري. أبو يحيى رجل دين ليبي يحمل درجة علمية في الكيمياء، نجا من هجمات سابقة نفّذتها طائرات أمريكية دون طيار، وقالت مصادر أمريكية إنه كان هدفًا لضربة نفّذت في وقت مبكر من أمس الأول في منطقة وزيرستان الشمالية القبلية المضطربة في شمال غرب باكستان، وهي معقل لعدد من أكثر الجماعات المتشددة في العالم. وُلِد أبو يحيى الليبي عام 1963 في ليبيا، تعلّم ودرس الكيمياء وأصبح بارعًا فيها، سافر بعدها إلى أفغانستان في أواخر الثمانينات، وهناك انضمّ إلى الجماعة الليبية المقاتلة التي قاتلت القوات السوفييتية وسعت إلى الإطاحة بمعمر القذافي الزعيم الليبي آنذاك. توجّه الليبي بعد ذلك إلى موريتانيا ليدرس أحكام الإسلام قبل أن يعود إلى أفغانستان مرة أخرى لينضمّ إلى تنظيم القاعدة تحت قيادة أسامة بن لادن، وحركة طالبان تحت قيادة الملا عمر، واستخدم مؤهلاته الدينية لتبرير أعمال عنف متطرفة وتشويه سمعة العلماء الإسلاميين المعتدلين. وكان أبو يحيى الليبي متمكنًا في العديد من اللغات من بينها الباشتو والأردية والإنجليزية، وعمل كخبير في الإنترنت وتكنولوجيا المعلومات لدى حركة طالبان، فضلاً عن إجادته لكتابة الشعر، ونُشر له العديد من الدواوين الشعرية. حظي الليبي بشعبية واسعة لدى الجهاديين، وكان يتمتع بصفة دينية لم يحظ بها القادة الآخرون في تنظيم القاعدة، ولعب دور مسئول الدعاية للتنظيم، وبل وعثرت المخابرات الأمريكية في الوثائق التي كان بحوزة أسامة بن لادن بعد أن تمكّنت من قتله أن ابن لادن كان يستخدم أبو يحيى لتوجيه الجيل الجديد من شباب التنظيم في فروعه المنتشرة في العديد من الدول العربية مثل اليمن والمغرب العربي والعراق. في عام 2002 تمكّنت المخابرات الباكستانية من القبض على أبو يحيى الليبي، مستخدمةً في ذلك ترصّد المكالمات الهاتفية التي كان يجريها أو يتلقاها، والتي من خلالها تم تحديد موقعه، والقبض عليه. بعدها سلّمت السلطات الأمنية الباكستانية أبو يحيى الليبي إلى القوات الأمريكية المتمركزة في أفغانستان، والتي بدورها قامت بإيداع أبو يحيى الليبي في سجن قاعدة بجرام الجوية بأفغانستان، وهو السجن الذي يصفه خبراء العالم بالسجن الأكثر تأمينًا وأشد حراسةً في العالم.. ورغم ذلك، تمكن أبو يحيى الليبي من الفرار من سجن القاعدة الجوية الأمريكية في عملية هروب وُصفت ب"الهروب الكبير"! في ليلة 10 يوليو 2005 هرب أبو يحيى من السجن برفقة ثلاثة مقاتلين من تنظيم القاعدة آخرين، عن طريق استبدال ملابس السجن البرتقالية بملابس زرقاء كانت مخبأة في زنزانتهم التي فتحوا بابها وساروا في قاعدة "باجرام" متخفّين كجنود أمريكيين يحملون الأثاث، وتمكّنوا بعدها من الفرار من السجن الحصين. وبعد أن اكتشفت القوات الأمريكية الهروب، رصدت مكافأة مالية قدرها 5 ملايين دولار أمريكي، لمن يستدل على مكان أو حتى أي معلومات عن أبو يحيى الليبي. أما أبو يحيى الليبي فقد استغلّ قصة هروبه عن طريق وسائل الإعلام من أجل كسب الشهرة، كما استغلتها القاعدة في الترويج لأفكارها، وحينها انتشر صيته باعتباره مهندس عملية "الهروب الكبير". ونشر 17 تسجيلاً صوتيًا أو أشرطة فيديو بين عامي 2006 و2008 حدد فيها أهداف القاعدة على المدى الطويل وأولوياتها. وفي معرض تفسيرها لوضع مكافأة لكل من يعثر على الليبي، قالت إحدى دوائر وزارة الخارجية الأمريكية أن "الليبي كان المشجع الرئيسي في حركة الجهاد العالمية، ورسائله تنقل تهديدًا واضحًا لرعايا أمريكيين في كل أنحاء العالم". وهنا بدأ المخبرون الأمريكيون والباكستانيون يرفعون تقارير عن وجوده في منطقة وزيرستان شمال باكستان، والتي تعرّضت لعدة ضربات جوية أمريكية منذ مطلع 2008 باستخدام طائرات دون طيار، إلى أن تمكّنت -على حد زعمها- من مقتله ليل الإثنين الماضي 4 يونيو 2012، لتنهي حياة الرجل الثاني في التنظيم، في عملية تراها الاستخبارات الأمريكية بأنها الضربة الموجعة للتنظيم التي يتبقى بعدها أن القبض على أيمن الظواهري زعيم التنظيم الحالي أو التمكن من اغتياله سيكون الحلقة الأخيرة في القضاء على ذلك التنظيم على حد وصف الخبراء الأمنيين الأمريكيين.