أنا لا أسلِّم سيفي/ لأن الذي سلَّم السيف قبلي.. تعرَّي به/ ولا أطلب الحَكَم العدل بيني وبين معاوية /«من سيغسل قلبه من ذنبه؟» /فإن ترفعوا مصحفا فوق حربة /سأصرخ: لعبة!/ وأضرب أضرب حتي يطير الكلام الجميل إلي ربه! /«معاوية أم عليّ؟»/أجيب:/أحب الخيول التي تتكاثر فيها الذنوب / أحب الطريق التي ليس منها هروب/ أنا لا أسلِّم سيفي/ ولو كان في كبريائي الصليب! بهذه الكلمات المفحمة المتمردة الضاربة في الحزم والصمود والكبرياء والتحدي يطل علينا «خالد الصاوي»، ليس هذه المرة بصفته ممثلا بارعا، وإنما بصفته شاعرا مجيدا وأديبا فصيحا، وهذا من خلال ديوانه الشعري «نبي بلا أتباع». من يتابع حياة «خالد الصاوي» سيجدها المنبع الأصلي والمصبّ الطبيعي لكل الفنون التي يجيدها، فالصدق والتعبير عما بداخل النفس دون حسابات شخصية أو تجارية، والتمرد علي الواقع الأليم، والتوغل داخل الحرم السياسي، كل هذا ستجده حاضرا أينما مددت يديك في صندوق «خالد الصاوي»، ستجد هذا في الممثل والمخرج والسيناريست والعازف والسياسي.. والشاعر أيضا. فرغم أن هذه القصائد التي يحتويها الديوان هي قصائد قديمة كتبها الشاعر في شبابه وأثناء دراسته بالجامعة، ورغم اختلاف عوامل الزمن والشخصية والنضوج والظروف الحياتية، فإن «خالد الصاوي» أراد أن يري القارئ قصائده ومشاعره حينها كما هي، كأنه أراد أن يأخذ بيد القارئ إلي زمنه وشبابه وتجربته العاطفية الحقيقية الصادقة التي لم تكتمل، إلي أفكار شاب جامعي مازال يبحث عن مرفأ لأفكاره الحائرة المتمردة.. لم ينقِّحْ «خالد الصاوي» ديوانه من المفردات القديمة، ولم يهتم ببعض الهنّات في أوزان الشعر، رغم أن نضجه الحالي وتطوره الشعري الطبيعي الآن - وقد صدر له من قبل ديوان محكم بعنوان كلام مرسل- يسمح له -كما نظن- بكثير من التعديل والتبديل، ولكنه آثر أن يكون شاعرا صادقا عن أن يكون شاعرا متكلفا! والصراع الأزلي في شعر «خالد الصاوي» هو صراع مع الكون كله، فرسالته التي يتكبد من أجلها المشاق هي رسالة عامة للدنيا ومن فيها، رسالة لا تختلف كثيرا عن رسالات الأنبياء والمصلحين والدعاة علي مر التاريخ، ولكن رسالته تحديدا تختلف في أنها بلا أتباع، يمشي وحيدا يحمل دعوته علي ظهره ولا يتبعه أحد ولو من باب الشفقة، ربما لأن هذه الدعوة تحديدا قد مسَّت أشياء لا يمكن تعديلها، وصفات لا يمكن الوصول إليها عند الأتباع في زمننا هذا.. الحب والأخوة والبسمة والارتياح. يقول الشاعر في قصيدته «سِفر النبوة»: مباشر أنا ككل الأنبياء ومُلكي لستُ أدعيه في السماء يعيش من يحب أن يحب الله يعيش في حقول الله يزرع الحياة فيحصد الحياة في سماح مباشر أنا.. مبشّر بأبسط الأشياء بعالم أخٍ ..وبسمة ارتياحْ. ورغم هذا الجهد وهذا الصدق في تبليغ رسالته وقضيته إلي أتباعه، فإنه يفاجأ بأنه وحيد تماما، لم تؤثر صرخاته في أحد، فلم يجد أتباعا يأتمرون بأمره ولا يتبعون نصائحه، مما عصف بفؤاده وارتد إليه النكران والجحود من الناس إليه كما يرتد صدي الصوت، فيصاب قلبه بنفس ما أصاب الأتباع. يقول في قصيدته «نشيد الختام» أشعر بعد مضيِّ الرحلة/ أني وحدي في الصحراء/ حتي جملي شد رحاله/ كنت نبيا.. دون رسالة/ دون وصايا/ كنت نبيا.. ثم فقدت كتابَ الدين!/ لم يتبعني إلا ظلي والغيمات/ عاش نبي في أحشائي.. حتي مات!! الغلاف: صورة لنصف وجه «خالد الصاوي».. يظهر فيها تمرده وحزمه بوضوح، وكأنه يدعو كلا منا لأن يصبح واحدا من أتباعه!