منذ بدأت الثورة المصرية في 25 يناير 2012.. والمصريون يمزحون بأن الإجابة تونس. فرغم قيام عدد آخر من الثورات العربية فيما عرف بالربيع العربي في كل من ليبيا واليمن وسوريا فإنه ظل دائماً النموذج الأقرب للنجاح هو تونس.. ولنذهب بجولة داخل شوارع تونس ومدنها؛ لنتعرف على الثورة التونسية ونرى كيف قامت الثورة التونسية بحلّ معضلات أي ثورة من برلمان وجمعية تأسيسية وانتخاب رئيس.
وبدأت الثورة وكانت البداية عندما قامت شرطية تونسية بضرب بوعزيزي بائع الخضر الذي لم يستطيع أخذ حقه فأشعل النار بنفسه، ومع تداعيات الموقف اشتعلت الثورة.
28 يوماً من الاحتجاجات والاعتراضات رفض فيها الجيش التونسي المشاركة في فضّ التظاهرات، ودافع عن المواطنين ضد الشرطة بموقف إيجابي؛ فوقف رجال الجيش في وجه الشرطة لحماية المواطنين، في موقف فرق كثيرا مع الثوار وأعطاهم القدرة على الصمود.
وفي 14 يناير 2011 هرب بن علي إلى السعودية، ليحتفي الشعب التونسي بكون تونس أول دولة عربية منذ عقود تخلع رئيسها بإرادتها الحرة.
السؤال: من يتسلم إدارة البلاد؟ وكانت الأقاويل تتطاير حول من سيتسلم السلطة في تونس؟ هل هو الجيش؟ هل الوزير الأول؟ هل البرلمان؟ والواقع أن الإدارة بالفعل انتقلت إلى محمد الغنوشي -الوزير الأول- أولاً ثم جرى الاتفاق على نقلها إلى رئيس مجلس النواب فؤاد المبزغ، متفقين على أن تجرى انتخابات رئاسة في ظرف 60 يوما.
التحالف والعزل يقضيان على فلول تونس وقد حاولت قوى الفلول في البداية وقبل أن تستقر الثورة تماما أن تهدم الثورة تونسية وتعيدها إلى الخلف، فتحالف الحزب الحاكم والمعارضة التقليدية وحاولوا تعطيل الثورة، إلا أنه في 25 فبراير 2011 حدث اعتصام كبير في ساحة القصبة كحركة تصحيحية سريعة لمسار الثورة، وفي هذا الاعتصام وقع نوع من الاندماج بين مطالب القوى السياسية الراديكالية التي هي قوى يسارية وقومية وإسلامية وإلى حد ما ليبرالية وشباب ثورة 14 يناير، وتبنت القوى الثورية كافة المطالب العادلة للثورة لتقضي على فرص الفلول في القفز على الثورة وإحباطها.
وهكذا فقد اتفقت القوى الثورية المتحالفة على أهم الخطوات للقضاء على الانقلاب على الثورة؛ حيث قاموا بتطبيق إجراءات العزل السياسي على أعضاء حزب التجمع الدستوري المنحل (الحزب الحاكم أيام بن علي).
هل يستمر البرلمان؟ بعد استقرار الأمور نسبيا في تونس بدأ التفكير في الخطوة القادمة وهي البرلمان، فرغم أنه في البداية ظل البرلمان كما هو لم يحل، لكنه بعد مطالبات شعبية تم حله وتجميده، وتم انتخاب المجلس الوطني التأسيسي في 23 أكتوبر 2011 ليحكم بدلاً منه ويقوم بدوره. وجرت الانتخابات داخل المجلس التأسيسي، ليتولى مصطفى بن جعفر رئاسة المجلس التأسيسي.
القوى السياسية تتوافق ليكون الدستور لجميع التونسيين وهنا جاءت الخطوة الأهم في تاريخ تونس وفي تاريخ أي ثورة، لكونها لا تؤسس للحاضر ولكنها تعد انتصارا وتأسيسا للمستقبل وهي كتابة الدستور، فالمجلس التأسيسي بطوائفه المختلفة وعدد أعضائه 217 عضوا وظيفته ليس فقط القيام بمهام البرلمان، بل وصياغة الدستور أيضاً.
حيث وللمرة الثانية يحدث توافق بين القوى السياسية بغرض خروج الدستور معبّرا عن تونس والشعب التونسي لا تيار واحد، ولذلك ففي 21 نوفمبر 2011 حدث توافق بين القوى السياسية التونسية المختلفة.
حيث ضمّ تحالف الأحزاب التونسية الثلاثة المهمة (التكتل وحركة النهضة وحزب المؤتمر) وذلك ليتم الاتفاق على خارطة الطريق لتولي إدارة البلاد، فتم الاتفاق على تشكيل حكومة ائتلافية وتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية خلال فترة لا تتجاوز عاما من تاريخ مباشرة المجلس التأسيسي لمهامه وكتابة الدستور.
خارطة الطريق التونسية لقد اتفقت القوى المتحالفة على توزيع المهام على الأحزاب المختلفة ولم يحتكر أي حزب -بما فيها الأغلبية الإسلامية التي حازت على العدد الأكبر من مقاعد المجلس التأسيسي- المناصب، ففي الوقت الذي رأس به مصطفى بن جعفر من حزب التكتل الاشتراكي المجلس التأسيسي اتفق التحالف على إقامة حكومة ائتلافية برئاسة حمادي الجبالي أمين عام حزب حركة النهضة الإسلامي.
وفي نفس الوقت انتخب في 12 ديسمبر 2011 بواسطة المجلس الوطني التأسيسي رئيس مؤقت للجمهورية حتى الانتهاء من كتابة الدستور، وجاء الرئيس مصف المرزوقي من حزب المؤتمر من أجل الجمهورية القومي.
وهكذا اتفقت القوى الثلاث المختلفة على خارطة طريق لتونس؛ لتصل بها لبر الأمان، وقد أدارت فيما بينها البرلمان ولجنة الدستور والحكومة والرئاسة، وتم وضع خطة زمنية محددة مدتها عام من انتخاب الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور ثم انتخاب البرلمان الدائم وانتخاب رئيس جمهورية دائم.
إن الثورة التونسية استطاعت خلال العام السابق أن تتغلب على كل العقبات التي واجهتها، من خطط الفلول إلى التوافق الوطني، حتى رسم خارطة طريق واضحة ومتفق عليها من التيارات السياسية المختلفة. تم توزيع إدارة البلاد بين كافة التيارات بطريقة شكّلت بها الأغلبية محركا وطاقة لنهضة البلاد، دون أن تحاول الاستئثار بالسلطة. وقد ظل الجيش التونسي في ثكناته يقوم بدوره العظيم في حماية الأراضي التونسية، بعد أن حمى المواطن والثائر التونسي على الأرض، وطوّق عنقه بجميل حماية الثورة حقاً. والآن تونس لديها حكومة مدنية منتخبة ومجلس تأسيسي لتشريع وكتابة الدستور ممثلا به كل الطوائف بحياد
ورئيس مدني مؤقت يحكم حتى انتخاب رئيس دائم
وعندما ننظر لكل ذلك نجد أننا نقول بأعلى أصواتنا كمصريين نحاول النظر في التجارب التي حولنا لنتعلم منها.. بسم الله الرحمن الرحيم الإجابة تونس!