في حفل ثقافي وفني أقيم بمكتبة ديوان فرع الزمالك مساء الأحد 6 ديسمبر 2009 حفل لتوقيع الديوان الجديد للفنان "خالد الصاوي" الذي يحمل عنواناً جذاباً وهو "نبي بلا أتباع" وهو الصادر مؤخراً عن دار دون للنشر والتوزيع التابعة لموقع دار الكتب. بدأ الحفل في تمام السابعة مساءً وسط حضور جماهيري كثيف وحضور لافت للنظر للقنوات الفضائية التي حرصت على تسجيل اللحظات التي يُقدّم فيها الصاوي نفسه بصفته شاعراً مثقفاً لا بصفته ممثلاً فقط.
وقد بدأ الصاوي كلمته بتنويه عن فكرة الديوان، وعن مواضيعه المتعددة التي تمثل مراحل هامة في حياته الشخصية، خاصة أن الديوان شكّل علامة فارقة ومؤثرة في بدايات حياة الصاوي، وهو ما أدى إلى اقتناعه بأن الديوان مناسب؛ لأنه يحمل عنوان "نبي بلا أتباع" حيث يحمل العنوان اختزالاً لفكرة أن يمضي نبياً في طريقه وحيداً ولا يجد من يتبعه رغم نبل مقاصده وسلامة نيته.
فقال: "تعرفت على عالم الكلمات في سن العاشرة.. كان والدي متيماً بلغة القرآن الكريم ومولعاً بالشعر، ومنه تعلمت تذوق الكلمة.. تعلقتُ أولاً بقصار السّور، ثم وجدتني في سن الرابعة عشرة أغوص نهاراً في عوالم المتنبي وشوقي ونزار قباني وبيرم وفؤاد نجم، ثم أنكبّ في الليل محاولاً وأن أصنع شيئاً على منوالهم".
وفي السادسة عشرة من عمري بدأت أقرأ بواكير أشعاري على أصدقائي، وبعد عامين وجدتني أحصد جوائز الشعر في مسابقات جامعة القاهرة حتى خُيّل إليّ أني خلقت لأكون شاعراً.. فرحت أنهل من الشعر العربي والعالمي محاولاً العثور على صوتي الخاص.. دون جدوى!
كان هناك شيء ناقص لا أعرف كنهه بعد.. ولكني استسلمت رغم ذلك للذة البوح المنظوم. تخرجت وأصبحت محامياً، وعلى مدار السنوات العشر التالية درست الإخراج السينمائي ومارست التمثيل مع عدة فنون مسرحية أخرى، ثم احترفت الإخراج التليفزيوني، كما نشرت ديواني الأول "بعث الخيول" ومجموعة قصصية ونصين مسرحيين، كل هذا ولم أحقق نجاحاً واضحاً! وهكذا وصلت لمحطة عام 1995 في الثانية والثلاثين من عمري.. مخرجاً وموظفاً بمبنى ماسبيرو، مديراً لفرقة مسرحية مغمورة، مشروع كاتب معطل، وممثلاً لا يعرفه أحد.
أذكر يوم أن تقدّمت بديواني هذا -نبيّ بلا أتباع- لمسابقة كبيرة، فوجدته شرطاً أن يكون الديوان منشوراً، فجمعت جنيهات مرتبي القليلة وأمدّني والدي ببقية تكاليف نشر الديوان وطلبت من زميل بماسبيرو وقتها -وكان يملك دار نشر صغيرة- أن نطبع وننشر الديوان حتى أستطيع دخول المسابقة.. لا أعرف لماذا كنت واثقاً من فوزي بالمبلغ الضخم وبقية توابع الجائزة من شهرة وتسهيلات في نشر ما سيليه من أعمال!!
وبالفعل طبعنا 500 نسخة، وتقدمت للمسابقة واضعاً كل أرقام تليفوناتي في البيت والعمل حتى يعثروا عليّ بسهولة حين أفوز! كنت لا زلت مخموراً بعبق الجوائز السابقة التي حصلت عليها في الشعر في المرحلة الجامعية وفي التأليف المسرحي بعدها، لم تكن الشهرة والمال وفرص النشر هي أهدافي المباشرة.. بل كنت أريد أن أثبت لذاتي أولاً.. أنني لست فاشلاً تماماً.
تقدمت للمسابقة وعدت إلى مبنى ماسبيرو العزيز باحثاً عن زميلتي التي خطفت قلبي منذ فترة (كنت لا زلت وقتها أؤمن بالحب من طرف وحيد) فأهديتها نسخة ورحت أتأملها وهي تتصفح الديوان شارداً في قصة حب عظيمة قادمة، وبيت أنيق يضمنا، وطفل مرح يحمل ملامحنا معا، وبلغت بي وقاحة الحلم أن نذرت مبلغ الجائزة لشراء الشَّبْكَة!
طبعاً كل ما يلي ذلك مفهوم: لم يرن أيّ من هواتفي، الزميلة ارتبطت بإنسان يستحقها، لم يسمع أحد بالديوان، وزّعت جميع النسخ بالمجان طمعاً في بعض الانتشار، قرأت بعض قصائده في معرض الكتاب، ولكن.. لا شيء!!
وشعرت بالحرج أمام نفسي، الحرج من سذاجتي الشاملة، فقلت لنفسي: لقد فشل ديواني الثاني أيضاً، ها أنا قد عرفت الآن كم أنا شاعر متواضع، ورجل طفل..!! فهجرت النشر.. كما طلقت دون رجعة الحب من طرف واحد.
واستمرت الكتابة مع ذلك رغم انسحابي من الوسط الأدبي الذي لم يشعر بي من البداية، ركزت جهدي على المسرح فنلت بعض النجاح المحدود، ثم اندمجت مع التمثيل أكثر فأكثر (لطالما كان هو علاجي النفسي) وتوارى في ذاكرتي نبيٌ بلا أتباع بكلّ ما مثّله وقتها من تجربة محبطة، وانكببت على قرض الشعر في الخفاء خشية أن يجرحني ثانيةً فشلي المتكرر فيه.
ومرت عشر سنوات أخرى حتى سمعت عام 2005 بعالم التدوين وأنا في إحدى المظاهرات التي انفجرنا بها عقب وفاة عدد من أصدقاء العمر ضحايا للإهمال الحكومي بمسرح صغير ببني سويف، وفي غمرة احتجاجي على ذلك الإهمال الوضيع الذي قتل أصدقائي تخيلت أني قد أموت فجأة في حادث عبثيّ كهذا دون أن تصل كتاباتي إلى الناس.. ورغم أني صرت واثقاً أني شاعر متواضع إلا أني كنت -ولا زلت- مصراً إصراراً جنونياً على أن تصل كل تجاربي الصادقة للناس بما فيها الشعر.. حتى ذلك الشعر الذي كتبته منذ زمن، فانكببت على أوراقي القديمة فحصاً وتنقيحاً ثم أنشأت مدونتي "الخبز والحرية" ونشرت بها كتابات كثيرة أغلبها قصائد، وخيراً فعلت.. فلقد وجدت فجأة من يتابعها.. ووجدت أخيراً بعضاً من قراء حُرمت منهم طويلا.
كما قام الصاوي بإلقاء عدة قصائد مفضلة لديه من الديوان نالت إعجاب الحضور الذي تعجب من قدرة الصاوي وتمكنه من فنون الإلقاء وكأنه ولد شاعراً مخضرماً وليس ممثلاً أو مخرجاً فقط.
كما أجاب الصاوي على تساؤل لأحد الحاضرين عن سبب ظهوره المفاجئ كممثل محترف وبشكل مكثف رغم أنه يمثل منذ وقت طويل؟ وهو ما أجاب الصاوي عليه ضاحكاً: "أنا لم أظهر بشكل مفاجئ كما يظن البعض، ولكن محاولاتي المستميتة للنجاح هي التي ظهرت فجأة، وعلل ذلك قائلا: "كنت مثابرا وحاولت بشتى الطرق، ومن يفعل ذلك لابد له أن ينجح ولو بعد حين". وهو ما أدى إلى تفرع أسئلة الحاضرين إلى تساؤلات حول دور الواسطة والمحسوبية في صناعة نجم سينمائي أو تليفزيوني وهو ما رد عليه الصاوي بأن الإبداع الفني الحقيقي يلفظ كل من تسرب إليه بواسطة أو محسوبية لا يستحقها.
كما أكد الصاوي أن دور الفرد المثقف في تغيير البيئة المحيطة به يبدأ من جيل الشباب بوجود وعي سياسي بما يدور حولهم بشكل واضح، موضحاً أن السياسة لا تنفصل عن الاقتصاد وإنما يدور الكل في دائرة واحدة مفادها خدمة المواطن الذي يعاني من انفصال مفاهيم الساسة عن مطالب شعوبهم.
وفي نهاية الحفل قام الفنان والشاعر خالد الصاوي بإلقاء قصيدة كتبها حديثاً؛ تتكلم عن غربة اللغة العربية وسط أهلها وقد نالت استحسان الحضور ثم قام بتوقيع ديوانه الجديد لجمهور الحاضرين.
يذكر أن الديوان يبدأ بمقدمة للناقد مدحت الجيار يقول فيها: "أربعون قصيدة من شعر خالد الصاوي تتحدث عن نبي ليس له أتباع، نبي من هذا الزمان الذي ينتشر فيه الشر أكثر من انتشار الخير، ورغم ادعاء النبوة من فم الشاعر إلا أنه يؤمن بأن النبوة بلا أتباع نبوة كاذبة". أربعون قصيدة من الشعر الحديث التفعيلي والنثري، يستعرض فيها الشاعر إمكاناته اللغوية والفنية، بل يكتب بعض القصائد المحافظة -أعني العمودية- ليبرهن على أن القدرة الشعرية تظهر وتُكتب في أي شكل من أشكال النص الشعري، إلا أن المرأة والذات الشاعرة يتفاعلان باستمرار ليتحدث النص عن الحب، عن الجمال، عن الخيانة، وعن الإخلاص!
خالد الصاوي: الإبداع الحقيقي يلفظ كل ما تسرّب إليه بواسطة أو بمحسوبية!! * دنيا الأدب اضغط على الصورة لمشاهدة الجاليري: