دون مقدمات.. أنا أكره الكذب وأمقت الكذابين، وأبغَض الكذب عندي الكذب على النفس! أقول هذا بمناسبة ما أسمع وأرى من أهل السياسة والثوريين في ردّهم على سؤال كثر طرحه مؤخرًا: "هل لو كانت انتخابات الإعادة بين شفيق وحمدين أو شفيق وأبو الفتوح كنّا -معشر الثوار والسياسيين- سنطلب ضمانات من أحد المرشحين المنافسين لشفيق أم كنا سنقترح مجلسا رئاسيا مدنيا؟ لاحظتُ أنه فور طرح هذا السؤال تأتي الإجابة دون تفكير: "بالطبع كنا سنطلب ضمانات من الجميع"، والحقيقة أني لم أشعر بالصدق إلا لدى قلة ممن كانت هذه إجابتها! بينما كان الآخرون إما يكذبون على صاحب السؤال أو على أنفسهم؛ خشية أن يظهروا مظهر المتعصبين أو المتعنتين. أنا ممن يطلبون ضمانات من الإخوان؛ للموافقة على دعم مرسي في مواجهة شفيق، وأنا كذلك ممن يطالبون بفكرة المجلس الرئاسي المدني التي طرحها البرادعي منذ أشهر عدة. وعندما أطرح السؤال سالف الذكر على نفسي أو يُطرَح عليّ فإني أقولها فورًا بكل صراحة: "لو كان المرشح المنافس لشفيق في انتخابات الإعادة حمدين أو أبو الفتوح لم أكن لأطلب أية ضمانات لدعمه، ولم أكن لأطالب بالمجلس الرئاسي". أنا لا أخجل من أن أقول إنني لا أثق بجماعة الإخوان المسلمين، وأشعر بأن الإخوان "سيبيعوننا" مقابل أول صفقة مبهرة يلوّح بها العسكر لهم، مشكلتي مع الإخوان في ثلاثة أمور: الأول انفصالهم عن الصف الثوري خلال فترة ما بعد خلع مبارك، الثاني خطابهم السياسي العدواني ضد من خالفهم، خاصة تصريحاتهم المعادية للثوار والمتهمة لهم في وطنيتهم خلال أحداث محمد محمود وشارع مجلس الوزراء، وأخيرًا أسلوبهم المتعالي في التعامل مع باقي الفصائل السياسية، وهذه النقطة الأخيرة بالذات دفعتني لاتجاه مقاطعة الانتخابات بعد أن كنت أدعو بكل إخلاص لدعم مرسي في جولة الإعادة! وبالطبع يسارع "دراويش" الإخوان لاتهامي -أنا ومن يتخذ نفس الموقف- بالتعصب ضد الإخوان و"استقصادهم" والكيل بمكيالين فيما يتعلق بهم.. دون أدنى محاولة لفهم إجابة السؤال "لماذا نطلب من الإخوان ضمانات لا نطلبها من غيرهم؟".
عندما تجد أن فئة من الناس -أقلية أو أغلبية- لا تثق بك، وتتعامل معك بتشكك فإنك إن كنت معذورًا في الشعور بالظلم فإنك ملزم في كل الأحوال بالسؤال عن سبب هذا الجو من انعدام الثقة وسيطرة الريبة.. لو نظرنا لمن يطلبون الضمانات ويخشون انفراد الإخوان بالأمر لوجدنا أن أغلبهم من الفئات الآتية: من رفضوا حكومة الجنزوري وطالبوا بحكومة ثورة - من شاركوا في أحداث محمد محمود وأحداث شارع مجلس الوزراء - من نزلوا يوم 27 مايو 2011 للمطالبة بمحاكمة مبارك ورموز نظامه والقصاص من قتلة الثوار - من طالبوا بتسلم البرلمان السلطة كاملة من المجلس العسكري. أصحاب المواقف سالفة الذكر عانوا التفاعل الإخواني شديد العدوانية معهم.. فعلى سبيل المثال لا الحصر، تعرّضت الدعوة لمليونية 27 مايو 2011 لحملة شرسة من الإخوان بالذات، بلغت حدّ توزيع منشورات ضدها وضد من دعوا لها؛ بحجة أنهم "الفاشلون في اختبار الديمقراطية" (وهو ما كان مكتوبًا في المنشور الذي أمسكته بيدي، واعترف لي بعض الأصدقاء من الإخوان بأنه صادر عنهم بالفعل) فضلاً عن باقي الاتهامات الباطلة بالمنشور المذكور.. ومن رفضوا حكومة الجنزوري باعتبار أنه ينتمي للنظام القديم، وأنها لا تعبر عن الثورة جوبهوا بردّ فعل عدواني من الإخوان الذين قالوا إنهم يثقون بحكومة الجنزوري (قبل أن يتغير موقفهم بعد ذلك ويطالبوا بإقالتها باعتبار أنهم لا يثقون بها!!). ومن طالبوا الأغلبية الإخوانية بمجلس الشعب بتحمّل المسئولية وتولي إدارة شئون البلاد باعتبار أنها أغلبية منتخبة شعبيًا خرجوا بمظاهرة للمطالبة بذلك، فتعرضوا للضرب والعدوان من "كردون" بشري من شباب الجماعة؛ بحجة أن المتظاهرين كانوا ينوون اقتحام البرلمان! أما أحداث محمد محمود وشارع مجلس الوزراء فقد شهدت تصريحات عدوانية من جانب الإخوان، ليس من الحكمة -ولا الأخلاق- أن تُطلَق بينما شبابنا يموت بالرصاص ويفقد أعينه بالخرطوش ويختنق بالغاز.. لم أطالب الإخوان بالمشاركة في تلك الأحداث.. وأنا أحترم حقهم في الوقوف على الحياد ورفض التدخل باعتبار أنهم -على حد قولهم- كانوا يريدون تجنيب الوطن مزيدًا من إراقة الدماء، ولكنهم لم يكتفوا بالحياد، بل كانت تصريحاتهم المتهِمة للثوار في وطنيتهم تعطي شرعية لاستخدام القوة القاتلة ضدهم! وبعد كل هذا تعتبرون أننا نظلم الإخوان بطلب الضمانات؟ عفوًا أيها الإخوان ويا من يتحيزون لهم.. ولكن أيًا كانت المبررات للمواقف الإخوانية سالفة الذكر، فإن ثمة واقعا يقول إنها -تلك المواقف- آذت فصائل سياسية وثورية أنتم تحتاجون إلى دعمها اليوم.. فبدلاً من الغناء على نغمة الإحساس بالظلم وحقد الآخرين عليكم وتاريخكم الثوري إلخ إلخ... تعاملوا مع الواقع بواقعية لا بعنجهيتكم المعتادة مؤخرًا؛ لأنكم تعلمون كما نعلم أن الخطر محيط بالجميع، وأنكم بالذات الخاسر الأكبر.. فلنقلها بصراحة: نحن معشر الثوريين اعتدنا مواجهة الخطر والمبيت في الشارع ومواجهة الموت، بينما أنتم "أُترَفتُم" بعد الثورة واستعجلتم جني الثمار والاستمتاع بالكراسي، فأصبح لديكم ما تخافون عليه من الخسارة، بينما نحن لا شيء لدينا نخسره على الإطلاق.. أنتم تحتاجون إلينا إذن أكثر مما نحتاج إليكم، وعليكم التعامل معنا على هذا الأساس! أكررها بصراحة شديدة: لو كان المرشح المنافس لشفيق في الإعادة هو أبو الفتوح أو حمدين ما كنت -وما كنا- لنفكر في طلب أية ضمانات.. فالضمانات تُطلَب ممن يُخشى انقلابه وممن خبرنا غدره.. ومع الأسف فرفاق الأمس -الإخوان- قد "لسعونا" بهذا وذاك خلال الأشهر الماضية.. وعليه فإني لا أرى أي ظلم لهم ولا أي تعصب ولا كيل بمكيالين في أن نطلب منهم الضمانات.. وتعليق بعضهم على ذلك بأن "الإخوان حين دعموا حمدين في انتخابات مجلس الشعب قبل الثورة لم يطلبوا ضمانات"، أو "وماذا لو لم نقدم ضمانات.. هل ستنتخبون شفيق؟" هما تعليقان ساذجان.. فبالنسبة للأول على الإخوان أن يدركوا أن القوى الوطنية -ثورية وسياسية- تنظر لهم فيما بعد الثورة نظرة مختلفة عن تلك قبلها، فبينما كانوا قبلها فصيلاً وطنيًا يقف معنا في نفس الخندق ويحمل القسم الأكبر من النشاط الثوري، فقد تحولوا بعدها لفصيل لا يبحث إلا عن مصلحته -حتى لو كان يقصد من ذلك تمهيدًا لخدمة الوطن- ويقف دائمًا من الفصائل الثورية موقفًا عدائيًا إلا لو كانت له مصلحة في غير ذلك. وأما عن التعليق الثاني ففي رأيي لا يوجد شخص يحترم الثورة يستطيع أن يفكر مجرد التفكير في انتخاب رجل ينتمي لنظام مبارك ويتشدق حتى الآن أن مبارك هو مثله الأعلى.. وأن يكون لسان حال الإخوان مع باقي الفصائل هو "ليس أمامكم إلا دعم مرسي غصبًا عليكم وإلا فلتذهبوا لشفيق"، هو جزء من الخطاب السياسي الإخواني المتعجرف الذي ينفر من يستمع إليه! نعم.. نحن نطلب الضمانات.. ونطلبها منكم أنتم بالذات.. فبدلاً من إضاعة وقتكم ووقتنا في الحديث بطريقة "موتوا بغيظكم" و"ستسير سفينة الوطن بدونكم" و"أنتم تغارون من نجاحنا"... إلى آخر هذا الهراء الفارغ، ابحثوا بالفعل عن أسباب عدم ثقتنا بكم، وتعاملوا معنا كشركاء لكم لا كمجرد أتباع أو كويكبات صغيرة مجبرة أن تسير في ركاب الكوكب الكبير الذي تحسبونه أنتم! أرجوكم اكسبوا هذه الفرصة الأخيرة لتربحوا ثقتنا بدلاً من حالة البارانويا السياسية التي تعيشونها وتتعاطونها ليل نهار! ونداء حار للرفاق الأعزاء بالتيارات الثورية والسياسية.. إياكم والكذب.. قولوا الحقيقة مهما كانت، ولا تحاولوا تجميلها حفاظًا على مظهركم؛ فالوضع الآن لا يحتمل الاهتمام بالشكليات! فإن لم تكن لكم الشجاعة الكافية للاعتراف بأنكم تطلبون ضماناتكم من الإخوان بالذات، فلا تتحدثوا باسم الثورة فالثورة لا تقبل الكذب باسمها!