"أبشر أبشر يا برلمان.. جاي لك سلفي مع إخوان".. هكذا ردّد المئات من أنصار حزب الحرية والعدالة وحزب النور هتافاتهم عقب إعلان نتيجة فرز الأصوات الانتخابية في أكثر من جولة وأكثر من مكان، مع خروج المسيرات الحاشدة التي تزفّ للأمة البشرى، وتؤكد حقيقتين أساسيتين: الأولى: أن من حق الإخوان المسلمين -بعيداً عن لفظ الذراع السياسي- أن يشكّلوا حكومتهم فورا، ويتسلموا إدارة مصر، بعيدا عن أي حجج واهية. الثانية: أن تنازل الإخوان عن هذا الحق تحت أي مسميات إنما هو خيانة للديمقراطية، وسيؤدي بكل تأكيد إلى حلّ البرلمان بعد سبعة أشهر فقط!! فبمجرد وضع الدستور الجديد وإقراره باستفتاء شعبي فإن هذا المجلس يصبح بلا شرعية للبقاء ولو ليوم واحد. وترجع هذه الفوبيا من الإسلاميين لدى البعض لما غرسه النظام البائد في أذهان وعقول المصريين وغيرهم من الغرب وأذنابهم في بلاد الشرق من أن الإسلاميين هم البديل السياسي للحكم، وكان الهدف من ذلك تبرير حكمه القمعي وفساده السياسي، مع أن الواقع يقول غير ذلك، فالحكومة التونسية تمّ تشكيلها بتوافق وطني، وقد فاز حزب النهضة الإسلامي بأكثر من 40%، وكذلك الحال في المغرب التي دُعي فيها مؤخراً حزب العدالة والتنمية الإسلامي لتشكيل الحكومة، وسبق هذا وذاك حكومة تركيا بقيادة حزب العدالة والتنمية الإسلامي التركي، ومع هذا لم تنقلب الدنيا رأساً على عقب، بل سارت الأمور وتسير بصورة أفضل مما كانت عليه في العصور السابقة. وقد يرجع هذا الخوف أيضا إلى التصريحات غير المسئولة من بعض قيادات الجماعة السلفية عن السياحة والأدب والفن والآثار والبنوك، رغم عدم خبرتهم الاقتصادية والسياسية التي قد تحوّل البلاد إلى عصور الظلام وعودتها للوراء، حيث قام أحد قادة السلفيين بتكفير الأديب العالمي نجيب محفوظ الحاصل على جائزة نوبل، ووصف أدبه بالدعارة. ومع الاعتراف بأن وضع مصر غير أي بلد آخر؛ بمكانها ومكانتها وتاريخها وقدرتها على قيادة المنطقة كلها، إلا أن تبديد هذه التخوفات يتلخص فيما يلي: جذب الاستثمارات الخارجية والداخلية ودفع عملية الإنتاج والتنمية والنهضة بالبلاد، والتعاون والتكاتف والتماسك بين أطياف الحركات الإسلامية، والحفاظ على النظام الديمقراطي بحريته وتداوله السلمي للسلطة، وإعطاء النموذج الأمثل في ذلك، مع التحذير شديد اللهجة من ظهور نزاع داخلي بين الإخوان والسلفيين، حتى لو اضطررنا إلى رفع الشعار إياه: "الإخوان والسلفيين إيد واحدة" لأن الفشل والإخفاق -لا قدّر الله- سيلحق بالجميع. إن طريق النهضة والإصلاح والبناء طويل، ولا يتحقق بين يوم وليلة، ولكن مسافة الألف ميل تبدأ بخطوة، والحياة فيها متسع للجميع، وقياسا على ما قاله الحبيب صلى الله عليه وسلم: "لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى"، فإنه لا فضل لإخواني ولا سلفي على ليبرالي أو يساري إلا بما يقدّمه من تضحيات بمصالحه الشخصية والحزبية وإيثار لمصلحة الشعب بكل طوائفه المسيحي قبل المسلم، ولا نتوقع مثلا أن يفتتح عمرو بن العاص الجلسة الأولى لبرلمان التصحيح! ولا أن يضيء "النور" وتعمّ "الحرية والعدالة" على أنحاء المحروسة خلال فترة وجيزة، مع التأكيد على أن الشعب العظيم الذي انتخبهم من الممكن أن يطيح بهم مرة أخرى؛ فالسيادة للشعب، والدين لله والوطن للجميع، حماكِ الله يا مصر، وجعلك حصنا أمينا للإسلام الحقيقي السمح الذي لا يعرف التطرف ولا الرهبنة. ولا أجد أفضل من الأبيات التالية التي نظمها أمير الشعراء أحمد شوقي عقب انتخابات أجريت عام 1923، كأول انتخابات برلمانية جرت وقائعها بعد نجاح ثورة عام 1919 لأختم بها حديثي:
البرلمان غداً يمدّ رواقه ... ظلاً على الوادي السعيد ظليلا
قل للشباب اليوم بورك غرسكم ... دنت القطوف وذُلّلت تذليلا
حيّوا من الشهداء كل مغيب ... وضعوا على أحجاره إكليلا
ليكون حظّ الحي من شكرانكم ... جمّا وحظ الميت منه جزيلا
لا يلمس الدستور فيكم روحه ... حتى يرى جنديه المجهولا
ناشدتكم تلك الدماء زكية ... لا تبعثوا للبرلمان جهولا