كلنا الآن نحاول تخيل السيناريوهات المُحتملة المترتبة على تولي أي من المرشحين "الجادين" للرئاسة حكم مصر، السيناريوهات تتوزع بين التفاؤل المفرط والتشاؤم الشديد مرورًا ببعض الاعتدال.. لكل منا سيناريو على المستوى الوطني العام وآخر على المستوى الشخصي، يلتقيان في نقاط وينفصلان في أخرى.. ولكل سيناريو المعطيات المُكَوِّنة له كصورة ذهنية في خيال صاحبه، تؤدي به للتوقعات أو المخاوف أو الآمال..
وخلال الأيام القليلة الماضية أضيف لنا سيناريو تولي خيرت الشاطر الرئاسة، وفرضت معطيات عدة نفسها على هذا التخيُل فأضافت له بالسلب أو الإيجاب..
وأثناء تقليبي تلك المعطيات عثرتُ على حديث للمهندس خيرت الشاطر إلى "جريدة لوفيجارو الفرنسية" بتاريخ 26 يناير 2012 (اضغط للوصول إلى نص الحديث باللغة الفرنسية) وأثناء قراءته استوقفتني فقرة شديدة الخطورة، حيث سُئِلَ عن سبب تأخير تسليم المجلس العسكري للسلطة عن ستة أشهر كما تعهد فقال: "من المنطقي جدًا أن يتعرض الجدول الزمني لأسباب جديدة للتأخير؛ بسبب المجموعات الساعية لنشر الفوضى في مصر. لقد رأينا بأعيننا ماذا فعلوا في أواخر نوفمبر في ميدان التحرير، ومواجهتهم للشرطة في شارع محمد محمود، وهذا قبل الانتخابات مباشرة، بل وأيضًا قاموا بمهاجمة مبنى مجلس الوزراء في ديسمبر". النصّ الفرنسي لمن يرغب في ترجمته بنفسه للتأكد: "Il est très possible que le calendrier connaisse de nouveaux retards à cause notamment de groupes qui tentent de semer le chaos en Egypte. On les a vus à l'œuvre fin novembre sur la place Tahrir، affronter la police rue Mohammed-Mahmoud، juste avant les législatives ou encore attaquer le Conseil des ministres en décembre" والحمد لله أن العبد لله يجيد الفرنسية بطلاقة منذ الصغر، لهذا فأنا واثق مما ترجمته..
ربما تبدو الفقرة للبعض تافهة، وربما هي -من وجهة نظر البعض الآخر- تحتمل تأويلات عدة، ولكني -مع احترامي للجميع- أختلف مع هذا الرأي أو ذاك، فحديث قيادي بجماعة الإخوان المسلمين ليس بالتافه إطلاقًا، سواء اتفقنا مع مضمونه أم لا، وأهمية كل كلمة تتضاعف بانتقال صاحبها لخانة "مرشح للرئاسة"..
كما أن بعض التعبيرات والمفردات البسيطة يمكنها أن تؤثّر في مضمون وقصد العبارات، فهو هنا تحدّث بعمومية عن كل من كانوا في التحرير ومحمد محمود وأحداث مجلس الوزراء.. لم يتحدث حتى عن فئات مندسّة، وهذا مفهوم من الرجل الثاني في فصيل سياسي اعتاد منذ بدء الانتخابات اتهام أية تظاهرة بأنها "ضد الشرعية"!
هذا فضلاً عن أننا بعملية حسابية بسيطة نستطيع أن نكتشف ثغرة عميقة في إجابة المهندس خيرت الشاطر، فالسؤال تحدّث عن تأخر تسليم السلطة عن "ستة أشهر" -أي في شهر أغسطس أو سبتمبر على أقصى تقدير-بينما يتحدث المهندس خيرت عن أحداث جرت بعد ذلك بأشهر ويلقي على أبطالها اللوم على تأخير تسليم السلطة.. هل لاحظ هذا وتجاهله، إذن فهي كارثة، أم لم يلاحظه، وهي مصيبة؟!
قرأتُ الفقرة أكثر من مرة.. وتمتمتُ بقلق: "ده إحنا كده نبقى داخلين على أيام سودا!".
وللأمانة فإن باقي الحديث رائع.. كلام ممتاز عن تسليم السلطة ووضع المؤسسة العسكرية في الدولة واحترام مطالب الثورة... إلخ. أي أن الرجل تحدث باسم الثورة ولكنه قذف الثوار! *** خمس تهم إذن تنتظرنا -معشر الثوار- لو أصبح خيرت الشاطر رئيسًا..
فأولاً: سيُعتبر أي تظاهر أو اعتصام "خلقا للفوضى"..
وثانيًا: فإن التظاهر أمام مبنى رسمي سيُعتَبَر مباشرة محاولة لمهاجمة المبنى..
وثالثًا: فإن مجرد اعتداء الشرطة أو الجيش على المتظاهرين سيكون فعلا يعاقب عليه القانون.. ولكنه سيعاقب المتظاهرين باعتبار أنهم من احتكّ بالأمن!
ورابعًا: فإنه حيث إن المهندس خيرت الشاطر قد تكلّم في الحديث باسم الثورة، ولكنه اتهم الثوار بالفوضوية، فإن هذا يقودنا لنتيجة عبقرية هي أن المهندس خيرت الشاطر إذا تولى الرئاسة فإننا كثوار قد نُتَّهَم بالتآمر على الثورة (!!)
أما التهمة الخامسة فهي غير مرتبطة بالمهندس الشاطر بقدر ما هي مرتبطة بالجماعة، وهي -بطبيعة الحال-ازدراء الأديان؛ حيث إن خيرت الشاطر -على حد قول مرشد الإخوان- مستجاب الدعوة، وهو "يوسف هذا العصر" بالتالي فمن ينتقده سيكون "فاسقا مارقا رويبضة موتوا بغيظكم"! ****
هل ترى كلامي هزليًا سطحيًا؟ الحقيقة أنني كنت أرغب لو أعطتنا جماعة الإخوان أسبابًا لنحتاج للتعمق في التفكير والتحليل قبل أن نسيء الظن بها وبمرشحها! ولكنها -من وجهة نظري- قد صارت تتصرف بشكل شديد الفجاجة ضد الثوار وتحركاتهم، فلا تنتظر مني أن أحسن الظن بفصيل سياسي ترك عيوننا تُفقأ في محمد محمود وأجسادنا تُسحَل في أحداث مجلس الوزراء، واتهمنا في مليونية 27 مايو بأننا "الفاشلون في اختبار الديمقراطية"، وسلّط علينا "قبضاياته" حين تظاهرنا لنطالبه هو -شوف حكمة ربنا يا مؤمن- بتسلّم السلطة باعتباره صاحب الأغلبية وهو مستعد لنا دومًا بتهمة "معاداة الشرعية".. فصيل كهذا لا تستفزني بطلبك أن أحسن الظن به إلا لو اعتذر وأظهر التوبة النصوح! *** أثناء كتابتي المقال الآن، أخوض مع صديقي وزميلي محمود الغنام مناقشة على فيسبوك حول أن حوار خيرت الشاطر مع "لوفيجارو" لا يمكن اختصاره في تلك الفقرة، وأنه يتضمن كلامًا جيدًا عن إعادة هيكلة مؤسسات الدولة والوضع الدستوري للجيش والعلاقات الخارجية... إلخ. هو يرى هذا، ويبرر تصريحات خيرت الشاطر بأن الإخوان آنذاك كانوا يتبنون نظرية أن كل من شارك في فعاليات أحداث محمد محمود وأحداث مجلس الوزراء إنما فعل ذلك لتعطيل الانتخابات.. وأنا -مع احترامي لرأيه- أحيله لمقاله الرائع "لماذا لا يعتذر الإخوان" وأطرح عليه نفس السؤال.. كما أني أتساءل بفطرية شديدة: "هل يُعقَل أن يُظهِر شاب "فوضوي" من الاستبسال والفدائية لغرض "تعطيل الانتخابات" مثلما أظهر لغرض "خلع مبارك"؟ بصراحة تبرير الصديق محمود الغنام -ومن يرى رأيه- غير مقنع لي؛ حيث إنه عند المقارنة بين المكاسب والأهداف فإنه لا شيء يساوي حقن الدم وصون النفس البشرية، ومن يضع روح الإنسان في مقارنة مع مكسب انتخابي هو أبعد ما يكون عن استحقاق ثقة الشعب! وعودة لحوار الأستاذ خيرت الشاطر، فإني -كما أسلفت الذكر- لا أغضّ البصر عن الكلام الجيد الذي قيل في الحوار، ولكني كذلك لا أستطيع ألا أحاول تحليل تفكير الرجل المرشح للرئاسة حين صدرت عنه تلك الكلمات الخطيرة عن الثورة والثوار.. البعض سيتهمني بأني "أقف على الواحدة".. ولكن يا شباب ألم يخرب بلادنا لعقود أننا لم نقف لحكامنا على الواحدة؟!
هل أنا حقًا أقف على الواحدة للرجل؟ ما بالنا إذن بقول الرسول عليه الصلاة والسلام أن أحدنا قد يقول الكلمة لا يدري ما هي يهوي بها في النار سبعين خريفًا؟
أنا لا أعرف الملابسات والظروف الداخلية الدافعة للمهندس خيرت الشاطر ليقول ما قال.. لكني أعرف أنه وجماعته مدينان لنا جميعًا باعتذار عن كل الاتهامات التي من تلك النوعية لنقبل أن نفتح الباب لحسن الظن بهم وعدم افتراض سوء النوايا!
فإن لم يفعل ولم تفعل الجماعة فلا تلومونا على إساءة الظن وانتظار الأذى ممن آذونا بالقول من قبل! فالمؤمن لا يُلدَغ من جُحر مرتين!