أعربت أوساط دولية عن انتقادها لحملات التفتيش التي قام بها فريق من النيابة العامة لمقرات منظمات المجتمع المدني، في إطار تحقيقاتها بشأن تلقّي بعض تلك المنظمات تمويلا من الخارج. وأبدى برنار فاليرو -المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية- اليوم (الجمعة) قلق بلاده بشأن عمليات مداهمة مكاتب المنظمات غير الحكومية، مشددا على تمسّك والتزام بلاده باحترام الحريات الأساسية؛ خاصة حرية المعلومات وحرية التعبير وتأسيس الجمعيات والدور الرئيسي للمنظمات غير الحكومية في دعم الديمقراطية والمجتمع المدني. وقال فاليرو إن المنظمات غير الحكومية يجب أن تكون قادرة على العمل دون عوائق وبطريقة حرة ومستقلة ومسئولة "في إطار من احترام التشريع المصري". من جانبه، كشف رمزي عز الدين -السفير المصري في ألمانيا- عن قيام الحكومة الألمانية باستدعائه، على خلفية مداهمة فريق من محققي النيابة العامة لمنظمات المجتمع المدني المصرية والأجنبية. وأضاف في مداخلة هاتفية لبرنامج "الحياة اليوم"، أن ممثّلي الحكومة الألمانية قد أعربوا عن قلقهم من تفتيش منظمة كونراد أديناور الألمانية؛ حيث إنها تعمل في مصر منذ سنوات، ولا يوجد حولها أي شُبهة قانونية. وأتبع أنه قد أوضح للحكومة الألمانية تداعيات تلك الإجراءات، وأنها قد جاءت في إطار تحقيقات الحكومة المصرية عن قضية التمويل الأجنبي المخالف لقانون المنظمات الأهلية. وأكّد عز الدين أن ممثّلي الحكومة الألمانية في نهاية الاجتماع قد أبدوا حالةً من التفهّم، وأنهم لن يتخذوا أي إجراءات سياسية تجاه الحكومة المصرية؛ وذلك بحسب قوله. وانتقدت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية ما وصفتها بأعمال العنف والاستفزاز التي قالت إن "قوات من الجيش والشرطة المصرية مارست أعمال عنف ضد مكاتب تتبع لمنظمات دولية غير حكومية في مصر تعني بالديمقراطية وحقوق الإنسان في البلاد". وذكرت الصحيفة في افتتاحيتها اليوم أن الجيش المصري يُمارس ما وصفته ب"القمع والاستبداد الذي لم يجرؤ نظام الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك على ممارسته". وأشارت الصحيفة إلى اقتحام السلطات المصرية لمكاتب في القاهرة تتبع لمنظمة "بيت الحرية" الأمريكية ومقرها واشنطن، مضيفة أن عناصر من الجيش والشرطة المصرية قامت بتفتيش مكاتب المنظمات الحقوقية ومصادرة أجهزة حاسوب ووثائق وممتلكات أخرى تعود لتلك المنظمات. وذكرت واشنطن بوست أن الانتهاكات لحقوق الإنسان ولمكاتب المنظمات الحقوقية التي جرت في مصر من شأنها أن تشكّل استفزازا من جانب المجلس العسكري المصري لإدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما. وعبّر ديفد كريمر -رئيس منظمة "بيت الحرية" الأمريكية- عن انتقاده لما وصفه ب"الدوس على حقوق الإنسان في مصر". وقال في مقال بصحيفة واشنطن بوست: "الانتهاكات التي تعرضت لها مكاتب المنظمات الحقوقية في مصر تشكّل تهديدا لآمال المصريين بشكل عام". واتهم الكاتب في مقاله قيادة الجيش المصري بشن حملات ضد منظمات المجتمع المدني منذ أكثر من شهر، وقال إنها "تتوجت البارحة بدهم القوات لمكاتب منظمة "بيت الحرية" في القاهرة ومكاتب ومقار منظمات مدنية أخرى". وأشار كريمر إلى الثورة الشعبية المصرية التي أسقطت مبارك وإلى تولي المجلس العسكري الأعلى زمام الأمور في البلاد، مضيفا أن العسكريين سرعان ما انقلبوا على حقوق الإنسان بشكل لافت. كما طالب رئيس منظمة "بيت الحرية" السلطات المصرية بضرورة إعادة كل الممتلكات التي صادرتها، وبالسماح بإعادة فتح مكاتب المنظمات غير الحكومية التي أغلقتها في حملة البارحة. وأكد دور تلك المنظمات في الدفاع عن حقوق الإنسان والعدالة، والترويج لنظام سياسي ديمقراطي في البلاد. وكان فريق من محققي النيابة العامة قد قام أمس بعملية تفتيش لعدد 17 مقرا لفروع منظمات مجتمع مدني مصرية وأجنبية؛ تنفيذا لأمر التفتيش الصادر من قضاة التحقيق المنتدبين من وزير العدل، في شأن قضية التمويل الأجنبي المخالف للقانون للمنظمات الأهلية وما يرتبط بها من جرائم أخرى. وقال بيان لقضاة التحقيق المنتدبين من وزير العدل إنه "في إطار التحقيقات الجارية في قضية التمويل الأجنبي للمنظمات الأهلية وما يرتبط بها من جرائم -فإنهم قد أصدروا أمرا بتفتيش عدد 17 مقرا لفروع منظمات أجنبية وأخرى مصرية، بناء على ما توافر بالتحقيقات من دلائل جدية على قيامها بممارسة أنشطة بالمخالفة للقوانين المصرية ذات الصلة، وثبوت عدم حصول أي منها على أي تراخيص أو موافقات من وزارة الخارجية المصرية ووزارة التضامن الاجتماعي على فتح فروع لها في مصر، وما يرتبط بذلك من جرائم أخرى بالمخالفة لقانون العقوبات وقانون الجمعيات الأهلية". وأوضح البيان أن النيابة العامة تقوم على تنفيذ أمر التفتيش المشار إليه لضبط الأوراق والمستندات والمطبوعات والأجهزة مما تكون قد استعملت في ارتكاب الجرائم محل التحقيق أو أعدت لاستعمالها فيه، مؤكدا أن التحقيقات لا تزال جارية فيما يسفر عنه تنفيذ أمر التفتيش أولا بأول.