كانت وفاة الكاتب الصحفي الكبير جلال عامر صدمة قاسية على المصريين والعالم العربي؛ فلقد تعرّض رحمة الله عليه لأزمة قلبية يوم الجمعة الماضي توفّي على إثرها فجر أمس (الأحد). وقد تشابهت ظروف وفاة جلال عامر الذي توفي عن عمر يناهز 60 عاما مع كتابته الساخرة، التي تعتمد على التداعي الحرّ للأفكار والتكثيف وأسطرة الواقع، فكانت آخر وصاياه التبرع بقرنية عينه لمصابي الثورة الذين فقدوا أعينهم، وكانت آخر صورة التقطت له أثناء مشاركته في مسيرة رأس التين بالإسكندرية التي تقع بالقرب من مسكنه، والتي شهدت اشتباكات بين مؤيدين ومعارضين للمجلس العسكري، فلم يحتمل قلبه خلاف المصريين، وقال في آخر كلماته: "المصريين بيموتوا بعض".
وكانت آخر كتاباته على حسابه بموقع تويتر: "مشكلة المصريين الكبرى أنهم يعيشون في مكان واحد، ولكنهم لا يعيشون في زمان واحد".
ويعبّر أدباء ومثقفو مصر عن عميق حزنهم لرحيل الكاتب الكبير جلال عامر، فمن جانبه، يقول الشاعر سعد عبد الرحمن -رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة- إن رحيله خسارة مفجعة للوسط الثقافي المصري؛ فهو أحد الموهوبين الذين خلطوا الصحافة بالأدب، ليجعلك تقرأ له آلاف المرات للبحث فيما وراء معانيه الراقية.
ويضيف أن الهيئة العامة لقصور الثقافة تدرس إقامة احتفالية تأبين خاصة بجلال عامر، وتستضيف محبيه للحديث عن عبقرية هذا الراحل الذي افتقده الوطن كله من أقصاه إلى أقصاه.
ويقول الروائي جمال الغيطاني إن الراحل كان موهبة كبيرة، فرحيله شكّل خسارة فادحة للأدب العربي ككل، موضحا أن عامر بدأ الكتابة في سنّ متأخرة، ولكن سرعان ما حفر ببصمة عميقة كتاباته الساخرة، وفرضها على الواقع الثقافي والسياسي.
ويطالب الكاتب يوسف القعيد وزارة الثقافة بجمع مقالاته وكتاباته في مجلد واحد، واصفا إياه بأنه كان موهبة كبيرة، استطاع أن يرسم البسمة على وجوه المصريين بأسلوب شيق.
يعرّف جلال عامر نفسه من خلال لغة شعرية رشيقة تأخذ من الخيال ما يكفيها للترميز والولوج في الوقت نفسه لمعنى جمالي تفاعلي يبقى في وجدان القارئ، ويقول: "اسمي جلال، أول مواطن يدخل قسم الشرطة ويخرج حيا". وأنا المصري الوحيد الذي كتبت في إقرار ذمتي المالية أن عندي "حصوة" فأنا لا أمتلك "سلسلة مطاعم" بل فقط "سلسلة ظهري" وسلسلة كتب، وحضرت عشرات المؤتمرات الثقافية تحت شعار "دع مائة مطواة تتفتح" ونجوت منها"!
وقد تخرّج عامر في الكلية الحربية، وكان أحد ضباط حرب أكتوبر، وقائداً لسرية في الفرقة 18 بقيادة اللواء فؤاد عزيز غالي، وشارك مع فرقته في تحرير مدينة القنطرة شرق، لكنه درس القانون في كلية الحقوق، والفلسفة في كلية الآداب، وكتب القصة القصيرة والشعر.