أنا المواطن وليد محمود فكري.. شاركتُ في ثورة 25 يناير 2011.. شاركت كذلك في الفعاليات الثورية بعد ذلك.. وأصبت في إحداها.. أنا من الثوار.. أنا لديّ مشكلة مع الإخوان! أرى أنهم خانوني وطعنوني في ظهري عندما كنت أواجه خطر الموت أكثر من مرة ولم يكتفوا بالصمت والمشاهدة، بل اتهموني بأني أريد إثارة الفوضى وإسقاط الشرعية وضرب الديمقراطية.. أعطوا بتلك التصريحات الشرعية لمن خنقني بالغاز وفقأ أعين رفاقي بالخرطوش وقتل آخرين بالرصاص وسحل إخوتنا على الأسفلت.. أنا المواطن وليد محمود فكري.. مواطن مصري وشاب من الثوار.. ولست وحدي.. مثلي الآلاف وربما الملايين من المواطنين الثوار يشعرون بنفس الغصّة ولديهم نفس الكتلة السوداء في الصدر تجاه الإخوان!
السؤال الآن: لماذا لا يحاول الإخوان البحث عن الأسباب الحقيقية لمشكلتنا معهم؟ كيف يمكن تجاهُل المشاعر السلبية لفصائل ثورية كاملة ولأعداد غفيرة من الثوار بل والمواطنين المشاهدين فقط؟ مع الأسف فإن الغالبية العظمى منهم تسوق أسبابًا أبعد ما تكون لمشاعرنا السيئة تجاه الجماعة: 1- أننا حاقدون على نجاح الإخوان في حصد عدد كبير من مقاعد مجلسي الشعب والشورى، ونريد تعويض "فشلنا" بتشويه سمعتهم! 2- أننا زمرة من الأوغاد العلمانيين نخشى أن ينمو ويكبر التيار الإسلامي ممثلاً في جماعة الإخوان المسلمين. 3- أننا مجرد ثوار متحمسين سُذّج لا نفهم في السياسة ولا متطلباتها. بالتالي فإن تعامُل الجماعة مع المعارضين لها يتلخص في الاتهامات الثلاث السابقة، ويتجلّى إما في السخرية من المعارض أو مهاجمته في شخصه بشراسة أو "موتوا بغيظكم"، وهذه الأخيرة بالذات تجعلني أشعر بأني مشتبك في مشاجرة ضرائر وأن غريمتي اسمها "كايداهم"! ثم إن تكرارها بهذا الابتذال فيه إساءة للقرآن الكريم بوضع كلماته في غير محلها! بحق الله، هل هذه طريقة تفكير أو تعامل فصيل سياسي يرغب في أن "ينهض" بدولة مثل مصر أو يحمل لها "الخير"؟!! بغضّ النظر عن اتفاق أو اختلاف القارئ العزيز مع مواقف الإخوان التي قلبت ضدهم الشريحة الأكبر من الثوار، لكن من أساسيات الحكم في أية دولة تحترم نفسها أن تدرك الفئة الحاكمة أن عليها التعامل بجدية وعملية وسرعة مع أية مؤشرات على وجود معارضة لها في هذا الموضوع أو ذاك، فعلى المستوى الوطني هذا واجبها الوطني ومسئوليتها أمام الشعب كله، وعلى المستوى الخاص فإن مصلحتها ترتبط بسرعة حل أية مشكلات قد تؤثر سلبًا على شعبيتها سواء على المدى القريب أو البعيد.. أما ما يفعله الإخوان فهو أنهم يخدّرون أنفسهم بنشوة النصر الانتخابي السابق، ويهملون بذل أية مجهودات جدّية للحفاظ عليه أو مضاعفته، وردود الأفعال الإخوانية من نوعية "موتوا بغيظكم" أو "أنتم لا تفهمون في السياسة ولا تدركون عمق رؤيتنا" و"أنتم حاقدون علينا" هي أولاً من التراث الأسود للنظام السابق، وثانيًا فإنها بمثابة الضغط الذي يولد الانفجار، والله وحده يعلم إلى ماذا قد يؤدي هذا الانفجار وبمن سيطيح وعلى أي قدر من العنف قد يكون!
ومما يُظهِر مدى ابتعاد التفسير الإخواني للمعارضة عن الواقع كيفية تفاعلهم مع مسألة انتقاد دفعهم بمرشح لانتخابات الرئاسة، أعترف أن البعض اعتبر أن محور رفضه هو عدم التزام الإخوان بكلمتهم حين قالوا إنهم لن يرشحوا أحدهم للرئاسة. والحقيقة أني أرى هذا نقدًا ساذجًا، فثمة مساحة متاحة سياسيًا لتغيير المواقف بلا غضاضة، ولكن المشكلة أن الإخوان أمسكوا في هذا القول وحده، واعتبروا أن السبب الوحيد لانتقادهم هو مخالفتهم تصريحاتهم السابقة، وبدأ جزء كبير من دعايتهم يتمحور حول الرد على هذا الاتهام. والحقيقة أن ثمة أوجها أخرى للنقد مثل تفتيت الأصوات المحسوبة على الثورة ودعم مرشح مشكوك في ما إذا كان ولاؤه سيكون للجماعة أم للدولة... وغيرها. هل غفل الإخوان عن مثل هذه الانتقادات الأكثر قوة واستحقاقًا للانتباه من النقد الساذج لتغييرهم كلمتهم؟ أم إنهم فعلوا مثل جحا حين أضاع مفتاحه في الشارع المظلم فذهب للبحث عنه في الشارع المضاء؛ لأنه أسهل؟!
لو أننا افترضنا أن مواطنًا دخل في غيبوبة عميقة قبل ثورة 25 يناير ثم أفاق منها اليوم، وقيل له إن الحزب الحائز للأغلبية البرلمانية يتعامل مع المعارضة باتهام المعارضين بأنهم قلة حاقدة لا تفهم المتطلبات الدقيقة للمرحلة، ولا تجيد ممارسة السياسة، ماذا تتوقعون أن يكون رده سوى أن يهز رأسه بأسى ويقول بتلقائية شديدة هكذا الحزب الوطني طوال عمره؟! ولا يقولن لي أحد لا داعي للتشبيه فالدوافع مختلفة، يا عزيزي أنا لستُ منجِّما ولا عرافًا ولا أنا أضرب الرمل أو أوشوش الودع.. أنا لي التفسيرات المنطقية المترتبة على المواقف المادية المباشرة، أما النوايا فعند الله تعالى، كذلك أنا لستُ إخوانيًا لأكون مطالبًا بالثقة العمياء في "حكمة" القيادات المحركة لسياسات الإخوان، ولا أنا ممن صوّتوا للإخوان على أساس الثقة، وكوني في نظرك أقلية لا يعطيك الحق في أن تعاملني باعتباري كمّا مهملاً. أنت في البرلمان ممثل لكل المصريين، وكفصيل سياسي أنت تتحدث في برنامجك ورؤيتك عن كل المصريين، بالتالي فإنك ملزم بأن تنظر لي بجدية ولمعارضتي باحترام ولو كنت وحدي ضدك! ثم بحق الله ألا تشعرون -معشر الإخوان- حقًا بالخطر؟ ألا يقلقكم أن الغالبية العظمى من الفصائل السياسية والثورية قد بلغ بها الأمر أن أبغضتكم وكادت أن تضعكم مع النظام في خانة واحدة؟ ألا يخجل أحدكم حين أقول له هذا أن يجيبني بكل تبجّح كم تبلغ شعبية كل هذه الفصائل مجتمعة أو كم يبلغ تأثيرها مقارنة بنا؟ حقًا؟ نحن قبائل النمل إذن وما علينا إلا أن ندخل مساكننا كي لا تحطمونا وأنتم لا تشعرون؟ ألا تختلطون بالناس في الشارع وترون الكم المخيف من الهجوم القاسي عليكم؟ هل تعلم -عزيزي القارئ- أن المنطقة التي أعيش بها بمدينة الإسكندرية كانت معقلاً من معاقل الإخوان لسنوات عديدة، ثم شهدتُ فيه مرتين خلال أقل من أسبوعين تجاهلاً بل وازدراءً من الأهالي لحملة د.محمد مرسي أعقبه طرد مهين لها؟! أليس هذا شيئًا مقلقًا لأي فصيل سياسي يحترم نفسه؟ وأرجوكم لا داعي للاستشهاد بالأعداد الغفيرة التي تحضر مؤتمرات د.مرسي الدعائية، فالكل يعلم أنكم تحشدون أنفسكم لتخطبوا لأنفسكم وتهتفوا لأنفسكم وتصفقوا لأنفسكم، ثم تعودون لتنشروا أن جموع المصريين سدّت عين الشمس في مؤتمراتكم! وما يزيد ضيقي أني حين أدخل في مناقشة من هذا النوع مع صديق إخواني أو أي من أتباعهم أجده يغيّر الموضوع ويقول لي: "يا وليد نحن نريد أن نعود لنتّحد يدًا واحدة كما كنا، وكفانا شقاقًا". هذا القول بالذات يرفع ضغطي، فالمثل يقول "بعد العيد ما يتعملش كحك"، لماذا لا يظهر هذا الكلام عن الاتحاد بينما كان الثوار يواجهون الخطر في محمد محمود وشارع قصر العيني ولا يحلو للإخوان ترديده إلا قبل الانتخابات وعندما يتعرضون للنقد القاسي المصحوب بالدليل والبرهان؟
أرجوكم إذن -معشر الإخوان- لو أنكم تريدون أن تقدّموا نموذجًا إيجابيًا تبهرون به العالم وتحملون به الخير... إلخ إلخ إلخ.. فإن أبسط أساسيات ذلك أن تتعاملوا مع النقد الموجّه لكم بجدية وأن تظهروا بعض الاحترام -ولو بالتمثيل- لمن يعارضكم، أما ما تفعلون الآن فهو أشبه بالفيلم الشهير الذي سعى فيه أحد الأبطال لعلاج عجزه بالوقوف أمام المرآة وترديد "أنا جامد.. أنا شديد.. أنا زي الفل"! هداكم الله وإيانا!