السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أنا فتاة في ال23 من عمري، مشكلتي أني أشعر بأني تائهة في دنيا غريبة عني، دائما أشعر بالخوف من هذه الحياة لأني أعتقد أن هذه الحياة ظالمة وغير عادلة على الإطلاق؛ فهي مجرد مسرح كبير للحروب والفساد وظلم الإنسان لأخيه بشتى الطرق لمجرد مكسب بسيط، وقد ازداد ذلك الشعور بالغربة بعد وفاة أخي الأكبر رحمه الله. الحمد لله أنا أعمل بوظيفة معقولة ومناسبة في الوقت الحالي، وليس عندي وقت فراغ كبير؛ لكن المشكلة أني أشعر بأني فارغة من داخلي، أخاف أن يمضي العمر.. أقف فجأة لأراجع نفسي فأجد أني لم أحقق شيئا وأن حياتي لم يكن لها أي معنى. أشعر بأني قد أبحرت في مركب صغير؛ ولكني فقدت الطريق إلى البر المتوجهة إليه، وفي نفس الوقت لا أستطيع أن أعود إلى المكان الذي كنت فيه؛ قارب صغير تحمله الأمواج وترميه دون أي قدرة على المقاومة. أشكركم على استماعكم فمجرد الحديث يريحني، وأعتذر عن الإطالة. nor elden صديقتي العزيزة.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. قرأت رسالتك ولم ألتفت للسن في بادئ الأمر، وظننت أنني أقرأ رسالة من سيدة في منتصف العمر، أو ربما تخطته لأعود وأقرأ الرسالة مرة أخرى ليفاجئني سنك (23 سنة)!! شابة في بداية حياتها والمستقبل أمامها بإذن الله؛ لكن ماذا ألمّ بها؟! إنه الحزن واليأس ومشاعر الاكتئاب.. لا ألومك؛ فأنا أقدّر ما أنت فيه، وأشعر بك، ودعيني أساعدك على أن تحمِلك سفينة تُدركين فيها معنى ما مر بك من أحداث قذفَتْ بك بين أمواج الحزن والاكتئاب.. فلنُبحر معا لبر الأمان بإذن الله. عزيزتي، الأمر كله في الغالب مرتبط بوفاة شقيقك -رحمه الله- وأنا لا أعلم كم من الوقت مرّ على وفاته؛ فمن الطبيعي أن وفاة المقربين تجعل أي إنسان عادي يمر بمراحل من الاضطراب في المشاعر؛ حتى تنتهي أو يقل أثرها بعد ثلاثة إلى ستة أشهر؛ فما هي هذه المراحل؟ وماذا يعني موت أحد المقربين؟ هذه المراحل هي: 1- مرحلة الإنكار أو الصدمة: وهي مرحلة تُعدّ رحمة من الله تعالى حينما يعرف المرء بعقله أن فلان مات؛ لكن لم يعايش الموت كخبرة شعورية، وهذا يخفف -إلى حد كبير- وطأة الصدمة في بادئ الأمر؛ بحيث يستوعب المرء الموقف تدريجيا، وتبدأ معايشة الموت كخبرة شعورية. 2- مرحلة المراجعة لما كان يجب أن نفعله تجاه المتوفى فننقذه ولا يموت. 3- مرحلة الاكتئاب، وهنا خبرة الموت الشعورية تكون قد وصلت إلى ذروتها؟ فماذا يعني الموت كخبرة معاشة؟ كلنا نعلم أن الموت علينا حق وأننا سنموت، وأن لكل أجَل كتاب؛ لكن كل ذلك من خلال حيلة دفاعية تُسمى "العقلنة"، وهنا تنفصل الفكرة عن الشعور؛ فنتكلم عن الموت لكن وكأنه أمر بعيد عنا (بتاع حد تاني).. لكن صدمة موت القريب تعني خلخلة في هذه الحيلة الدفاعية؛ لتعود فكرة الموت وترتبط بالخبرة الشعورية المصاحبة لها، والتي تعني وتؤكد ضعف الإنسان، وأنه كائن لا حول له ولا قوة، وهذا هو أصل الاكتئاب الأصيل الذي ندفعه عن أنفسنا في حياتنا بالعقلنة كما قلت لك، والتي متى انهارت واجهنا حقيقة الأمر المرتبط بضعفنا وقلة حيلتنا، وأننا مخلوق لا حول له ولا قوة. وفي هذه المرحلة تكون هناك بعض الأعراض الدالة على حدوث الاكتئاب؛ كفقدان الشهية للطعام، وقلق واضطرابات النوم، ونوبات بكاء، وشعور بالغربة والوحدة والخواء النفسي.. وهذا بالضبط ما أنت عليه الآن؛ فربما طالت بك هذه المرحلة من الاكتئاب بعض الشيء وتعطل وصولك للمرحلة التالية بعد مرحلة الاكتئاب، والتي تتسم بالهدوء والصبر والاستسلام والرضا بقضاء الله وقدره، والتي يتبعها العودة التدريجية للعقلنة، وهبوط الخبرة الشعورية المرتبطة بالموت، والعودة لممارسة الحياة بكافة أشكالها من العمل والحياة الاجتماعية. إذن ماذا تفعلين للخروج من مرحلة الاكتئاب والعودة التدريجية للحياة؟ 1- تحدثي إلى من يمكن أن يسمعك من الأصدقاء عن حقيقة مشاعرك تجاه أخيك، ومشاعر الحزن التي تعيشينها بعد وفاته، تكلمي عن ذكرياتك الجميلة معه، ولا بأس من البكاء فهو مطلوب لإخراج طاقة الحزن المكبوت. 2- كوني على ثقة من أن الحزن حتما سيتهاوى تدريجيا؛ فكوني صبورة، واعلمي أنك ربما لا تستطيعين العودة إلى ما كنت عليه، وهذا جيد فالموت خير واعظ؛ لكن بإمكانك أن تسعدي بأشياء عديدة في حياتك؛ فالمشاعر الحلوة معين لا ينضب، وهكذا الحياة؛ نحزن وننسى ونسعد ولكن نتعظ. 3- الاعتراف بمشاعر الحزن وعدم إنكارها؛ لأن الإنكار ينتج الأعراض النفسية من الاكتئاب والقلق والأفكار الوسواسية أحيانا. 4- التكيف مع الوضع الجديد، ومحاولة إيجاد مَن تثقين به، ويعوضك عن علاقتك بأخيك، ولتكن إحدى صديقاتك أو أقاربك لتوظيف طاقة الحب والمشاعر بشكل صحيح؛ لأن هذه الطاقة ما لم تُوظف تتحول إلى أعراض. 5- التركيز في العمل والأنشطة الاجتماعية. 6- اللجوء إلى الطبيب النفسي إذا استمرت معك الأعراض لأكثر من ثلاثة أشهر، وأثّرت بشكل ملحوظ على جوانب حياتك المختلفة في العمل والعلاقات الاجتماعية؛ حتى لا يتطور الأمر إلى نوبة اكتئاب عظمى.. أنعم الله عليك بالصبر والسكينة.